04-سبتمبر-2016

غاليانو

ولد إدواردو جيرمان ماريا أوجيس غاليانو (1940-2015) في مونيفيديو، في الأوروغواي، وتحديدًا في الثالث من أيلول/سبتمبر. في ذكراه السنوية الأولى نستعيد ذلك الكاتب الذي بدأ متمردًا على الإمبريالية ومساندًا لاشتراكية شافيز، ومطاردًا لعدة فترات ومنفيًا. حين مُنح الميدالية الذهبية في دورة الفنون الجميلة في مدريد عن كتابه "الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية" قال قولًا يحفظه عن خوسيه مارتي مؤسس الحزب الثوري الكوبي: "إن كل أمجاد العالم يمكن أن تحويها حبة ذرة".

لا يزال النظام الرأسمالي يتحكم في العالم رغم تنامي الوعي العالمي بكونه نظامًا لا أخلاقيًا

"الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية" كتاب أهداه هوغو شافيز لأوباما، وهو من أهم الكتب التي تتحدث عن تاريخ أمريكا اللاتينية، وبالتالي تاريخ إسبانيا بصفتها الدولة المستعمِرة، وهو أيضًا كتاب تختلط فيه الكراهية والمحبة. وعلى الرغم من أنه كتب عام 1971 إلا أن العديد مما ورد فيه لا يزال قائمًا حتى يومنا هذا، فلا يزال النظام الرأسمالي يتحكم في العالم رغم تنامي الوعي العالمي بكونه نظامًا لا أخلاقيًا. لحسن الحظ، قرر عدد غير قليل من بلدان أمريكا اللاتينية التخلص من نير الإمبريالية في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين بثورات متعاقبة، بعضها نجح وبعضها الآخر نجح ظاهريًا، إلا أن هناك بعض المحاولات لزعزعة تحقيق استقرار هذه الأنظمة المنتخبة ديمقراطيًا من أجل العودة إلى فقدان الهوية الذي عانت منه هذه البلدان لسنوات عديدة.

اقرأ/ أيضًا: تواطؤ الكاتب مع الموت

يقدم الكتاب وجهة نظر مختلفة، حيث يروي الأحداث من منظور جديد يساعد على تشكيل رؤية جديدة للواقع أكثر إنسانية وأكثر اكتمالًا، وهو أيضًا رحلة محببة إلى النفس عبر أماكن جميلة في الأرجنتين وأوروغواي، في البرازيل وتشيلي، في بوليفيا وكوبا، الأماكن التي عانت تبديدًا للموارد واضمحلالًا للثقافة. يقول غاليانو: "بوتوسي اليوم هي مجرد مدينة فقيرة تعج بفقراء بوليفيا، وهي التي أعطت العالم كل شيء ولم تعد تملك شيئًا".

مرايا... ما يشبه تاريخًا للعالم

"مرايا" كتاب يحكي قصة العالم منذ بدء الخليقة حتى اليوم، وهو يفعل ذلك من منظور الأشخاص الأقل شهرة ممن لم يرد ذكرهم في الصحف والكتب، وكما يقول العنوان الفرعي للكتاب إنه التاريخ العالمي تقريبًا. ما يميز هذا الكتاب هو قدرة غاليانو العبقرية على ربط الأحداث الضخمة والحوادث الحزينة عميقة التأثير بالفكاهة والسخرية والمفارقة، تحت عناوين صغيرة مثيرة للاهتمام مثل "مؤسسة الذكور" و"الحقوق المدنية في كرة القدم" و"قيامة يسوع. 

صيادو التاريخ

كتاب وصفته صحيفة "سيمانا"، أو الأسبوع الإسبانية، بأنه الهدية الأخيرة من غاليانو إلى قرّائه، والتي رفضت دار النشر أن تنشر مقاطع لقرائه وفضلت أن تعلي سقف لهفهتم لانتظاره، وقد أنهاه صاحب "ذاكرة النار" قبل وفاته بأسابيع. كتبت عنه الصحيفة: "هو كتاب يحوي مطالبات بكرامة الذين يعيشون على الهامش، ودفاعًا عن الطبيعة المعتدى عليها، ودفاعًا عن الشعوب الأصلية وما تعانيه من تبجح وفوقية في التعامل معها".

في كتابه "صيادو التاريخ"، يُظهر غاليانو الجانب الحميم الشخصي من حياته

اقرأ/ أيضًا: ويكيبيديا العربية.. بؤس ثقافي

الكتاب أيضًا يحوي عشرين مقطعًا منفردًا كتبها غاليانو، أو خربشات كما وصفها ناشره. هي نصوص أيامه الأخيرة، وكان شقيًا في كتابتها والعمل عليها، وهو نوع من النثر المقفى الذي طالما تميز به غاليانو. للمرة الأولى في هذا الكتاب يُظهر غاليانو الجانب الحميم الشخصي من حياته مقدمًا للقارئ أجزاء من سيرته الذاتية، حيث يكتب عن أسباب اعتناقه للكتابة كأداة للخلاص، وعن طفولته وزمن المدرسة، وعن بعض التعليقات التي قيلت حول كتبه، ويقدم آراءه حول الموت. 

يُقسم الكتاب إلى أربعة أقسام يتحدث في أحدها عن المنبوذين قائلًا: "العالم يسافر، ويحمل منبوذين أكثر منهم مسافرين، في كل مرة يموت آلاف من المحبطين قبل أن يكملوا رحلتهم إلى الفردوس المنشود، إلى حيث يتحول كل الفقراء إلى أغنياء، والكل يعيش في هوليوود، ولا تدوم طويلًا تطلعات الذين ذهبوا ووصلوا إلى هناك".

في إحدى طبعاته ينتهي الكتاب بقصيدة يقول فيها: "فلأمش في الجمال لأجد الجمال أمامي وخلفي، ومن فوقي وتحتي، وفي كل ما يحيطني، على طول طريق ملأى بالجمال، منتهيًا بالجمال أريده".

نساء

يصور صاحب "أفواه الزمن"، بلغة ساحرة وبتكثيف عال، الشخصيات النسائية في هذا العمل، مستندًا إلى ثقل قضاياهن، مثل قصة روزا لوكسبمرغ، وجان دارك، ريغوبيرتا مانشو. أو مستندًا إلى جمالهن ومواهبهن مثل: مارلين مونرو، وريتا هيورث، وفريدا كالهو، وماري كوري، وكاميل كلوديل، وجوزفين بيكر. ويحكي المآثر الجمعية لنساء مجهولات، مثل النسوة المقاتلات في الثورة المكسيكية. يقول: "لا يوجد تقليد ثقافي لم يبرر سيطرة الرجل على الكلمة والسلاح، ولا توجد ثقافة شعبية لم تكرس احتقار المرأة أو لم تعتبرها خطرًا أو عارًا".

ومن المقاطع التي وردت في جريدة "الباييس" الإسبانية اليومية، يكتب تحت عنوان "شهرزاد": "لينتقم من واحدة خدعته، كان الملك يذبحهن جميعًا، في الغسق يأخذها وفي الفجر يترمل، واحدة تلو أخرى. تفقد العذراء عذريتها ثم رأسها، شهرزاد كانت الوحيدة التي بقيت على قيد الحياة، ومضت تحكي كل يوم قصة جديدة، تلك الحكايات، المروية والمسموعة والمتخيلة نتاج عقلها حمتها من قطع رأسها، حكتها جميعها في غرفة النوم، حيث لا نور أكثر من نور القمر، بروايتها الحكايات، كانت تشعر بالغبطة. ولكنها كانت تحذر من أنه في أثناء الحكاية، كانت تشعر وكأن الملك يدرس رقبتها الحية".

اقرأ/ أيضًا:

يارو ماموت يتحرر من العبودية

هل كتب نجيب محفوظ قصة العالم؟