29-سبتمبر-2017

بعد اختفائه فترة طويلة، خرج أبوبكر البغدادي بتسجيل جديد (الأناضول)

بروح المحلل السياسي لما يجري دوليًا، أطل من جديد أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، عبر تسجيل جديد، دعا فيه مقاتلي التنظيمات التي بايعته على ما يسمّى بالخلافة، إلى "الثبات ومواصلة الجهاد"، قائلًا: "إذا نزل بك البلاء فالجأ إلى السماء".

وجاء التسجيل فيما يبدو، بمناسبة الهزائم التي يلقاها التنظيم مؤخرًا، في سوريا والعراق، ليدعو البغدادي أنصاره إلى الإكثار من الدعاء محذرًا من إلقاء السلاح أو التفاوض أو الاستسلام، ممنيًا مقاتليه بأن من يقتل "سيلقى في الجنة 72 زوجة من الحور العين"!

بعد خسارة داعش لأهم معاقله في سوريا والعراق، خرج زعيمه أبوبكر البغدادي بتسجيل يعد فيه عناصر تنظيمه بـ"الحور العين في الجنة"!

واعتبر زعيم داعش هزائم التنظيم المتوالية وخسارة مواقعه الأهم سوريا والعراق، والتي وصلت إلى خسارة معقله الأساسي في العراق، مدينة الموصل، وما كانت تعرف بعاصمة خلافته المزعومة، مدينة الرقة في سوريا.. اعتبرها "ابتلاءً"، مع قوله إن عناصره "صمدوا" وإنهم "لم يسلّموها إلَّا على جماجمهم وأشلائهم بعد سنة من القتال"، إلى جانب معاركهم في سرت والرمادي والرقة وحماة.

اقرأ/ي أيضًا: قصة داعش.. "تمدد" سريع وانحسار مُكلف و"بقاءٌ" محتمل

وأضاف، خلال التسجيل الذي بثته شبكة الفرقان التابعة للتنظيم: "لقد أيقن القادة وأجنادها أن الطرق الموصلة إلى النصر والتمكين، هي الصبر والثبات أمام الكفار مهما تحالفوا وحشدوا".

وعلى مدار الشهور الماضية، خسر التنظيم المتشدد أهم معاقله في كل من سوريا والعراق، بحصاره من مليشيات محلية وتحالفات دولية، حتى صار شبه محتجزٍ في آخر معاقله الأهم في سوريا، مدينة دير الزور.

لا يزال حيًّا

بعد تداول العديد من الأنباء عن مقتل البغدادي، عدة مرات، يبدو أن البغدادي قد أراد عبر تسجيله الآخر -الذي تُرجّح صحة نسبته إليه- أنه لا يزال موجودًا على قيد الحياة، فالصوت لا يختلف كثيرًا عن صوته في تسجيلات سابقة، ولكي لا يقال إنه تسجيل قديم نشر حديثًا، تحدّث فيه عن ملف كوريا الشمالية، الذي اشتعل مؤخرًا، واستفتاء إقليم كردستان العراق الذي أقيم قبل أيام، واجتماع أستانا الأخير بشأن سوريا.

وهذا وكان الجيش الروسي قد رجح في منتصف حزيران/يونيو الماضي، مقتل أبي بكر البغدادي في غارة جوية روسية في أيار/مايو الماضي، لكنه استدرك بأنه يحاول التثبت من صحة ذلك.

البغدادي الذي رصدت واشنطن 25 مليون دولار لمن يحدد مكانه، أو يقتله؛ بقي متواريًا عن الأنظار، مع تردد أنباء عن تنقله المستمر بين المناطق التي لا يزال يسيطر عليها التنظيم على جانبي الحدود العراقية السورية.

وعلى ما يبدو، أراد البغدادي في تسجيله الأخير، أن يثبت خطأ ذلك، لكن بمبدأ المكايدة، فقال إنّ الولايات المتحدة تفقد مكانتها الدولية كدولة وحيدة ترأس دول العالم، فقد أصبحت "منهكة بديونٍ هائلة"، على حد قوله. 

من هنا يبدو أن البغدادي التقف أول خيط "التحليل السياسي" ثم تمادى في هذا الدور، ليفصح عن آرائه، والتي من بينها اعتباره أن الوضع السياسي الأمريكي يفتح المجال أمام ظهور روسيا كقوة عظمى بدلًا من واشنطن لتتحكم في الملف السوري، مُشيرًا إلى "ما حدث في اجتماع أستانا وما نتج عنه من قرارات"، باعتباره دليلًا على "تحليله السياسي".

يُريد البغدادي من تحليله السياسي هذا أن يقول إن ثمة صفقة ما بين روسيا والولايات المتحدة، بمقتضاها تركت الأخيرة سوريا لتصرف روسيا.

التنظيم يرجع إلى الخلف

قدم البغدادي خلال التسجيل، عدّة اعترافات، أولها أن عناصره يعيشون "انتكاسة نفسية"، بتعبيره، بعد الهزائم المتكررة في الآونة الأخيرة، وللعجب أنه استجدى تعاون الفصائل السورية الإسلامية لتعويض النقص العددي في صفوف تنظيمه، قائلًا: "أفيقوا من ثباتكم يا أهل السنة في الشام وعودوا إلى ربكم".

ويبدو البغدادي بقوله "مجمّعًا لا يريد التفريق"، يأمل بتجميع الفصائل الإسلامية في كل مكان بالعالم حوله لتحقيق حلم الخلافة، فهو يريد قوة بشرية فقدها وخسرها وسالت دماؤها ربما أمام عينيه في المعارك الأخيرة، لكن الغريب كان ذكره جبهة النصرة التي أصبحت "فتح الشام" وتقود هيئة تحرير الشام (هتش)، والتي تسربت من بين يديه بعدما كانت شريكة له حتى عام 2013. ففي محاولة لاستعطافها تحدّث إليها بخيبات التنظيم، كأنه يبحث عن منقذ.

ولذلك، أصدر أوامره لألوية داعش عبر العالم بعدم الحديث عن الهزيمة واستدعاء أسباب الإحباط: "إياكم أن يحدث أحدكم نفسه بالهزيمة أو الخسائر أو المفاوضة أو الاستسلام وتسليم سلاحه".

واعترف أيضًا بما خسره من أرض، تجاوزت الموصل إلى مدن أخرى استولت عليها قوات سورية وعراقية، على مدار الأشهر الماضية. وفي محاولة لتثبيت عناصره ربما، قال إن أنصاره يسيرون على درب الصحابة للإعلاء من شأن الإسلام حتى يجري استعادة رايته وعودة الأراضي مرة أخرى.

وبعد كلمة زعيم التنظيم بقليل، نفّذ داعش ثلاث عمليات متفرقة في سوريا، أسفرت الأولى عن السيطرة على أربع قرى سورية بدير الزور، التي قطع الطريق إليها أول أمس، وأسر جنديين روسيين، وقتل 65 جنديًا من القوات السورية والمليشيات الأجنبية المقاتلة في صفها، والعملية الأخرى أسفرت عن مقتل أكثر من 15 جنديًا نظاميًا، وأخرى كانت أكثر قوة أسفرت عن مقتل أكثر من 100 جندي سوري، وذلك وفقًا لبيان ميداني له.

على أمل العودة.. تهديد لأمريكا وأوروبا وروسيا

برغم خروج التنظيم من مواقع عدة كانت تحت ولايته، حاول البغدادي، خلال التسجيل، أن يبدو قابضًا على أمل العودة، قائلًا: "إننا، بحول الله وقوته، باقون، ثابتون، صابرون، ولن تثنينا كثرة القتل والأسر وألم الجراح".

بعد تسجيل البغدادي، نشر داعش بيانًا ميدانيًا قال فيه إنه نفذ ثلاث عمليات عسكرية أسفرت عن مقتل عشرات من الجنود الروس والسوريين

ورغم أنه يبدو سرابًا، إلا أنه اعتبر أن "مؤشرات النصر العظيم والفتح الكبير بادية ظاهرة، ولا أدل من ذلك من اجتماع أمم الكفر وعلى رأسهم أمريكا وروسيا وإيران وغيرهم على أرض الملاحم".

اقرأ/ي أيضًا: داعش من "الدولة" إلى العصابة.. انحسارٌ مركزي وتمدد شبكي

ودعا البغدادي من أسماهم بـ"جنود الخلافة" بقوله: "أوقدوا لهيب الحرب على عدوكم. تمنطقوا الحزم وشدوا العزائم، ويا جنود الدولة في الشام اصبروا على عدوكم فجموع النصيرة إلى زوال، وكثفوا الضربات ضد دول الكفر، واستهدفوا المنابر الإعلامية".

ويبدو أن الإعلام جرحه بما ينشره عن تنظيمه، فجعله "مرمى للإرهابيين" بدعوته: "اجعلوا مراكز إعلام دور الكفر في مرمى أهدافكم ودور حربهم الفكرية ضمن الأهداف".

وعن هزائمه السابقة، لم يجد البغدادي بدًا من أن يقول: "لن تثنينا كثرة القتل والأسر وألم الجراح، فنحن باقون، صابرون"، داعيًا إلى شن "هجمات جهادية" حول العالم.

وفي ترجمةٍ أولى للخطوات التي أعلن عنها عبر التسجيل، أطلق تنظيم داعش، أمس، النفير لما أسماه بـ"غزوة أبي محمد العدناني" لتنفيذ عمليات إرهابية كبرى بجميع دول العالم. وبدأت آلات إعلامية داعمة للتنظيم في الترويج والتحذير بلغات أجنبية وتوجيه رسائل إلى "الذئاب المنفردة" في أمريكا وروسيا بسرعة التحرك وتنفيذ عمليات الدهس والطعن والذبح، واصفين من يستهدفونهم بـ"الصليبيين والكفار".

وبذلك النفير، ينفذ التنظيم وهم البغدادي، الذي أعلنه بتسجيله، بأن "مؤشرات الفتح الكبير والنصر العظيم بادية ظاهرة"، أو أنها محاولة أخيرة يائسة للقول: "لا زلنا هنا".

ضد انفصال كردستان.. وضد تركيا أيضًا

في التسجيل الذي بلغت مدته 46 دقيقة، أفصح البغدادي عن رفضه استفتاء كردستان، الذي جرى الإثنين الماضي، محذرًا من أن عواقبه ستكون وخيمة. كما دعا أتباعه إلى "عدم إلقاء السلاح. أوقدوا الحرب على عدوكم والتحفوا الصبر"، معبّرًا عن جانب من رؤية التنظيم السياسية للفترة المقبلة، واستراتيجيته في التعامل معها، فهو لن يكون مع الانفصال، فهو لا يزال على أمل أن يعود إلى العراق ليجده كتلة واحدة ليأخذه كله.

وحول تطلعات الكرد بإعلان استقلال إقليمهم عن العراق، قال: "تعيش الحكومة التركية مخاوف عديدة من تمدد الكرد على حدودها ما يدفعها إلى قتالهم حتى لا يطمع كرد تركيا في الاستقلال أيضًا ولكنها لا تقدم على محاربتهم خشية من غضب أسيادها في أمريكا وأورويا"، واصفًا تركيا بالدولة "المرتدة الإخوانية"!

ماذا بعد تسريبات البغدادي؟

لأبي بكر البغدادي تسجيلين سابقين منسوبين إليه، في الأول في 2014 وعد بالتمدد إلى مصر، وبالفعل بعدها بايع تنظيم أنصار بيت المقدس، داعش، وأصبح يُسمى بتنظيم ولاية سيناء. بينما في الثاني دعا البغدادي أهل الموصل إلى الاستسلام والتسليم به ولصحبه ممن أسماهم "مجاهدين". وبالفعل، سيطر عليها بالكامل حتى أصبحت معقله الرئيسي في العراق. 

والآن، يهدّد أمريكا وروسيا وأوروبا بالدمار على أيدي الذئاب المنفردة، المجموعات التي بقيت له لإثارة الرعب في العالم، فلم تعد قوته التنظيمية كافية لتخويف أحد بعدما فقد جانبًا منها في سوريا والعراق.

بعد هزائمه المستمرة، تحول داعش من "الدولة" للعصابة وانحسر نفوذه مركزيًا لكن لا يزال "ممتدًا" شبكيًا بالعمليات الإرهابية حول العالم

تعرف الولايات المتحدة ذلك جيدًا، وتحسب لما يقوله البغدادي حسابًا، ولذلك بدأت تجري تحقيقات حول التسجيل، وموقع انطلاقه وبثه، ولم تنف صحته أو صحة دلالاته بأن البغدادي لا يزال على قيْد الحياة، وإن كانت لم تُؤكدها أيضًا، فتلك الرؤية يدعمها تأكيد مسؤول عسكري أمريكي كبير، أول الشهر الجاري، بأن زعيم تنظيم الدولة الإسلامية لا يزال حيًا على الأرجح، وأنه مختبئ في مكان ما في وادي الفرات في الشرق السوري.

وعلى كل حال، فإن الأيام القادمة ستؤكد ما إذا كان البغدادي عند تهديده أم لا، في ظل الهزائم المستمرة لتنظيمه الذي تحوّل على إثرها من "الدولة" إلى العصابة، بعد أن انحسر مركزيًا، لكن استمرار عمليات ذئابه المنفردة في أرجاء العالم، تقول إنه لا يزال "ممتدًا" شبكيًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لماذا لن ينتهي "داعش" بعد الموصل؟

الدليل المختصر لفهم إستراتيجية داعش الإعلامية