بذل ترامب جهودًا مضنيةً في ولايته الرئاسية الأولى (2017 ـ 2021) لإلغاء نظام الحماية المؤقتة في الولايات المتحدة الأميركية المعروف بـ "تي بي إس" الذي يسمح للأشخاص القادمين من بؤر النزاعات المسلحة أو المناطق التي تعاني من كوارث طبيعية أو أحداثٍ استثنائية بالبقاء في الولايات المتحدة بشكلٍ قانوني.
ومن المنتظر أن يخوض ترامب معركةَ إلغاء البرنامج من جديد ضمن حزمة الإجراءات المتشددة التي تعهّد بتنفيذها في ملف الهجرة أثناء حملته الانتخابية، خاصةً أنّ إدارة الرئيس الحالي جو بايدن، قررت استنادًا إلى ذلك البرنامج، تمديد الإقامة القانونية لحوالي مليون مهاجر من 4 بلدان هي السودان وفنزويلا وأوكرانيا والسلفادور، وذلك لمدة 18 شهرًا.
تحمي الخطوة التي أقدمت عليها إدارة بايدن الفنزويليين والأوكرانيين والسلفادوريين والسودانيين من الترحيل المحتمل لمدة 18 شهرًا
وتعدّ هذه الخطوة صفعةً قوية لمساعي ترامب الرامية إلى ترحيل المهاجرين، لأنها تضيف تعقيدات وصعوبات جديدة إلى تلك القائمة أصلًا والتي قد لا تكفي عهدة رئاسية واحدة للتخلص منها وإزاحتها، من قبيل مشكلة تراكم القضايا المطروحة أمام محاكم الهجرة، إذ توجد بعض القضايا التي بُرمجت جلساتها في 2029 مع العلم بأن قوانين الهجرة الحالية تنص على ضرورة عقد جلسات استماع للمهاجرين قبل أي قرار بترحيلهم، يضاف إلى ذلك النقص الكبير في الموارد المالية والبشرية الذي تعاني منه وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك ومعارضة مدن الملاذ التي يقودها ديمقراطيون لخطط الترحيل، وهذه كلها عوامل وأمور ـ من بين أخرى ـ تثير شكوكًا قوية في قدرة ترامب على الوفاء بتعهداته بشأن الهجرة عمومًا والمهاجرين غير النظاميين خصوصًا.
وتشير تفاصيل القرار الجديد الذي أعلنته وزارة الأمن الداخلي حول تمديد الإقامات القانونية للمهاجرين القادمين من بؤر توتر وأزمات، إلى أنّ "600 ألف فنزويلي و332 ألف سلفادوري و103 آلاف و700 أوكراني، و1900 سوداني" استفادوا من تمديد إقامتهم القانونية في الولايات المتحدة الأميركية.
تسعى إدارة ترامب الجديدة إلى ترحيل نحو 11 مليون مهاجر غير نظامي خارج الولايات المتحدة الأميركية
وبيّنت وزارة الأمن الأميركية أنّ التمديد للسودانيين يأتي "بسبب استمرار الحرب التي مضى عليها أكثر من 20 شهرًا، وكذلك الأمر بالنسبة للأوكرانيين الذين تشهد بلادهم حربًا منذ شباط/فبراير 2022 مع روسيا"، كما أوضحت "السلفادوريون الذين يستفيدون من هذا النظام لأسباب بيئية سيتمكنون من إعادة التسجيل في آذار/مارس، مما يسمح لهم بالبقاء في الولايات المتحدة حتى أيلول/سبتمبر 2026" أما الفينزويليون الذين يشكلون غالبية المستفيدين من القرار الجديد، فتم تمديد وضع إقامتهم القانونية، بسبب ما وصفته الإدارة الأميركية بـ"الوضع الإنساني الخطير الذي تشهده فنزويلا نتيجةَ الأزمة السياسية والاقتصادية في ظل حكم نيكولاس مادورو، الذي أدى اليمين الدستورية، يوم الجمعة، لولاية رئاسية ثالثة".
المهاجرون ضرورة وليسوا عبئًا على أميركا
بخلاف ما يودّ ترامب ومناصرون له إقناع الأميركيين به من أنّ المهاجرين يشكلون عبئًا اقتصاديًا وخطرًا وجوديًا على الولايات المتحدة الأميركية، أكّدت صحيفة نيويورك تايمز أنّ أميركا "بحاجة للمزيد من المهاجرين" مع تأكيدها على ضرورة "تنظيم الهجرة" إثر دخول أكثر من 8 ملايين مهاجر بطرق غير قانونية، كشفت العيوب التي يعاني منها جهاز الحكومة الفيدرالي، وعلى رأسها "معاناة وكالات إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك من نقص حاد في التمويلات والموارد البشرية".
أكّدت صحيفة نيويورك تايمز أنّ أميركا "بحاجة للمزيد من المهاجرين" مع تأكيدها على ضرورة "تنظيم الهجرة" إثر دخول أكثر من 8 ملايين مهاجر بطرق غير قانونية، كشفت العيوب التي يعاني منها جهاز الحكومة الفيدرالي
وبالتأكيد فإنّ الحل الذي يقترحه ترامب لاستعادة النظام بترحيل المهاجرين ليس حلًّا واقعيًا يخدم المصلحة الوطنية، بل على العكس من ذلك سيخلق مشاكل جديدة للاقتصاد الأميركي، فالمهاجرون، وهذا ما يحاول ترامب وأنصاره طمسه "هم الوقود الذي يحرك الإنجازات الاقتصادية والثقافية ولا مثيل لهم في أميركا" حسب نيويورك تايمز، فللحفاظ على النمو الاقتصادي، تحتاج أميركا سنويًا لدخول عدة ملايين من المهاجرين، والسبب في ذلك بسيط وهو أنّ الأميركيين، وفقًا لنيويورك تايمز "لا ينجبون ما يكفي من الأطفال للحفاظ على سكان البلاد، وبالتالي سيبدأ عدد السكان، في غياب المهاجرين، في الانحدار ويصبح هناك نقص في العمالة، مما يحد من إمكانات الاقتصاد ونموّه".
وبالتالي ـ وتجنبًا لفوضى الهجرة الحالية ـ سيكون من الحكمة أن يعمد الكونغرس في الشروع بـ"عملية توسيع منظم للهجرة القانونية، كما يتعين على الأميركيين معاملة حوالي 11 مليون مهاجر غير نظامي مستقرين حاليًا في البلاد بإنسانية عبر تسهيل حصولهم على الجنسية الأميركية" بدلًا من حالة الخوف التي يغذّيها ترامب ومناصروه ضدّ المهاجرين والأجانب.