إبراهيم أصلان: لم أستخدم تشبيهًا واحدًا على الإطلاق في أعمالي!

حتى العام 1969، لم يكن الكاتب إبراهيم أصلان (1935 – 2012) قد أنجز سوى بضعة من القصص القصيرة والتي تم نشرها في دوريات الكاتب والآداب والمجلة. فالناقد الأدبي محمد بدوي يشير إلى أنها كانت قصصًا تهتم بتصوير الشخصيات من الخارج، وما يصل إلى القارئ يعرفه من ردود أفعالها، التي غالبًا ما تكون محبوبة. وقد خصصت له مجلة (جاليري 68) عددًا خاصًا عن قصصه ودراسات عنها. صدرت المجموعة الأولى له "بحيرة المساء" (1969) ثم صدرت "يوسف والرداء" (1987) و"وردية ليل" (1991).

أما روايته الأولى "مالك الحزن" (1983)، فقد استغرقت منه عقدًا كاملًا، وقد كُتبت بلغة متقشفة بلاغيًا وفيها أعطى "أصلان" مساحة معتبرة للشخصيات وانعكاسات أزماتها النفسية ومدى تفاعلهم مع الواقع المحيط. وجرى تحويلها إلى فيلم سينمائي بعنوان "الكتيت كات" (1991) من بطولة محمود عبد العزيز وإخراج داود عبد السيد.

إنني أتمنى وأنت تقرأ لي ألا تشعر بأن اللغة موجودة

في عام 1987، ترك "أصلان" العمل في هيئة البريد، ثم انتدب للعمل في الهيئة المصرية العامة للكتاب، ليعمل نائبًا لرئيس تحرير سلسلة "مختارات فصول" قبل أن يشرف في منتصف التسعينيات على سلسلة أخرى هي "آفاق الكتابة".

خلال العام 1999، أصدر رواية "عصافير النيل"، قبل أن تصدر له أعمال أخرى لاحقة "خلوة الغلبان" و"حجرتان وصالة". وقد عمل مسئولًا عن الصفحة الثقافية لجريدة الحياة اللندنية بمكتب القاهرة. حصل "أصلان" على جائزة الدولة التقديرية عام 2003.

في هذه الشهادة النادرة حول تجربته الأدبية خلال مشاركته في ورشة يوسف إدريس الإبداعية (بمقر التجمع بالزيتون). وقد حررها الشاعر والروائي شعبان يوسف، حيث نُشرت في مجلة أدب ونقد (العدد 93، 1993). إليكم أبرز ما جاء بها:

أنا باختصار أنتمي لأسرة رقيقة الحال من أصول ريفية. والدي وجدي كانا يعملان في هيئة البريد، وعندما تزوج أبي عشنا في طنطا، وأنا ولدت في طنطا، وبعد حوالي أربع أو خمس سنوات، انتقلنا إلى القاهرة، وذلك لأن انتقال أبى للعمل في القاهرة كان يعنى زيادة مرتبه بعلاوة تبلغ خمسين قرشًا، كنت أكبر اثني عشر أخًا وأختا تبقى منهم سبعة فقط.

هناك مشكلة في رصد أحداث حياتي هي، تداخل الأزمنة، فالإحساس بالزمن بالنسبة لي غير دقيق بشكل حازم. أذكر الفترة التي عشتها في سيدنا الحسين، فقد اختزلت بالنسبة لي إلى المشهد صغير جدًّا، يتمثل في كوني أقف على في منتصف السلم، البيت معتم نسبيًّا، الأولاد تحت ينادون عليّ، وأمي فوق، وأنا لا أراها من العتمة حتى سمعتها تقول لهم، لماذا كلما لعبت معهم يضربونني، هذا ما أتذكره. إنني أعتقد أن الذاكرة بالنسبة لي ذاكرة مشهدية.

أول من لفت نظري لعلمية القراءة، وارتباط الإنسان بها، أخ لصديق كان يصطاد معي في النيل، بعدها بدأت أتعرف على عالم الكتب، وفي سوق إمبابة، بجانب بيتنا كنت أجد روايات الجيب التي بدأت بالتعامل معها وبمجرد ما تعرفت على روايات الجيب بدأت أقرأ بشراهة. قرأت أرسين لوبين بداية ثم زادت قراءاتي واتسعت. وأذكر حينما ذهبت إلى دار الكتب كان أول كتاب طلبته هو "رسالة الغفران" لأبى العلاء المعري، وكان هذا هو الكتاب الوحيد في حياتي الذي استعرته وارجعته دون أن أفهم منه حرفًا واحدًا.

إن الفيلم ليس شيئًا آخر لأسباب – إن طبيعة العمل الروائي تختلف عن طبيعة السينما، هذه لغة وهذه لغة مختلفة تمامًا، والتغيير الذي حدث يتعلق بشخصية يوسف النجار، وأنا كنت على علم بذلك، وأنني قرأت السيناريو قبل الفيلم والمسألة بين الأدب والسينما لا تقاس بالتماثل بين الاثنين، ولكنها تقاس بعمق العلاقة.

إنني أتمنى وأنت تقرأ لي ألا تشعر بأن اللغة موجودة.. أي أن المشهد القصصي الذي أقدمه لا تشعر وأنت تتعامل معه أن هناك وسيطًا – حتى ولو لغوي – فأحينا أشعر أن تفاصحنا هو السبب في تدهور الحضارة العربية بكاملها، وينتابني إحساس بأننا نوغل في التفاصح لدرجة أنه أصبح هناك انفصال كامل بين ما نقوله ونكتبه وبين ما نعيشه.

ومسألة الاقتصاد في اللغة عندي لها علاقة بارتباطي بالفعل، وأنا لم أستخدم تشبيهًا واحدًا على الإطلاق في أعمالي، وليس لي أدنى اعتراض على ذلك عند الآخرين، ولكنّي أشعر بأن ذلك لا يلائم صوتي، وشكرًا.