19-أغسطس-2020

دخلت روسيا إلى خط التصعيد في إدلب (Getty)

أفرزت التفاهمات الروسية – التركية حول منطقة خفض التصعيد الرابعة والأخيرة (ما تبقّى من محافظة إدلب وأرياف حلب الغربية والجنوبية، بالإضافة إلى ريف اللاذقية الشماليّ الشرقيّ، وحماة الغربيّ) واقعًا إنسانيًا متأزّمًا بفعل هشاشتها وسهولة التفاف ميليشيات نظام الأسد عليها وانتهاكها من خلال عمليات عسكرية بريّة وجويّة دعمتها روسيا، وأسفرت عن قضم مساحات واسعة من المنطقة التي تشهد اليوم تصعيدًا جديدًا يُنذر بعودة المواجهات العسكرية بين ميليشيات النظام وحلفائها، وفصائل المعارضة المسلّحة المدعومة من القوّات التركية التي عزّزت من تواجدها في المنطقة خلال الشهور القليلة الماضية.

التصعيد الذي تسعى ميليشيات الأسد من خلاله إلى الالتفاف على التفاهمات الروسية – التركية، ارتفعت حدّته بعد إعلان المتحدّثة باسم وزارة الخارجية الروسية، تعليق موسكو لمشاركتها في تسيير الدوريات

التصعيد الذي تسعى ميليشيات الأسد من خلاله إلى الالتفاف على التفاهمات الروسية – التركية الأخيرة التي تمخّض عنها اتّفاق وقف إطلاق النار الذي توصّل إليه الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين ونظيره التركيّ رجب طيب أردوغان، في الـ 5 من آذار/مارس الفائت، ارتفعت حدّته بعد إعلان المتحدّثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، تعليق موسكو لمشاركتها في تسيير الدوريات المُشتركة مع أنقرة على الطريق الدولي حلب – اللاذقية (M4).

اقرأ/ي أيضًا: تحركات أمريكية لرسم مشهد سياسي جديد شرق الفرات

وأرجعت زاخاروفا في مؤتمر صحفيّ عقدته يوم الخميس، 13 آب/ أغسطس الجاري، سبب تعليق موسكو لتسيير الدوريات من قبلها إلى "الاستفزازات المستمرّة للمسلّحين في المنطقة"، مُتِّهمة فصائل المعارضة المسلّحة بشنّ هجمات جديدة بالطيران المُسيّر على قاعدة "حميميم" في ريف اللّاذقية، وهو ما تنظر إليه القيادة الروسية بعين القلق بحسب حديثها الذي أكّدت فيه أنّ "تحقيق استقرار دائم في منطقة خفض التصعيد في إدلب، ممكن فقط إذا تمّ تحييد الإرهابيين".

إعلان روسيا تعليق تسييرها للدوريات المُشتركة التي تُعدّ البند الأبرز من بنود اتّفاق وقف إطلاق النار الذي أبرمته مع تركيا، جاء بعد يوم واحد على استئنافها لها بعد أن توقّفت لمدّة 20 يومًا لأسبابٍ وصفت بالأمنية، فيما أعاد البعض سبب توقّفها إلى وجود خلافات جديدة بين الطرفين، خصوصًا وأنّ المنطقة شهدت خلال تلك المدّة تصعيدًا جديدًا تمثّل في مواصلة الميليشيات الطائفية خرقها لاتّفاق وقف إطلاق النار عبر قصفها للقرى والبلدات القريبة من خطوط الاشتباك.

بالإضافة إلى محاولاتها التقدّم على محاور ريف إدلب الجنوبيّ، وإحداث خرقٍ في ريف اللاذقية الشماليّ، خصوصًا في محاور تلّة الكبينة وجبل الأكراد التي شهدت خلال الأيام الماضية معارك عنيفة تمكّنت خلالها فصائل المعارضة من صدّ تلك المحاولات التي ردّت عليها تركيا بإنشاء نقطة عسكرية جديدة في تلّة الراقم بجبل الأكراد، وهي تلّة استراتيجية متقدّمة وقريبة من عدّة مواقع خاضعة لسيطرة قوّات الأسد، الأمر الذي أشار إلى الأهمية التي تحظى بها هذه المنطقة بالنسبة إلى تركيا التي تدرك أنّ سيطرة قوّات النظام عليها تعني سيطرتها على ريف اللاذقية بشكلٍ كامل، وإشرافها ناريًّا على مدينة جسر الشغور، بالإضافة إلى مناطق واسعة من ريف إدلب، وهو ما بات مستبعدًا بعد إنشاء هذه النقطة.

وتسعى أنقرة إلى إخضاع محافظة إدلب وما حولها إلى نفوذها بشكلٍ كامل، على غرار مناطق "درع الفرات"، و"غضن الزيتون"، و"نبع السلام"، وهو المسعى الذي ترجمته عبر إنشائها قيادة عسكرية مركزية تحت مسمّى "القيادة المركزية لعملية درع السلام" بهدف تنسيق عملياتها في سوريا من جهة، وإشرافها على المناطق المتواجدة فيها القوّات التركية من جهةٍ أخرى، بما فيها محافظة إدلب التي باتت تُعرف باسم منطقة "درع الربيع"، وتتبّع مباشرةً إلى القيادة الجديدة التي أقرّها المجلس العسكري الأعلى  في تركيا، وعيّن اللواء هاكان أوزتكين قائدًا لها، وذلك في خطوةٍ تؤكّد أنقرة عبرها أهمّية محافظة إدلب بالنسبة لها، وتُرسل من خلالها في الوقت نفسه رسائل مُختلفة إلى النظام السوريّ وروسيا مفادها أنّ المنطقة باتت تمسّها بشكلٍ مُباشر، وخاضعةُ لنفوذها.

ورغم استئناف روسيا صباح يوم الإثنين، 17 آب/ أغسطس الجاري، تسييرها للدوريات المُشتركة إلى جانب القوّات التركية على الطريق الدوليّ (M4)، الأمر الذي أشار إلى تجاوز الطرفين للخلافات المفترضة بينهما، وإمكانية مواصلتهما العمل بالاتّفاقية التي توصّلا إليها لتجنيب المنطقة عملية عسكرية تتسبّب بكارثة إنسانية تطال أكثر من أربعة ملايين مدنيّ، بالإضافة إلى وضع حدّ لانتهاكات النظام والميليشيات المساندة له؛ إلّا أنّ قوّات الأخيرة جدّدت قصفها على قرى وبلدات البارة وسفوهن في جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبيّ، بالإضافة إلى بلدة كفر نوران في ريف حلب الغربيّ.

وجاء قصف ميليشيات النظام للمنطقة متزامنًا مع تسيير الدورية الروسية – التركية المُشتركة رقم 24 التي سلكت مسارًا عكسيًا بانطلاقها من قرية "عين الحور" في ريف الّلاذقية الشرقيّ، باتّجاه بلدة "ترمبة" القريبة من مدينة سراقب شرق إدلب، بعد أن كانت تبدأ سيرها من الأخيرة وتنهيه في قرية "عين الحور". وتعرّضت الدورية 24 إلى هجومٍ نفّذه مجهولون أثناء مسيرها من خلال قذيفة صاروخية أصابت عربة مدرعّة للجيش التركيّ عند منطقة مصيبين، مما أدّى إلى توقّفها وإصابتها بأعطال، دون تسجيل أي إصابات حتّى هذه اللحظة.

وتبنّت "كتائب خطاب الشيشاني" استهداف الدورية الروسية – التركية المُشتركة للمرّة الثانية بعد استهدافها في الـ 14 من تمّوز/يوليو الفائت للدورية رقم 21، مما أدى إلى إصابة ثلاثة جنود روس بجروح طفيفة وجنود أتراك لم يُحدّد عددهم. وجاء تبنّي التنظيم الجديد للعملية عبر حسابه الرسميّ على تطبيق "تلغرام" الذي نشر فيه صورًا للعملية، متوعّدًا باستمرار عملياته ضدّ هذه الدوريات خلال الأيام القادمة.

 أعقب استهداف الدورية المشتركة تصعيد من قبل ميليشيات النظام التي واصلت قصفها المدفعيّ والصاروخيّ على ريف إدلب الجنوبيّ والشماليّ

فيما أعقب استهداف الدورية المشتركة تصعيد من قبل ميليشيات النظام التي واصلت قصفها المدفعيّ والصاروخيّ على ريف إدلب الجنوبيّ والشماليّ الذي استهدفت الطائرات الحربية الروسية عدّة مناطق فيه يوم الثلاثاء 18 آب/أغسطس، وذلك بعد محاولات تقدّم لقوّات النظام والميليشيات الإيرانية المُساندة لها على محور معرة النعسان في ريف إدلب الشرقيّ المتاخم لريف حلب الجنوبيّ الغربيّ، تمكّنت فصائل المعارضة المسلّحة من صدّها.