19-مايو-2018

يحاول ترامب استغلال حادثة التجسس لتقويض التحقيقات الروسية (Getty)

منذ تولي الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، زمام السلطة في بداية السنة الفائتة، لم تتوقف الاتهامات بخصوص التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، ومساهمة الكرملين في فوز ترامب. أطاح هذا الملف بشخصيات مهمة من الإدارة الأمريكية، وصار التحدي الأهم أمام ترامب.

على ما يبدو، فإن ثمة قشة يمكن أن يتعلق بها الرئيس الأمريكي وسط بحر التورط الفضائحي الكبير، إذ كشفت تقارير صحافية عن استخدام مكتب التحقيقات الفيدرالي عميلًا للتجسس على حملة ترامب، وهو ما يحاول مؤيدو الرئيس المثير للجدل، استخدامه لتقويض التحقيقات بشكل كامل. في هذا التقرير المترجم عن صحيفة واشنطن بوست تفاصيل كاملة عن ما حدث في واشنطن خلال الأسبوع الأخير.


أطلق حلفاء الرئيس دونالد ترامب، حملة تتسم بالعدوانية المتزايدة لتقويض التحقيقات الروسية، من خلال فضح الدور الذي لعبه مصدر سري جدًا لصالح مكتب التحقيقات الفدرالي. وقد بلغت الجهود آفاق جديدة يوم الخميس، حين زعم ترامب أن مخبرًا قد تجسس بطريقة غير صحيحة على حملته عام 2016 وتوقع أن تكون هذه الفضيحة "أكبر من فضيحة ووترغيت!".

يريد ترامب استغلال الأخبار عن تجسس الإف بي آي على حملته لتقويض التحقيقات بشأنه

هذا الضغط الغريب الذي بدأته مجموعة من أنصار ترامب في كابيتول هيل - الكونغرس - أصبح له الآن مؤيدون في جميع أنحاء الحزب الجمهوري، وعبر وسائل الإعلام المحافظة، حيث يمثل يوم الخميس الذكرى الثالثة لتعيين مولر مستشارًا خاصًا، وهو التعيين الذي يحمل توقيع الرئيس.

يجمع النزاع  ترامب والرئيس الجمهوري للجنة المخابرات بمجلس النواب، ضد وزارة العدل ووكالات الاستخبارات، التي يُحذر قادتها من أن الكشف علنًا ​​عن المصدر السري سيعرض حياة الناس وعمليات أخرى للخطر.

وتعتبر المخاطر مرتفعة جدًا، لدرجة أن مكتب التحقيقات الفيدرالي عمل طوال الأسبوعين الماضيين للتخفيف من الضرر المحتمل حدوثه إذا ما تم الكشف عن هوية المصدر، بحسب ما قاله عدد من الأشخاص المُطلعين على المسألة. ويتخذ المكتب إجراءات لحماية التحقيقات الأخرى التي عمل عليها ذلك الشخص، كما يحاول تقليل أي خطر قد يمس الشركاء إذا ما أصبحت هوية المُخبِر معروفة، حسبما أفاد أشخاص تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هوياتهم ليناقشوا عمليات الاستخبارات الحساسة.

وقد تفاعل ترامب على تويتر يوم الخميس مع التقارير الإخبارية الأخيرة وصرح بأن هناك مصدرًا سريًا للغاية كان يقدم معلومات إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي، عندما بدأت تحقيقاته في قضية تدخل روسيا في العملية الانتخابية.

وغرد ترامب قائلًا: "يا للروعة، يبدو أن هناك أخبارًا مُسربة تفيد أن مكتب التحقيقات الفدرالي الذي كان في فترة أوباما تجسس على حملة ترامب من خلال مُخبر مدسوس". وأضاف: "إذا كان الأمر كذلك، فإنه سيتفوق على فضيحة ووترغيت!".

وقال محامي ترامب، عمدة نيويورك السابق رودولف ويليام لويس جولياني، في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست إن الرئيس يعتقد أن بعض المسؤولين عن تنفيذ القانون يتآمرون ضده. وتابع جولياني: "الحكومة السابقة فعلت ذلك، لكن الحكومة الحالية، لأسباب لا أستطيع أن أفهمها، تقوم بالتستر على الأمر"، مضيفًا أن تأكيد وجود مخبر قد يجعل تحقيق مولر "غير قانوني تمامًا".

وأردف جولياني قائلًا إن ترامب يعتقد أن الوقت قد حان لقيام وزارة العدل بإصدار وثائق سرية حول أصل التحقيق الروسي، الذي طلبه رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب ديفين نيونز (النائب عن ولاية كاليفورنيا)، والذي من المتوقع أن يحتوي على تفاصيل حول المصدر السري.

قال ترامب إن فضيحة التجسس على حملته تفوق فضيحة ووترغيت في إطار مساعيه لإبعاد الانتباه عن التجقيقات بشأنه

وتابع "إنه أمر سخيف. ينبغي أن يحصل الصحفيون على تلك الوثائق. لا أعرف لماذا يريد المدعي العام الحالي والمدير الحالي لمكتب التحقيقات الفيدرالي حماية مجموعة من المرتدين الذين قد يصل عددهم إلى 20 شخصًا على الأكثر داخل مكتب التحقيقات الفيدرالي".

وقد ذكرت صحيفة "ذا بوست" في وقت سابق من هذا الشهر أن مخبرًا تابعًا لمكتب التحقيقات الفيدرالي ومصدر استخباراتي سري للغاية، قدما معلومات في وقت مُبكر من تحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالي حول العلاقات بين روسيا وحملة ترامب.

ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" في عددها الصادر يوم الأربعاء قصة عن بداية التحقيقات الروسية، وأفادت أن مخبرًا حكوميًا واحدًا على الأقل التقى عدة مرات مع مستشارين سابقين في حملة ترامب هما كارتر بيدج وجورج بابادوبولوس.

وقالت كيليان كونواي، مديرة حملة ترامب الانتخابية لعام 2016، وتشغل حاليًا منصب مستشارة في البيت الأبيض، على قناة "فوكس نيوز" يوم الخميس، إنه "من الواضح أن حملة ترامب رصدت". وأضافت: "يبدو أن مُخبرًا كان هناك. وكما يحلو للرئيس القول، سنرى ما سيحدث".

اقرأ/ي أيضًا: كيف تحاول روسيا التأثير في الانتخابات الأمريكية؟

وقد أدلى مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية كريستوفر راي، يوم الأربعاء، بشهادته أمام اللجنة الفرعية للاعتمادات الخارجية لمجلس الشيوخ، وجاء فيها أن مكتب التحقيقات الفيدرالي يأخذ على محمل الجد مسؤولياته أمام الكونغرس، و قال إن المكتب لديه أيضًا مسؤوليات مهمة تجاه الأشخاص الذين يقدمون المعلومات إلى العملاء.

وأردف راي قائلًا إن "اليوم الذي لا نستطيع فيه حماية الموارد البشرية هو اليوم الذي سيصبح فيه الشعب الأمريكي أقل أمانًا"، وتابع أنه "ينبغي أن تكون الموارد البشرية، لا سيما أولئك الذين يضعون أنفسهم في خطر كبير للعمل معنا ومع شركائنا الأجانب، واثقين بأننا سنحمي هوياتهم وفي حالات كثيرة حياتهم وحياة أسرهم".

وقد أفادت صحيفة "ذا بوست" أن المصدر هو مواطن أمريكي قدم معلومات طوال سنوات لكل من مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة المخابرات المركزية، وساعد في التحقيق الروسي قبل وبعد تعيين مولر في مايو/ أيار عام 2017، حسب ما قاله أشخاص لهم دراية بأنشطته.

وأثار موقع شبكة بريتبارت الإخباري وغيره من المواقع الإخبارية اليمينية الأخرى ضجيجًا في الأيام الأخيرة بالتعليق حول المصدر. وتكهن الإعلامي والمعلق السياسي شان هانيتي، والذي يعتبر صديقًا ومستشارًا غير رسمي لترامب، عن المصدر في البرنامج الذي يقدمه على شبكة فوكس نيوز  ليلة الأربعاء.

يعتقد حلفاء ترامب أن فضح المصدر وكشف تفاصيل عن عمله في مكتب التحقيقات الفيدرالي يمكن أن يساعدهم على الطعن في التحقيق وربما توفير سبب لإقالة مولر أو المشرف عليه، نائب المدعي العام رود روزنستين. كما يشيرون أيضًا إلى الملف الذي يحتوي على ادعاءات بشأن صلات ترامب بروسيا، والتي مولتها جزئيًا حملة هيلاري كلينتون، واستخدمها مكتب التحقيقات الفيدرالي للحصول على مذكرة تفتيش لبيج.

 وقال مارك كورالو، المسؤول السابق بوزارة العدل والمسؤول السابق عن التنسيق الإعلامي لفريق ترامب القانوني: "إذا تبين أن التحقيق الذي قام به مكتب التحقيقات الفيدرالي لحملة ترامب اعتمد على وقائع واهية دبرها أشخاص لديهم أجندة سياسية واستخدموا المخبرين للدخول إلى حملة ترامب، بناءً على عدم وجود حقائق متينة، إذن، نعم، أعتقد أنها تُمثل دوافع حقيقية لرفض هذا التحقيق برمته".

يعتقد حلفاء ترامب أن فضح هوية الجاسوس يمكن أن يساعدهم على الطعن في التحقيقات الروسية

وقد غرد ترامب يوم الخميس قائلًا إن تحقيق مولر "مثير للاشمئزاز وغير قانوني وعملية مطاردة غير مبررة غرضها التشهير"، ونالت التغريدة ردًا سريعًا من زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشارلز شومر (نائب عن ولاية نيويورك). وقال شومر في كلمة ألقاها في مجلس الشيوخ، "أود أن أقول للرئيس، إن الأمر لا يُعد عملية مطاردة غير مبررة عندما يتهم 17 روسيًا. و ليست عملية مطاردة غير مبررة عندما يتهم بعض كبار أعضاء حملة ترامب. وليست عملية مطاردة غير مبررة عندما يتفق الديمقراطيون والجمهوريون مع مجتمع الاستخبارات على أن روسيا تدخلت في انتخاباتنا لمساعدة الرئيس ترامب".

وقد تناقش النائب الجمهوري مارك ميدوز (نائب عن ولاية كارولاينا الشمالية) مع ترامب، فيما يزيد عن ثلاث مكالمات في الأسبوع، حول مخاوف من أن تخفي وزارة العدل معلومات مثيرة للقلق عن عناصر التحقيق. وفقًا لما قاله أشخاص لهم دراية بمناقشاتهم.

ورفض ميدوز مناقشة محادثاته مع الرئيس. لكنه قال: "لقد كان الرئيس دائمًا ثابتًا في التعبير عن رغبته في الشفافية، حتى عندما لم تكن لديه معرفة بما قد تتضمنه أو لا تتضمنه الوثيقة، سواء كان ذلك سيؤثر عليه بشكل إيجابي أو سلبي".

وحسب المصادر، فإن نيونز لم يكن يتحدث مع ترامب في هذه الأثناء تجنبًا  من أن يتم اتهامه بأنه يسرب معلومات حساسة للرئيس. بدلًا من ذلك، كان  ينقل آخر المعلومات التي لها صلة بمعركته مع وزارة العدل إلى مستشار البيت الأبيض دونالد مكغان.

قال ترامب عن التحقيق الدستوري الذي يقوده مولر بانه "مثير للاشمئزاز وغير قانوني وعملية مطاردة غير مبررة غرضها التشهير"

وقال نيونز : "ما نحاول اكتشافه هو الأساليب التي استخدمها مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) ووزارة العدل، للتحقيق وفتح تحقيق حول مكافحة التجسس في حملة ترامب".

وأردف قائلًا، إنه هو وزملاءه يشعرون بالقلق من التقارير والبيانات التي تشير  إلى أن المصادر ربما تكون قد تواصلت بشكل متكرر مع أعضاء حملة ترامب، بل وقدمت للمساعدين المال لتشجيعهم على أن يلتقوا. وأضاف أن الرئيس لديه سبب كاف يجعله غاضبًا ومرتابًا.

وأوضح نيونز  أنه "إذا كنت تدفع أمولًا لشخص ما ليأتي ويتحدث مع المشاركين في حملتي أو يتعارض معها، أيًا كان ما تسمونه، سأكون غاضبًا".

أعاد نيونز توجيه هجماته يوم الخميس من المدعي العام جيف سيشنز  إلى نائب المدعي العام روزنستين، فقد صرح إلى شركة "سنكلير" الإذاعية "Sinclair Broadcasting" أن نائب المدعي العام ينبغي أن توجه له تهمة إهانة الكونغرس، لرفضه الامتثال لأمر استدعائه. وقد تنحى سيشنز من هذه المسألة لتجنب التحيز.

 ووفقًا لمسؤول سابق كبير في الإدارة، فإن ترامب غالبًا ما يشكو من تحقيق مولر داخل الجناح الغربي، مع نوبات عرضية يمكن أن "تشمل الجميع". وأضاف، كثيرًا ما يتحدث ترامب مع مستشاريه عن السبل التي يُمكن أن يقاوم بها ما يعتبره تحقيقًا مُتعديًا، وهو يرى أن حلفائه في الكونجرس  أكثر مصداقية من موظفيه.

يتفق ترامب في الكثير من الأحيان مع ميدوز، وقد كان يشجعه أحيانا هو وغيره من حلفائه الآخرين على الظهور في البرامج الإخبارية التلفزيونية، وعلى حد تعبير المسؤول رفيع المستوى في الإدارة، ليقوموا "بدق الطبول" له.

ووفقًا للمسؤول السابق، فقد شكا كبير موظفي البيت الأبيض، جون كيلي، لبعض الزملاء من أن مثل هذه المحادثات بين ترامب وميدوز والحلفاء الآخرين في مجلس النواب لا تكون مفيدة دائمًا.

وقد صرح المتحدث باسم مجلس النواب، بول رايان (نائب عن ولاية ويسكونسن) للرئيس في عدة مناسبات، أنه يتعين عليه التوقف عن الحديث عن التحقيق الروسي، وفقًا لمسؤول مطلع على محادثاتهم.  يقول ريان: "أنت لست مذنبًا، إذن لا تتصرف كما لو كنت مذنبًا"، ويوافقه ترامب على ذلك، ولكن بعد ذلك سيعود الرئيس للحديث عن التحقيق، وفقًا لما ذكره هذا المسؤول.

على مدى أشهر، وجه ميدوز ونيونز وغيرهم من المشرعين التابعين للحزب الجمهوري الانتقادات إلى روزنستين بسبب رفضه السماح للكونغرس بالاطلاع على "مذكرة النطاق" التي توضح للشعب القضايا قيد التحقيق من قبل مولر. صاغ بعض أعضاء مجلس النواب الجمهوريين في آذار/ مارس بنودًا لمساءلة وإقالة روزنستين باعتبارها "ملجأً أخيرًا" إذا لم يقدم للكونغرس المزيد من المعلومات.

اقرأ/ي أيضًا: المخابرات الأمريكية: بوتين أطلق حملة لدعم ترامب

وفي أوائل شهر أيار/ مايو، ضغط نيونز على وزارة العدل للحصول على مزيد من المعلومات حول المصدر، لكن كبار المسؤولين في البيت الأبيض، بإقرار من ترامب، وافقوا على دعم قرار الإدارة بحجب هذه المعلومات. وقد اقتنعوا بأن تسليم وثائق وزارة العدل يمكن أن يعرض حياة بعض الأشخاص للخطر بسبب احتمال الكشف عن المصدر، وفقًا لما صرح به عدة أشخاص على دراية بالمناقشة ودور الشخص المعني بالقضية.

يعمل ستيفن كيفين بانون، كبير مستشاري الشؤون الاستراتيجية السابق، حاليًا كمستشار غير رسمي لحلفاء ترامب، الذين يقودون الاتهامات الموجهة لوزارة العدل، بحسب ما ذكره ثلاثة أشخاص شاركوا في تلك المناقشات.

وأضاف أولئك الأشخاص أنه من خلال عمله في منزله في حي كابيتول هيل، اجتمع بانون مع ميدوز، ومدير حملة ترامب السابق، كوري ليواندوسكي، ونائب مدير حملة ترامب السابق ديفيد بوسي، و آخرين، لمناقشة كيف يقدمون الدعم لحلفاء ترامب في الكونغرس الذين يدعون للإفصاح عن الوثائق.

وقال هؤلاء الأشخاص إن جماعة النصح التي يقودها بانون تعتبر نفسها حصنًا للرئيس المحاصر، وأن هناك توترات متصاعدة بينهم وبين كيلي وماكغان، حيث ترى الجماعة أنهما لا يفعلان ما يكفي لإجبار كبار المسؤولين في وزارة العدل على القيام بما يريدونه.

وقد التقى كيلي مع ميدوز والنائب جيم جوردان (عن ولاية أوهايو) قبل بضعة أسابيع واقترحوا إعطاء المسؤولين في وزارة العدل المزيد من الوقت للامتثال لطلبهم. لكن ميدوز وجوردان لم يتراجعا، كما قال مسؤول كبير في الإدارة. وقال جوردان إن "الرئيس محبط. وأنا لا ألومه على شعوره بالإحباط".

 

اقرأ/ي أيضًا:

ترامب وبوتين..أكثر من مجرد إعجاب

أنجيلا ميركل.. هدف روسيا القادم