27-فبراير-2020

جيف بيزوس ومحمد بن سلمان (تويتر)

في المقال أدناه المترجم عن صحيفة "فورين بوليسي" الأمريكية، نقاش حول الآثار الفعلية للصراع التكنولوجي، وما تقوله حادثة اختراق هاتف مؤسس أمازون جيف بيزوس، من قبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.


تسلط عملية الاختراق المزعومة لهاتف جيف بيزوس مؤسس أمازون ومالك واشنطن بوست، وأغنى رجل في العالم، الكثير من الضوء على طبيعة القوة والسلطة والسطوة في عصر التغيرات التكنولوجية المتسارعة. وأول ما تثبته هذه العملية هي أن الأمور تبقى كما هي مهما تغير الحال.

 هل تكشف حادثة اختراق هاتف مؤسس شركة أمازون عن تراتيبية جديدة للقوة حول العالم، يسود فيها المخترقون وتنزوي مصادر القوة التقليدية إلى الهامش؟

لمن فاتتهم التفاصيل خلال السنتين الماضيتين، بدأت القصة في 2019 عندما نشرت صحيفة ناشيونال إنكوايرر صورًا ورسائل بريد إلكتروني تفضح علاقة بيزوس بشخصية تلفزيونية في لوس أنجلوس. لمح بيزوس إلى احتمال تورط السعودية وأجر شركة للأمن السيبراني لتقصي الأمر. في أواخر كانون الثاني/يناير نشرت الشركة تقريرًا تتقصى فيه أثر الكود البرمجي الخبيث المسؤول عن التسريب في رسالة واتساب استقبلها بيزوس من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، رغم أن طريقة حصول الإنكوايرر على هذه المعلومات الحساسة ما زالت مجهولة.

إذا كان بإمكان الحكومة السعودية اختراق هاتف شخص يدرك تمامًا تأثير التكنولوجيا ولديه موارد غير محدودة لحماية نفسه، فكيف بإمكان الأشخاص العاديين حماية أنفسهم من مثل هذه الاختراقات؟ لن يمكنهم ذلك إلا عبر التخفي والابتعاد عن الشبكة، وحتى هذه الطريقة قد لا تكون كافية.

اقرأ/ي أيضًا: جيف بيزوس أحدث ضحايا التجسس السعودي بتقنيات إسرائيلية

نظرًا لعناصر الثروة والجنس والشهرة والسياسة، فليس من المستغرب أن تجذب هذه القصة كل هذا الاهتمام. لكن هل تكشف هذه الحادثة عن تراتيبية جديدة للقوة حول العالم، يسود فيها المخترقون وتنزوي مصادر القوة التقليدية إلى الهامش؟

وللتوضيح، فإن حادثة اختراق هاتف بيزوس هي تذكير آخر بأن قضايا الأمن السيبراني تمفصلت في بنية الشؤون الدولية والسياسية وقضايا الخصوصية والشأن العام، بطرق لم ندركها بالكامل بعد. سارع البشر في ربط أنفسهم بالإنترنت لأسباب عدة، منها السهولة والفضول والضرورة أو بسبب انتشاره وشيوعه، دون التفكير فيما يعنيه هذا الأمر والأخطار التي قد يمثلها بالنسبة لنا. حوادث شهيرة سابقة مثل الاختراق الروسي لحواسيب لجنة الانتخابات الوطنية الديمقراطية والاختراق الكوري الشمالي لشركة سوني، تظهر مدى الخطر الذي نواجهه جميعًا وصعوبة التعرف على الفاعلين بسهولة وفي الوقت المناسب.

وكذا الحال مع بيزوس، فرغم ادعاء شركة الأمن السيبراني بأنها لديها ثقة متوسطة إلى مرتفعة بأن السعوديون هم من اخترقوا هاتفه، إلا أنها لم تعلن عن الأدلة الجنائية التي تدعم هذا الادعاء، كما أنها لم تكشف عن الكيفية التي وصلت بها المعلومات المستلبة من هاتف بيزوس إلى المجال العام. ناهيك عن نكران المملكة العربية السعودية لتورطها. هذا ما يتوقع منهم بالتأكيد، لكن هل تستطيع أن تثبت خلاف ما يقولون؟

تسلط حادثة بيزوس الضوء كذلك على حدود المكانة التي تحتلها الثروة في تشكيل السلطة السياسية والحماية، وكذلك حدود الاختراق كوسيلة للتأثير والنفوذ. لعل بيزوس اعتقد أنه أهم من أن يتعرض للاختراق، أو أن محمد بن سلمان لن يجرؤ على فعل شيء بهذه الوقاحة. لم تكن ثروته رادعًا، ومهما كانت احتياطات الأمان التي اختبأ خلفها فهي لم تحمه من التعرض للهجوم.

بافتراض مسؤولية السعودية عن الحادث، ليس من الواضح أنها حصلت على شيء مقابل جهودها هذه سوى إحراج آخر. لعل هاتف بيزوس احتوى معلومات أخرى مثلت قيمة للمسؤولين السعوديين، رغم صعوبة تصور وجود مثل هذه المعلومات. بيزوس رجل أعمال فائق النجاح وأحدثت شركة أمازون تحولات في عالم الأعمال، لكن هل تحتاج المملكة العربية السعودية حقًا لمعرفة كيفية قيامه بتوصيل هذا العدد الهائل من الطرود إلى كل تلك الأماكن بسرعة؟ سادت توقعات بأن المسألة برمتها كانت محاولة من وسائل إعلام أمريكية مثل ناشيونال إنكويرر التي كانت أول من نشر عن خيانة بيزوس الزوجية، ومحمد بن سلمان لنيل الحظوة لدى دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الذي يكره بيزوس.

 لكن الرئيس يقف بالفعل في زاوية ولي العهد وصديق مقرب لرئيس شركة أميركان ميديا المسؤولة عن إصدار الإنكويرر، لذا من الصعب تخيل الفائدة التي سيجنونها من هذه المخاطرة.

التفسير المقنع الآخر هو أن محمد بن سلمان تضايق من التغطية السلبية التي قدمتها الواشنطن بوست منذ مقتل المعارض السعودي والكاتب في الصحيفة جمال خاشقجي على يد عملاء سعوديين. في هذا السياق ربما تعرض بيزوس للاختراق في محاولة للضغط عليه ليطلب من طاقم الواشنطن بوست تخفيف حدة نقدهم للمملكة.

إذا كان الأمر كذلك، فليس هناك ما يدل على أن طريقتهم قد آتت أكلها. ربما تعرض بيزوس للإحراج على وقع الكشف عن خيانته الزوجية وربما انتهى زواجه على إثر ذلك، لكن شركة أميركان ميديا تدعي أنها حصلت على المعلومات عن طريق شقيق عشيقته وليس بواسطة أي اختراق سعودي لهاتف بيزوس. حتى لو ثبت تورط السعوديين، فقد أظهر سلوك بيزوس أنه لن يخضع لابتزازاتهم. ما لم يجد السعوديون طريقة لتجفيف حساباته البنكية أو الاستحواذ على كل أسهمه في أمازون، فما الورقة القوية التي قد يمتلكونها ضده؟

وهو ما يعيدنا إلى محمد بن سلمان. حادثة اختراق هاتف بيزوس هي الأخيرة في سلسلة الأدلة التي تشير إلى الهياج الكامل للأمير. فهي تدل على تهوره وجنون الشك الذي ينتابه وبعضًا من حماقته. فقد شن حربًا في اليمن انتهت إلى كارثة إنسانية وفشل عسكري. وقد ساعد في إقناع إدارة ترامب بفرض ضغوط مشددة على إيران، ثم اضطر لتخفيف لهجته مع طهران بعد استهدافها لبعض المنشآت النفطية السعودية. وقد افتعل خصامًا عبثيًا مع قطر وحاول إقناع رئيس وزراء لبنان بالاستقاله عبر احتجازه رهينة في الرياض، واعتقل عشرات من رجال الأعمال ورجال العائلة المالكة في السعودية حتى يوافقوا على التخلي عن مليارات الدولارات، حتى وهو يحاول إقناع مجتمع الأعمال العالمي بأن المملكة العربية تمثل مكانًا رائعًا للاستثمار.

 وتعتقد وكالة الاستخبارات المركزية أنه من أصدر أوامر باغتيال الصحفي الذي لم يمثل خطرًا على حكمه. لم تعزز أي من هذه الأفعال الأمن السعودي بأي قدر، بل على العكس تركت المملكة في وضع أسوأ. وقد أفلت محمد بن سلمان بأفعاله الخطيرة هذه لسببين، الأول أن المملكة ما زالت تمتلك كثيرًا من النفط والغاز وأن دونالد ترامب يدعمه أيًا كان ما يفعله.

ويذكرنا الهجوم على هاتف بيزوس كذلك بحقيقة محزنة أخرى في السياسة الدولية وهي أن الحكومات دائمًا تستغل التكنولوجيا الجديدة لتكتسب الأفضلية. وضع قيود على التكنولوجيا مهمة صعبة دائمًا، ومعظم الأسلحة الجديدة تستخدم على أرض الواقع في النهاية. ما إن اكتشفت البشرية ما بإمكان الرقمنة والإنترنت العالمي فعله لنا، حتى سمحنا لأنفسنا بأن نكون أكثر عرضة للخطر. ولم تتوان الحكومات والمجرمون والمراهقون الضجرون في استغلال هذه التكنولوجيا الجديدة للتسلية والتربح واكتساب الأفضلية السياسية.

يذكرنا الهجوم على هاتف بيزوس كذلك بحقيقة محزنة أخرى في السياسة الدولية وهي أن الحكومات دائمًا تستغل التكنولوجيا الجديدة لتكتسب الأفضلية

ومع ذلك تذكرنا حادثة بيزوس بأن القدرات السيبرانية لن تحول الضعفاء إلى قوى عظمى. فالأقزام الرقمية لن تهزم العمالقة العالميين ذوي السلطة والبأس. ربما حازت المملكة العربية السعودية رسائل البريد الإلكتروني لبيزوس وأرقام هواتفه وصوره الشخصية وقوائمه على سبوتيفاي لكنها لم تستطع حتى الآن قهر الحوثيين في جارتها الجنوبية. أما بالنسبة لبيزوس فثروته لم تمنحه القدرة على الانتقام من محمد بن سلمان، أو شركة أميركان ميديا أو الرئيس الذي يدعمهم. كل ما بوسعه هو أن يسيء لسمعتهم قليلًا بعد.

اقرأ/ي أيضًا: إدوارد سنودن: السعودية استعانت بخبرات إسرائيلية لتعقب خاشقجي والتجسس عليه

على ضوء هذه الأمور، فإن دور القوة والسلطة في المستقبل لن يتغير كثيرًا عن الماضي. ومن الآن فصاعدًا لن تكون القوى العظمى والفاعلون الأكثر نفوذًا هم من يمتلكون شكلًا واحدًا فقط من أشكال القوة، أكان مالًا أو سلاحًا أو قلمًا بليغًا صداحًا، أو حتى سلاحًا سيبرانيًا أو فكرة جذابة. بل إن القوة الحقيقية في هذا الزمن تعني الجمع بين الخبرة التكنولوجية المعقدة في مجالات مختلفة وقدرات تحليل البيانات واقتصاد قوي ومؤسسات سياسة فعالة ومستقلة الموارد وقوة عسكرية كفؤة بالمعنى التقليدي. فتوظيف مجموعة من المخترقين لن يضاهي هذه العوامل، وفي معظم الحالات سيعمل المخترقون لصالح الدول القوية والغنية التي تستطيع الدفع لهم. لن توازن هذه القدرات التكنولوجية الجديدة من ساحة المنافسة في عالم السياسة، بل ستجعل الأطراف القوية أكثر قوة وستترك الضعفاء لينازعوا مصيرهم المحتوم.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

مشروع "الغراب".. موظفو الاستخبارات الأمريكية في خدمة القمع الإماراتي

كيف ساعد "السيد هاشتاغ" السعودية في التجسس على المعارضين؟