26-فبراير-2019

يواجه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي احتمالات عديدة ومفتوحة (Getty)

منذ سنتين ونصف ونحن نسمع عن "Brexit" أو خطّة خروج المملكة المتّحدة من الاتّحاد الأوروبّي. حيث إن بريطانيا التي دخلت الاتّحاد الأوروبّي عام 1973 بشروطها واحتفظت بعملتها الباوند، ولم توقّع على اتّفاقيّة شينغين للتجول الحر، قرّرت الانفصال بعد الاستفتاء الشعبي الذي أجرته في صيف عام 2016، والذي أدّت نتيجته المؤيّدة للانفصال إلى استقالة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون مفسحًا المجال أمام تيريزا ماي، رئيسة وزراء بريطانيا الثانية بعد مارغريت تاتشر التي تتولى رئاسة الحكومة دون انتخابات، حيث قامت ماي بالفعل في آذار/مارس 2017 بتسليم الاتّحاد الأوربّي رسالة مفادها أنّ بلادها ستفعّل المادّة 50 من اتّفاقيّة لشبونة المتعلّقة بإلغاء العضويّة في الاتّحاد الأوروبّي، بعد أن دعت إلى انتخابات مبكّرة.

تُعد الحالة البريطانيّة هي الأولى في تاريخ الاتّحاد لدولة ترغب بالخروج. ولم يتم التوصّل بعد إلى اتّفاق نهائي يرضي الجميع، حيث إنّه لا زالت هناك بعض النقاط العالقة

انطلقت منذ ذلك الحين محادثات بين بريطانيا والقادة الأوربيّين بشأن الانفصال، لكن أين وصلت الآن هذه المحادثات الثنائيّة بين الطرفين؟ نظرًا للتعقيد الذي تتّصف به هذه المباحثات والانقسام الشعبي والبرلماني حولها،  فإنّ المتابع بات يسأل نفسه: هل ستخرج بريطانيا من الاتّحاد الأوروبّي في النهاية أم لا؟ والسؤال الأهم: ما هي السيناريوهات الممكنة وأيّ مسارٍ سيتّخذ هذا الخروج؟

اقرأ/ي أيضًا: القفزة البريطانية إلى المجهول

كان أمام ماي خيارات قليلة: أوّلها الوصول إلى اتّفاق نهائي يرضي الاتّحاد الأوروبّي من جهة ويرضي خصومها داخل البرلمان البريطاني من جهة أخرى،  وثانيها أن يحدث الانفصال دون اتّفاق وهذا ما كان مستبعدًا في البداية، لكنّ شبحه بدأ الآن يلوح في الأفق، والاحتمال الثالث هو أن تلغي بريطانيا طلب الانفصال أو أن  يعاد إجراء  الاستفتاء الشعبي، الأمر الذي يمكن أن يفضي إلى أن تعدل بريطانيا عن خطّة الخروج، وهو ما تناضل ماي وفريقها  لتجعل منه احتمالًا مستحيلًا، والأمر الذي يسعى حزب الديمقراطيين الأحرار إلى إقناع باقي الأحزاب بتبنّيه، أمّا الخيار الأخير فهو احتمال طلب التمديد بعد خطّة السنتين.

خطّة السنتين

يقترب التاسع والعشرون من آذار/مارس وهو الموعد الذي يكون قد مضى فيه سنتان على الإشعار البريطاني برغبة لندن الخروج من الاتّحاد، ويحدّده ميثاق الاتّحاد الأوروبّي في المادّة 50، لإجراء التفاوض مع الدّولة الراغبة بهجره، مع إمكانيّة تمديد هذه المهلة شرط موافقة دول الاتّحاد كاملة (27)، وهذا ما يجعل منه خيارًا صعبًا آخر لحكومة ماي.

 الجدير بالذكر أنّ الحالة البريطانيّة هي الأولى في تاريخ الاتّحاد لدولة ترغب بالخروج. ولم يتم التوصّل بعد إلى اتّفاق نهائي يرضي الجميع، حيث إنّه لا زالت هناك بعض النقاط العالقة. يأتي هذا على الرغم من كلّ التأكيدات التي جاءت على لسان رئيسة الوزراء البريطانيّة وفريقها الحكومي، والتي وعدت بأنّ الخروج سيكون في موعده، كما أنّه سيكون آمنًا وضمن اتّفاق مع الاتّحاد.

البرلمان البريطاني يقرّر

 العيون كلّها توجّهت إلى البرلمان البريطاني، صاحب الكلمة الفصل في مسألة الصفقة مع الاتّحاد الأوروبي. حيث إن مجلس العموم أو البرلمان كان قد صوّت على اتّفاق ماي مع بروكسيل في شهر كانون الثاني/يناير الماضي بأغلبيّة 432 رفضت الخطّة التي طرحتها الحكومة للخروج، مقابل 202 صوتًا مؤيّدًا لهذه الخطّة، وهي هزيمة سياسيّة مدوّية كما اعتبرها المحلّلون كادت تسحب الثقة من حكومة ماي. وأدّى هذا إلى المزيد من التباين في الآراء الذي طال هذه المرّة انشقاقات داخل حزب ماي المحافظ، لنوّاب يرفضون سيناريو الخروج من الاتّحاد دون اتّفاق.   

وقد تلا ذلك رفض الاتّحاد الأوروبّي إعادة فتح ملفّ التفاوض في النقاط التي تم الاختلاف عليها، وهو ما يدفع ماي وحكومتها إلى مزيد من الضغط والحرج السياسيّين.

 إيرلندا الشماليّة وجمهوريّة إيرلندا

تعد قضية إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا من أكثر النقاط إثارة للجدل، حيث إن معاهدةً للسلام كانت قد وُقّعت في عام 1998 وأنهت المواجهة الأهلية في جزيرة إيرلندا واعترفت بموجبها بريطانيا بجمهوريّة إيرلندا العضو في الاتّحاد الأوروبّي، والتي لا تنوي مغادرته، وبقيت إيرلندا الشماليّة تحت التاج البريطاني، وهو ما سيخلق الحدود البريّة الوحيدة لبريطانيا مع الاتّحاد الأوربّي في حال خروجها منه، وعليه فإنّ ثمّة إجماع من الأطراف كافّة على عدم إعادة الحدود وإفساح المجال لتنقّل جمركي وسكّاني حرّ ضمن هذه الحدود الافتراضيّة.

هل تنتهي الأمور إلى خطة "باك ستوب"؟

يضاف عامل آخر إلى هذا التعقيد، وهو خطة BsckStop، التي وضعت في حال عدم التوصّل إلى تفاهم تجاري وجمركي وحدودي بين بريطانيا والاتّحاد الأوروبّي بعد نهاية الفترة الانتقاليّة، التي  ستبدأ حال خروج بريطانيا أي في 29 آذار/مارس القادم ،وستستمر حتى كانون الأوّل/ديسمبر 2020، والباك ستوب هي خطّة أمان مؤقّتة هي الأخرى ستضمن عدم وضع حدود فيزيائيّة ونقاط تفتيش بين إيرلندا الشماليّة وجمهوريّة إيرلندا، ومن خلالها أيضًا سيكون هناك فضاء جمركي بريطاني أوروبّي مشترك، وستبقى بريطانيا في السوق الأوروبيّة المشتركة حتّى إيجاد صيغ توافقيّة أخرى.

اقرأ/ي أيضًا: ماهي تأثيرات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟

لكنّ منتقدي هذه الخطّة يحملون عليها علاوة على كونها مؤقّتة، أنّها لن تتيح لبريطانيا حريّة إبرام المعاهدات التجاريّة مع دول وأطراف ثالثة.

في كل الأحوال فإنّ على بريطانيا تسديد ديونها إلى الاتّحاد الأوروبّي التي تبلغ نحو أربعين مليار يورو، كما أنّ محكمة العدل الأوروبيّة ستحتفظ بولايتها القضائيّة المباشرة لسنتين

وفي كل الأحوال فإنّ على بريطانيا تسديد ديونها إلى الاتّحاد الأوروبّي التي تبلغ نحو أربعين مليار يورو على مراحل. كما أنّ محكمة العدل الأوربيّة ستحتفظ بولايتها القضائيّة المباشرة حتّى نهاية عام 2020.

 

اقرأ/ي أيضًا:

التأقلم البريطاني مع جرائم السعودية.. احتياطات "بريكست"!

7 حجج وراء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي