26-نوفمبر-2019

تورط جولياني في قضية الضغط على أوكرانيا (Getty)

يبدو أن الجمهوريين يتوجهون للتضحية باسم رودي جولياني المحامي الشخصي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بحسب ما أظهرته شهادات الدبلوماسيين والموظفين الأمريكيين، الذين أكدوا ممارسته دورًا مهمًا في قضية ممارسة ضغوط على أوكرانيا، لإعادة فتح التحقيقات المرتبطة بتعاملات عائلة بايدن في كييف، في الوقت الذي يطالب ترامب بتسريع خطوات التحقيق التي يجريها الكابيتول هيل، لكي يتم نقلها إلى مجلس الشيوخ، الذي يتوقع أن يعامله "بنزاهة وعدالة بموجب الدستور".

يصب ما كشفته سجلات الخارجية الأمريكية في خانة تقرير لمجلة تايم، يتحدث عن إبلاغ بومبيو ثلاثة جمهوريين بارزين بنيّته الاستقالة لخوض انتخابات مجلس الشيوخ الأمريكي

ثاني الجلسات العلنية تتوافق على دور جولياني

كان واضحًا حجم التوافق في شهادة مسؤولي وموظفي الإدارة الأمريكية السابقين والحاليين حول الدور الذي لعبه جولياني، في ممارسة الضغوط على الحكومة الأوكرانية لإجراء تحقيقات بالأعمال التجارية لهانتر بايدن نجل المرشح الديمقراطي جو بايدن، مقابل الإفراج عن المساعدات العسكرية المقدرة بمئات الملايين من الدولارات، وفقًا للشهادات التي أدلي بها أمام لجنة الاستخبارات الأمريكية.

اقرأ/ي أيضًا: اتساع دائرة اتهامات ترامب وانقسام في الشارع الأمريكي حول عزله

الجلسة الثانية للشهادات العلنية التي بدأت يوم الثلاثاء الماضي حتى نهاية الأسبوع، أكد فيها موظف السفارة الأمريكية في أوكرانيا، ديفيد هولمز أن جولياني "يقوم بدور مباشر في الدبلوماسية مع أوكرانيا"، بينما وصف سفير واشنطن لدى الاتحاد الأوروبي جوردون سوندلاند جهود جولياني لحث الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للتحقيق مع منافسي ترامب السياسيين بأنها "كانت مقايضة مقابل ترتيب زيارة لزيلينسكي للبيت الأبيض".

وتشهد الجلسات العلنية ظهور قضية جديدة إلى جانب إيقاف المساعدات العسكرية لبلد أجنبي، تتمثل في محاولة جوليان تحويل وجهة نظر تحقيق تدخل موسكو بالانتخابات الأمريكية إلى أوكرانيا، حيثُ وصف البعض التحقيقات بأنها كانت "تؤثر سلبًا" على إدارة الرئيس زيلينسكي، بينما قالت مستشارة ترامب السابقة بشأن روسيا فيونا هيل إن الحديث عن تدخل كييف بانتخابات الرئاسة الأمريكية 2016 هو "سرد خيالي أعدته وروجت له أجهزة الأمن الروسية نفسها".

وعلى الرغم من استمرار رفض البيت الأبيض التعاون مع الكونغرس الأمريكي، بعدم تقديم الوثائق التي طلبتها لجان الكابيتول هيل، ومنع موظفي الخارجية الأمريكية، من بينهم الوزير مايك بومبيو من المثول أمام اللجان للإدلاء في شهادتهم، فإن رئيس لجنة الاستخبارات آدم شيف لم يستبعد أن يدلي المزيد من المسؤولين شهادتهم في جلسات علنية للبحث عن المزيد من الوثائق التي تدعم التحقيقات، منوهًا لعدم استعدادهم السير في "طريق التلكؤ" الذي تمارسه إدارة ترامب لعرقلة التحقيق.

شهادة سوندلاند "لحظة هامة" في إجراءات العزل

عززت الجلسات العلنية ورود أسماء مسؤولين بالإدارة الأمريكية دعموا سياسة الرئيس ترامب التي انتهجها مع نظيره الأوكراني، وساهم بتعززيها ما كشف مؤخرًا من وجود مراسلات عبر البريد الإلكتروني مع القائم بأعمال كبير موظفي البيت الأبيض ميك مولفاني، الذي سأل مكتب الإدارة والموازنة عن وجود مسوغ قانوني لحجب المساعدات العسكرية عن أوكرانيا، وإلى أي وقت يمكن استمرار حجبها.

وبين جميع المسؤولين الأمريكيين الذين وجه لهم الكونغرس استدعاءات للإدلاء بشهادتهم، تتصدر شهادة سوندلاند قائمة الشهود الأكثر أهمية، لكونه صديق ترامب ومتبرّع بمليون دولار لدعم حملة ترامب الانتخابية السابقة، فتأكيده أن ما حصل في المكالمة الهاتفية أشبه "بمقياضة" تمت على علم من "الجميع"، بمن فيهم مولفاني، ووزير الخارجية مايك بومبيو، إضافة لمستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، ومسؤولين آخرين، يعطي التحقيقات مسارًا مختلفًا، بالأخص بعد ورود اسم بومبيو الذي يرفض الادعاءات الموجهة إليه.

وتعتبر شهادة سوندلاند واحدة من أهم الشهادات التي أدلى بها دبلوماسيون لا زالوا على رأس عملهم أمام لجان الكابيتول هيل، نظرًا لما يراه محللون بأن شهادة الدبلوماسي الأمريكي "لحظة حاسمة في إجراءات العزل" التي يحاول الديمقراطيون أن يفضي قرارهم إليها في النهاية، لأنه من الصعب بعد شهادة سوندلاند إدعاء ترامب أنه "بالكاد يعرفه"، أو ينفي التواصل المتكرر معه في إشارة لوصف ترامب علاقته مع الشهود السابقين.

جولياني حاول التقرب من الأوليغارشية الأوكرانية

لكن القضية التي كان يجب أن تقف خلال اليومين الماضيين عند حدود نهاية الأسبوع الثاني للاستراحة من الجلسات العلنية، شهدت دخول شاهدين مع وثائق جديدة لم يكشف عنها سابقًا، جاءت عبر الأمريكي من أصل أوكراني ليف بارناس، والذي يواجه تهمًا من الإدعاء العام في ولاية نيويورك بالتحايل على قوانين تمويل الحملات الانتخابية الأمريكية عن طريق برنامج لغسل الأموال، بالاشتراك مع الأمريكي وأصوله من روسيا البيضاء أيغور فرومان.

وكشفت التسجيلات المرئية والصوتية التي قدمها بارناس كوثائق للجنة الاستخبارات في الكابيتول هيل،  محادثات بين جولياني وترامب، تتمحور حول محاولة إقناع ترامب الحكومة الأوكرانية بإجراء تحقيق مع جو بادين، ونجله مقابل عودة المساعدات الأمنية، وقال محامي بارناس في بيان بعد نشر الوثائق إن "موكله مستعد لإخبار محققي الكونجرس حول اجتماع بين العضو الجمهوري البارز في اللجنة، النائب ديفين نونيس (أحد أبرز الجمهوريين الداعمين لترامب) والمدعي العام الأوكراني، الذي حدث عندما كان نونيس يساعد إدارة ترامب في البحث عن قضايا ضد نائب الرئيس السابق جو بايدن".

وتقول صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن جولياني توجّه في المحادثات التي أجراها لصالح ترامب للطبقة الأوليغارشية الأوكرانية، وكان من بينهما المليارديريين ديمتري فيرتاش، وإيغور كولومويسكي، مشيرًة إلى أن المشترك في المقابلات مع الأوليغارشية الأوكرانية، إجراء جولياني اجتماعات مع مواطنين أجانب يملكون القوة السياسية، لكن في مقابل ذلك يواجهون مشاكل قانونية مع الولايات المتحدة.

ويواجه فيرتاش تهمًا موجهة إليه من مكتب التحقيقات الجنائية الأمريكي، ترتبط بالرشوة وتنظيم جماعة إرهابية، وهو من أبرز المستثمرين في مجال الغاز الطبيعي، فيما يرتبط اسم كولومويسكي بالتحقيقات التي يجريها FBI بشأن مزاعم غسيل أموال بخصوص البنك الذي يملكه، ومعروف عنه تمويله للانفصاليين الذين يقاتلون مع موسكو في شبه جزيرة القرم ضد الحكومة الأوكرانية.

ضغوط لإجراء تحقيق بتعاملات بايدن التجارية 

تشير نيويورك تايمز في تقريرها إلى أن جولياني ضغط على فيرتاش وكولومويسكي للمساعدة في البحث عن معلومات، تلحق ضررَا ببايدن الأب أحد منافسي ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة، مضيفًة أن الدبلوماسيين ومسؤولي الأمن القومي الأمريكي تحدثوا بالتفصيل خلال الجلسات العلنية في الأسبوعين الماضيين، عن دور ترامب بتحريض جولياني على أنه سيتم دفع المساعدات العسكرية المقدرة بـ400 دولار عند إعلان حكومة كييف إعادة فتح التحقيق بشأن عائلة بايدن.

وتضيف الصحيفة أن من بين الأسماء التي اجتمع معها جولياني، كان المدعي العام الأوكراني السابق فيكتور شوكين، وخليفته يوري لوتسينكو، وقام بتجنيد شخصين لإجراء مقابلات مع الأشخاص الذين يريدون الحديث عن أعمال عائلة بايدن التجارية في أوكرانيا، قبل موعد الانتخابات الرئاسية الأوكرانية التي فاز بها زيلينسكي في 21 نيسان/أبريل الماضي.

تصف مراسلة الأبيض في صحيفة بوليتيكو الأمريكية أنيتا كومار انطباعها عن النتائج التي توصلت إليها تحقيقات الكابيتول هيل، بأن كل شيء في قضية ممارسة ترامب ضغوطًا على أوكرانيا يؤدي إلى جولياني، الذي عينه ترامب بدايًة للمساعدة في تحقيق تدخل موسكو بالانتخابات الرئاسية عام 2016، مشيرًة إلى أن هذه الفوضى أخدته إلى أوكرانيا، بالأخص بعد حديث الشهود عن تورطه بذلك، ومساعدته ترامب بممارسة ضغوط على أوكرانيا بشأن عائلة بايدن.

وكانت وكالة أسوشييتد برس قد ذكرت الأسبوع الماضي، أن الأوكرانيين أخطروا السفارة الأمريكية في كييف في آيار/مايو الماضي، عندما كانت ماري ايفانوفيتش لا تزال سفيرة واشنطن لديها، وتضمن الإخطار إحاطة حول مجريات اجتماع عقده زيلينسكي، وبحث عقبه زيلينسكي الحصول على مشورة حول كيفية الخروج من الوضع "الصعب" الذي وجد نفسه بداخله، مشيرة لشعور زيلينسكي بتعرضه لضغوط من أجل اتخاذ قرار قد يكون له تأثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2020.

بومبيو يرتب انسحابه من إدارة ترامب  

مع توافق معظم المسؤولين على الدور الذي لعبه جولياني في الظل، برز خلال اليومين الماضيين دور وزير الخارجية بومبيو في إطار ممارسة الضغوط على أوكرانيا، ومعرفته بما كان يدور في كواليس العملية، بعدما أظهرت سجلات كشفت عنها الخارجية الأمريكية، وجود رسائل إلكترونية متبادلة بين جولياني وبومبيو، إضافة لطلب جولياني رقم هاتف بومبيو من مادلين ويسترهاوت مستشارة ترامب الشخصية السابقة، وتفيد التقارير بأن الرسائل تضمنت حديث جولياني عن تنظيم حملة لتشويه سمعة السفيرة يوفانوفيتش قبل عزلها من منصبها.

اقرأ/ي أيضًا: من الرفض إلى القبول.. فرص محاولات الكونغرس عزل ترامب

إلا أن بومبيو لا يزال ينأى بنفسه عن التعاملات التي أجراها جولياني مع أوكرانيا لصالح ترامب، إضافًة لأن البيت الأبيض رفض مثول بومبيو أمام لجان الكابيتول هيل بعد توجيه أحد الاستدعاءات له للشهادة، نظرًا لامتلاكه طموحات سياسية مرتبطة بالترشح لمقعد مجلس الشيوخ عن ولاية كانساس الأمريكية، وبالتالي فإن شهادته قد تطيح بطموحاته السياسية التي يخطط لها.

كان واضحًا حجم التوافق في شهادة مسؤولي وموظفي الإدارة الأمريكية السابقين والحاليين حول الدور الذي لعبه جولياني، في ممارسة الضغوط على الحكومة الأوكرانية

ويصب ما كشفته سجلات الخارجية الأمريكية في خانة تقرير لمجلة تايم الأمريكية، يتحدث عن إبلاغ بومبيو ثلاثة جمهوريين بارزين بنيّته الاستقالة لخوض انتخابات مجلس الشيوخ الأمريكي العام المقبل، إلا أنه يواجه معضلة الخروج بأقل الأضرار، مضيفًة أنه كان يريد الاستقالة في ربيع العام القادم، وكان للتطورات الأخيرة التي رافقت تحقيقات الكابيتول هيل دور بدفعه لتغيير رأيه، بالأخص أنه بدأ يشعر بتضرره سياسيًا من التحقيقات، التي ساهمت بتوتر علاقته مع الرئيس ترامب.