10-يناير-2018

سياسة "لي الذراع" التي ينتهجها ابن سلمان لم تحقق له إلا مزيدًا من الفشل (فايز نورالدين/ أ.ف.ب)

نشرت وكالة بلومبيرغ تقريرًا يعقد مقاربة لافتة بين سياسات ابن سلمان في الداخل وسياساته في الخارج، محللًا كيف أن بطشه في الداخل وسياساته القائمة على مبدأ "ليّ الذراع"، لا تفيد كثيرًا في الخارج، بل تأتي بنتائج عكسية ومزيدٍ من الفشل. في السطور التالية ترجمة بتصرف للتقرير.


انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي في السعودية، مقطع لولي العهد، الأمير محمد بن سلمان يعِد فيه بالهجوم على أكبر منافسي بلاده ونقل المعركة إلى "داخل إيران".

قام محمد بن سلمان بعدة تحركات إقليمية ضد إيران، لكنه لم يحقق أي فوزٍ في أي منها حتى الآن

وقد اكتسبت المقابلة التلفزيونية التي أُجريت منذ ثمانية أشهر أهمية جديدة، وذلك باندلاع الاحتجاجات العنيفة التي سرعان ما انتشر في جميع أنحاء إيران. وليس من الواضح ما إذا كانت السعودية قد ساعدت على إثارة هذه الاحتجاجات كما يقول المسؤولون الإيرانيون. ولكن ما هو واضح، أنّ الحاكم السعودي الفعلي، محمد بن سلمان، قد قام بعدة خطوات إقليمية ضد إيران، ولم يحقق فوزًا في أي منها بعد.

اقرأ/ي أيضًا: هل تفوقت إيران على السعودية في حرب السيطرة على الشرق الأوسط؟

وإذا كان أعداء ابن سلمان لا يخشونه كثيرًا، فإن حلفائه تبدو عليهم أمارات الحذر، فبدءًا من العالم السني العربي، الامتداد الطبيعي للنفوذ السعودي، إلى الولايات المتحدة وأوروبا؛ عزل الدبلوماسيون أنفسهم عن مشاريع السعودية، أو خرجوا ضدها.

جعل ذلك من عام 2017 سنة متفاوته لابن سلمان، ففي الداخل أطاح بمنافسيه، ما عزز من صعوده السريع وغير المسبوق إلى السلطة. ولكن في اليمن وقطر ولبنان، وهي دول إقليمية حيث تسعى فيها السعودية لتولي دور القيادة في المقابلة مع التحدي الإيراني؛ فقد عُرقلت تحركات ابن سلمان ولم تنجح.

يقول هاني صبرا، مؤسس شركة "ألِف الاستشارية" في نيويورك: "يتعامل محمد بن سلمان مع السياسات المحلية والإقليمية بطريقة مماثلة لتعامله في الداخل"، مُضيفًا أنه ربما تكون طريقته قد نجحت في الداخل، لكن خارجيًا "يخلق نهجه المزيد من المخاطر". 

تخبط سعودية ابن سلمان

وقد وصلت مخاطر الحرب في اليمن إلى المدن السعودية، إذ قال المسؤولون السعوديون إن الحوثيين، المدعومين من إيران، قد أطلقوا صاروخين على الرياض منذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر. وفي حين لم تكن الأضرار التي سببتها هذه الصواريخ شيئًا يُذكر، إلا أنها بمثابة تذكير أنه بعد قُرابة ثلاث سنوات من القصف السعودي، لم يعد العدو، أي الحوثيين، مجموعة من المتمردين بأسلحة ضعيفة.

لم يكن سهلًا على السعوديين جرّ حلفائهم إلى تلك المعركة، فمصر، على سبيل المثال، التي تعتمد اعتمادًا كبيرًا على التمويل النقدي السعودي، لم تُظهر حماسًا يُذكر لإرسال جنودها إلى اليمن، أو لخطة الأمير محمد الأوسع لمكافحة إيران.

وفي لبنان، كان تدخل الأمير سياسيًا، وليس عسكريًا، إذ اعتُبرت الاستقالة غير المتوقعة لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري خلال زيارته للرياض في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، محاولة سعودية لإضعاف الحليف الإيراني في لبنان، حزب الله اللبناني. وكان الحريري، وهو حليف سعودي، يحكم من خلال ائتلاف يضم حزب الله في لبنان. والآن يندد بها باعتبارها تهديدًا مميتًا.

لا يبدو أن أعداء ابن سلمان في الخارج يخشونه كثيرًا، في حين أن حلفائه هم الذين تبدو عليهم أمارات الحذر من سياساته وتحركاته

وأدى عرض القوة السعودي هذا إلى نتائج عكسية مرةً أخرى، إذ عاد الحريري إلى وظيفته، وحتى اللبنانيين السُنّة انتقدوا إستراتيجية السعودية المتمثلة في مبدأ "ليّ الذراع". ولم يكن الحلفاء في أوروبا والولايات المتحدة سعداء بذلك أيضًا، بل تدخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مباشرةً لتخليص الحريري. وقال ريكس تيلرسون، وزير الخارجية، في توبيخ غير عادي: "يجب على السعودية التفكير في عواقب أعمالها"، مُستشهدًا بسياساتها في اليمن ولبنان، وكذا قطر التي تقود السعودية حصارًا ضدها منذ حزيران/يونيو الماضي.

لم يكن حلفاء السعودية، كفرنسا، سعداء بإجبارها الحريري على الاستقالة (أ.ف.ب)
لم يكن حلفاء السعودية، كفرنسا، سعداء بإجبارها الحريري على الاستقالة (أ.ف.ب)

وجديرٌ بالذكر أنّ دولتين في مجلس التعاون الخليجي، بخلاف قطر، هما عُمان والكويت، أعربا عن عدم ارتياحهما لسياسات ابن سلمان في المنطقة، والتي يميل فيها إلى فرض السيطرة و"لي الذراع". كما أنّ تركيا التي كانت في يومٍ من الأيام قريبة من السعودية، اتخذت الجانب القطري، واستفادت من الحصار بتعزيز العلاقات العسكرية والتجارية مع قطر.

اقرأ/ي أيضًا: تأسيس مملكة محمد بن سلمان "المتهوّرة".. الحكاية من أولها

"هتلر الشرق الأوسط"

يُذكر أن الأمير محمد بن سلمان، الذي وصف المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران بأنه "هتلر الشرق الاوسط الجديد"، تجرّأ على هذه السياسات من خلال التحالف الذي أقامه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والقائم على أساس عدائهما المشترك تجاه إيران.

وقال جيمس دورسي المتخصص في شؤون الشرق الاوسط في جامعة نانيانغ التكنولوجية بسنغافورة، إن ابن سلمان "يخاطر بإفساد كل شيء، وخصوصًا إذا حاول استخدام الاحتجاجات الإيرانية كفرصة لإضعاف النظام في طهران".

وأضاف دورسي أن "إيران تريد بلا شك تجنب المواجهة المباشرة"، لكنها تملك القدرة على الرد من خلال وكلائها في لبنان والعراق، وكذا إثارة الاضطرابات بين الشيعة في البحرين بل وداخل السعودية نفسها.

كما أن الضغط السعودي يعتمد على جهود الولايات المتحدة لاحتواء إيران، وهي بتعبير دورسي "استراتيجية متزايدة الخطورة"، مُوضحًا أن ذلك يرجع لأن ترامب ليس لديه سوى القليل من الدعم الدولي. وبعد الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ومع اقتراب سلسلة من المواعيد النهائية التي قد تقود واشنطن بعيدًا عن التوافق الدولي حول الاتفاق النووي الإيراني؛ تصبح الولايات المتحدة أكثر عزلة.

قوة مطلقة.. لكنها محدودة!

لكن القوة المطلقة التي يتمتع بها ابن سلمان في السعودية، محدودة عليها ولا تتجاوز إلى خارجها. ولعله لا يدرك إلى الآن أنه ربما يكون في حاجة إلى سياسات مختلفة للخارج.

يقول هاني صبرا، إنّ "محمد بن سلمان ليس مدركًا تمامًا، أو لا يهتم بتفاصيل الظروف المحلية داخل الدول الأخرى الموجودة في المنطقة"، معتبرًا أنّ ذلك "سبب جذري للمشاكل".

لقد فهم الزعماء العرب في الماضي، وبالطريقة الصعبة، أن النجاح على الصعيد المحلي من جهة توطيد السلطة والثروة وتهميش الأعداء؛ لم يسمح لهم بإعادة تشكيل الشرق الأوسط بالطريقة التي يأملون بها، فمثلًا لم يتمكن جمال عبد الناصر في مصر، من الفوز في حرب اليمن، ثم عانى من هزيمة مدمرة في عام 1967. وهناك كذلك صدام حسين، الذي حكم لعقود، لكن مشاريعه في الخارج، بما في ذلك الهجوم الذي وقع عام 1980 على إيران وغزوه الكويت عام 1990؛ بالفشل الدموي.

ربما يحاول الأمير محمد، الذي يبلغ من العمر 32 عامًا، رؤية نفسه مختلفًا عن الزعماء السعوديين السابقين وعن والده البالغ من العمر 81 عامًا كذلك، وفقا لما ذكره بول بيلار، وهو ضابط سابق في المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)، ويعمل الآن أستاذ في جامعة جورج تاون.

سياسات ابن سلمان الخاصة بتوطيد السلطة وقمع المعارضين في الداخل، لا تفيد غالبًا في تحركاته الخارجية، بل تزيدها فشلًا

يقول بول بيلار إن "محمد بن سلمان ربما يشعر بالحاجة إلى أن يترك بصمته، لإظهار أنه الحاكم الفعلي، وأن خطواته ليست مجرد طيش شباب"، مضيفًا: "هذا يعني أنه في حاجة أكبر من القادة الآخرين إلى تحمل المخاطر. ولكن المخاطر الكبرى تعني المزيد من فرص الفشل".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ابن سلمان يقود "الانفتاح" في السعودية بسوط القمع والتخويف

محمد بن سلمان.. نذير شؤم صاعد لتعقيد أزمات الشرق الأوسط واستنزافه