20-أبريل-2018

يبدو أن ترامب لا يعي بشكل واضح الفرق بين مكتبه في شركته وبين البيت الأبيض (ألكس وونغ/Getty)

لا يتعلق الأمر هنا بالنساء ولا بالمشروبات الكحولية، وإنما بمحاميه، الذين يمثلون الآن نقطة الضعف الأكبر للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أو كما يُحلل مقال نشرته مجلة بوليتيكو، ننقله لكم مترجمًا بتصرف في السطور التالية.


من الحقائق المعترف بها عالميًا أن لدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مشكلة متعلقة بالنساء، فبالإضافة إلى زواجه ثلاث مرات، ثمة العشرات أو المئات من النساء اللواتي تعرض لهن بالمغازلة أو المواعدة أو محاولة الزواج منهن، سواءً كن عاملات معه أو وعدهن بالحصول على ترقية، أو ندد وسخر منهن.

لدى ترامب اهتمام خاص بمحاميه، قد يصفه البعض بـ"الإدمان" عليهم، وهم الذين يمثلون ركيزة أساسية في النهج الذي يسير عليه

ولكن هناك نوع آخر من الأشخاص لديه اهتمام خاص تجاههم، وقد يذهب البعض لوصف هذا الاهتمام بـ"الإدمان" للدرجة التي وصل إليها. وتمثل تلك المجموعة ركيزة أساسية في النهج الذي يسير عليه.. هؤلاء هم المحامون الخاصون به.

اقرأ/ي أيضًا: دونالد ترامب.. سيرة موجزة لممثل فاشل

يعتمد معظم رجال الأعمال على محاميهم، ولكن الجزء المثير بالنسبة لترامب، أن محاميه، وعلى مدار نحو 50 عامًا، أداروا له كل شيء، ما عدا إنجاب أطفاله، بداية من التعامل مع ضرائبه المكدسة ومساعدته في الخروج من احتمالات إفلاس بعض شركاته، والخروج من إفلاسه الشخصي، وحماية أمواله من التدقيق العام.

إنهم متداخلين في كل تفاصيل حياته الخاصة والعامة، حتى أنه من الصعب تخيل وصول ترامب إلى ما هو عليه الآن دونهم. والآن، وفي أعقاب هجوم مكتب التحقيقات الفيدرالية على مكاتب وأماكن سكن أبرز محاميه ومستشاريه الشخصيين؛ مايكل كوهين -صاحب قصة دفع 130 ألف دولار قبل الانتخابات لنجمة الأفلام الإباحية- صار نفس الأسلوب المُتبع الذي تمكن محامو ترامب من خلاله تسيير أعماله على مدار عقود، هو الذي يُهدد بإحداث ثغرات في مسيرته السياسية التي ما زالت في طور المهد. ولأول مرة في حياته، يكون أحد محاميه هو سبب أكبر مشكلاته بدلًا من خلاصه، كما جرت العادة.

ورث ترامب حبه للمحامين عن والده فريد ترامب، إذ بدأ ترامب الأب في وضع حجر الأساس لأول إمبراطوريته العقارية في ثلاثينات القرن الماضي. وبينما كان يترنح المقاولون الآخرون أيام الكساد الكبير، كان لدى فريد ترامب سلاح سري: محامي توارى عن أعين الأخرين، وهو بيل هايمان، والذي استخدم أسماءً مستعارة، ومثّله في المزادات، وحتى الشركات الفرعية الوهمية، ليتفادى انقلاب ملاك الأراضي في بروكلين، والذين بإمكانهم رفع الأسعار، لو علموا أن فريد يقوم بجمع الأراضي المجاورة لإنشاء عقارات على نطاق واسع.

ومن هنا بدأ نجلة دونالد ترامب في اتباع نفس النهج، واستعان بالمحامين في شتى أموره. ولكنه أراد أكثر من مجرد شخص متوارٍ عن الأنظار على غرار هايمان. فقد أراد من يستطيع الوقوف أمام المنافسين ويتحداهم. وتحقق حلمه حينما قدم له يوجين موريس، مثّل والده من قبل، روي كوهين، ابن عمه سيء السمعة ومحامي السيناتور جوزيف مكارثي، والذي وقف أمام المحكمة عدة مرات بتهم الرشوة والابتزاز والحنث باليمين، ولكنه لم يُدن أبدًا في أي مرة.

يقول موريس: "أعتقد أن ترامب كان معجبًا بحقيقة أن روي كوهين كان مُتهمًا". وكان كوهين قد قال لأحد الصحفيين في 1980، إن ترامب كان يتصل به ما بين 15 إلى 20 مرة يوميًا، ليسأله عن موقفه تجاه كل شيء تقريبًا.

سنة 1973، عندما اتهمت وزارة العدل الأمريكية مؤسسة ترامب بنهج التمييز في السكن، رد كوهين الضربة بدعوة قضائية مضادة بـ100 مليون دولار، وهي خطوة جوهرية وأساسية من جانب كوهين لعودة بقوة.

وفي النهاية، استطاع كوهين أن يُجنب ترامب ووالده قرصة أذن كانت ستكلفه إقرارًا بالذنب أو عقوبة مالية. وعلى مدار العقد التالي، استخدم كوهين علاقاته مع المضاربين لتسهيل علاقات ترامب الأصغر مع نقابات البناء، فأبرم اتفاقًا سبقًا للزواج مع زوجة ترامب الأولى إيفانا، وضغط على السياسيين للتحيز لصفقات ترامب، وساوم صناعة الكازينو الشهيرة في أتلانتيك سيتي، وحاول إجبار دوري كرة القدم الوطني على توقيع صفقة من شأنها أن تعطي ترامب فريق كرة قدم من الدرجة الأولى بسعر بخس.

انتهج ترامب نهج والده في إحاطة نفسه بعدد من المحامين المخادعين والاعتماد عليهم في كل شيء حرفيًا

لكن في بعض الأحيان كانت تسير الأمور على نحو سيء مع ترامب، فقد فشل مشروعه الكروي، وفي دعوى قضائية تلت ذلك، تلقى ثلاث دولارات فقط كتعويض عن الأضرار! 

اقرأ/ي أيضًا: كيف يتحدى الموظفون الفيدراليون إدارة ترامب؟

ولكن حتى عندما كانت أوضاع شركاته تسير بشكل سيء (ترامب إير وترامب فودكا وترامب للرهن العقاري والكازينوهات وفندق بلازا وفندق ترامب سوهو، وسلسلة من مشاريع ترامب ذات العلامة تجارية التي لم تُفتتح في أماكن كثيرة من بينها الأرجنتين والبرازيل وكندا) على جميع الأصعدة، كان محاموه يبقونه قادرًا على تسديد الأموال.

سار ترامب على نهج والده (يسار) في الاعتماد على المحامين في كل شيء فعليًا (رون غاليللا/ Getty)
سار ترامب على نهج والده (يسار) في الاعتماد على المحامين في كل شيء فعليًا (رون غاليللا/ Getty)

لقد مر ما يقارب نصف قرن منذ أن وَكّل ترامب كوهين الأب، توفي سنة 1986. لكن في كل مرحلة تقريبًا، منذ ذلك الحين، استعان ترامب بمحام بلا قيود، لتجاوز مشاكله. فعندما رغب في إضافة طوابق إضافية في مبنى جديد، اتصل بساندي ليندينبوم، الخبير في قانون تقسيم المناطق، والذي أطلق على نفسه اسم "آخر المغامرين".

وكذلك الحال عندما أراد أن ترى لجنة نيو جيرسي لمراقبة الكازينوهات الأمور بطريقته، فقد وكّل نيك ريبيس، الذي يمتلك خبرة طويلة في أتلانتيك سيتي. وعندما أراد تطليق إيفانا، وبعدها، خليفتها مارلا مابلز، وكّل جاي غولدبرغ، الذي يصف نفسه "بالقاتل"، والذي يقول إنه "يستطيع أن يفصل الجلد عن الجسد".

وعندما حان وقت دفع الضرائب، عكس عقودًا من التبجح بشأن ملياراته، ووكل محاميي الضرائب ليقولوا إن ممتلكاته كانت تساوي جزءًا قليلًا ممّا أعلن عنه، نداء ضريبي مستمر في شيكاغو يعلن أن ترامب تاور شيكاغو "شركة فاشلة".

وعندما نزل إلى السوق من أجل استكشاف الأخطاء وإصلاحها، وكّل مايكل كوهين، الذي هدد الصحفيين الذين كتبوا عن ترامب، بأنه "سيسبب لهم أذى جسدي". وفي صيف عام 2015، قال كوهين لأحد مراسلي ديلي بيست: "احذر، لأن ما سأفعله بك سيكون مثيرًا للاشمئزاز"، وفي الخريف الماضي قال لمجلة لفانيتي فير، إنه "الشخص الذي سيحمي الرئيس".

وربما الأهم من ذلك، أنه عندما يرى ترامب أي شيء يشكل أدنى خطر على عمله أو سمعته، فإنه يحرض محامٍ على الطرف المعتدي. وغالبًا ما تصل تلك التهديدات على شكل رسالة في علبة ثقيلة بلون الكريمة، مزينة بعلامة ذهبية منقوشة بحرف "T"، وتقول إنه ما إن لم يتوقف المرسل إليه عن القيام بكل تلك السلوكيات المرفوضة، فإن مؤسسة ترامب تنوي ملاحقة هذا الشخص قانونيًا إلى أبعد مدى، أي رفع دعوى قضائية ضده. إذ حدث ذلك مع الصحفية والكاتبة الأمريكية غوندا بلير، كاتبة المقالة، عندما نُشر لها كتاب يتناول سيرة عائلة ترامب.

وفي بعض الأحيان، كما كان الحال مع غوندا بلير، يتوقف الأمر عند التهديد. لكن في أوقات أخرى، تُرفع دعوى قضائية فعلية، كما حدث عندما وكّل ترامب المحامي مارك كاسوفيتز لمقاضاة الصحفي تيم أوبراين مقابل خمسة ملايين دولار، بدعوى أن أوبراين قام بـ"التشهير" به علانية، عندما قال إن ثروة ترامب أقل بكثير مما يدّعي. وقد سوّيا الأمر في النهاية خارج المحكمة. 

وفي حالات أخرى، كان هناك ما يمكن تسميته بـ"اتفاق عدم إفشاء"، كمثل الحال مع ممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيلز، التي اتفق معها مايكل كوهين، ألا تفشي بادعائها بأنها كانت على علاقة غرامية مع ترامب. 

وكما ورد في تقرير صحيفة "USA Today"، فمنذ نيسان/أبريل الجاري، تورطت مؤسسة ترامب في أكثر من أربعة آلاف دعوى قضائية، وهو رقم يفوق قدرة أي رجل أعمالف آخر، أو أي رئيس حتى!

على ما يبدو، شعر ترامب، بعد دخول البيت الأبيض، بأن له نفس الحماية القانونية القوية التي تمتع بها في مكتبه بالطابق 26 في برج ترامب. لكن الأمور لم تسر على هذا النحو. إن ما قد يدعوه ترامب بشكل مبهم "تفاوض" في غرفة اجتماعات، يُهدد بأن يصبح عرقلة إجرامية عندما يتم في المكتب البيضاوي.

وعلى عكس المحامين الذين وظفهم ترامب في نيويورك، فإن المحامين الذين يعملون في الحكومة الفيدرالية، ليسوا موظفين لديه، ولا يستطيعون التغطية عليه تلقائيًا عندما تُطرح الأسئلة. وقد اكتشف ذلك بالطريقة الصعبة عندما انسحب المدعي العام جيف سيسيز، الذي كان ذات يوم أكثر مؤيدي ترامب حماسة في مجلس الشيوخ، من تحقيق روسيا، ما مهد الطريق أمام تحقيق المحامين الخاص الذي استمر حتى وصل إلى غيوم إدارة ترامب.

تكرر هذا الدرس عندما رفض جيمس كومي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي حينها أن يقسم بالولاء أو السماح بتبرئة مستشار الأمن القومي في ذلك الوقت، مايكل فلين، المُتهم بالكذب بشأن اتصالاته بالروس بعد انتخابات ترامب.

وكنتيجة طبيعية، فحتى المحامون الخاصون الذين يعملون لدى ترامب، لا يملكون إمكانية التغيير التي كانوا يمتلكونها في الماضي. في الصيف الماضي، اضطر كاسوفيتز إلى التنحي بعد أن وُجهت له انتقادات عبر البريد الإلكتروني، مليئة بالألفاظ النابية. كما استقال جون دود، الذي استعان به ترامب بعد أن قيل له إنه بحاجة إلى محامي دفاع في واشنطن من أجل تحقيق روسيا، لأنه تم تهميشه من قبل مستشاري البيت الأبيض الآخرين.

وبالرغم من ادعاء ترامب بأن الكثير من المحامين و"شركات المحاماة العليا" يريدون العمل معه، فقد اختار الكثيرون تفويت فرصة تمثيل عميل يُكذّبهم على الملأ، ويغير قصته مرارًا وتكرارًا، ويتوقع منهم أن يكذبوا من أجله، وله كذلك تاريخ في خداع موظفيه.

مرة أخرى، ربما جاء ترامب إلى المكان المناسب بعد كل شيء. فوفقًا لصحيفة "ABA Journal"، التابعة لاتحاد المحامين الأمريكيين، فإن واشنطن لديها محامون مسجلون يبلغ عددهم أكثر من 773 محاميًا لكل 10 آلاف نسمة، أي ما يقارب تسعة أضعاف المركز الثاني من حيث عدد المحامين في البلد، وهي ولاية نيويورك التي لديها 88.7 محاميًا مسجلاً لكل 10 آلاف نسمة.

يتمنى ترامب لو يرافقه في البيت الأبيض محامون مخادعون كالذين رافقوه في شركته، لولا أن الظروف تختلف في البيت الأبيض عنها في شركته!

ومن المؤكد أن واحدًا منهم على الأقل مستعد للتضحية بالسمعة والصدق، وربما الربح، للدفاع عن الرجل الذي تم انتخابه لقيادة البلاد قبل أقل من عام ونصف. ولكن من غير المرجح إطلاقًا أن يجد ترامب أي شخص آخر يرغب في الحصول على قرض عقاري -ويخاطر بملاحقة قضائية بتهمة التزوير المصرفي- فقط ليجنب رئيسه فضيحة جنسية محرجة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الهجوم خير وسيلة للدفاع عند ترامب

ترامب.. النسخة الأكثر فشلًا من نيكسون