17-مايو-2020

تصميم مصطفى ديب - ألترا صوت

اشترعت الشرعة التوراتية بتناسلاتها كاملة مستندة على ما سبقها من محاولات تأطير "قانونية"، حمورابي وشيشرون وغيرهما، أي ضمن القاعدة الإبراهيمية المتبلورة بذات الإسناد والمستمرة بالقول إن البادئ أظلم، ومنها العين بالعين والسن بالسن... حتى في شكلها القرآني وما تلاه من قراءات وتأويلات.

تبقى ضرورة تتبع منبع مولد العنف والقهر، كما ضرورة كشف النقاب عن ماكينات عنف السلطة المادي والرمزي على تنوع شكل أو تعريف السلطة وتقديمها، من بين أولويات المهمة المناضلة ضد العنف والقهر بما هي ادوات سلطوية

لكن أشكال التأطير القانوني وما تحمله دومًا من جدالات اتخذت أشكالًا أكثر سفورًا في جانب وأعمق سفرية مكتبية في جانب رديف في أعقاب ما حملته جملة من الثورات والحوادث والقفزات الاجتماعية التاريخية أقله منذ ترسيخ التقابلية المؤسسة لنمط الإنتاج الرأسمالي فائض قيمة-عمل مأجور. التي نبتت بدورها ضمن حوض المتوسط في تجاذبات بيزنطة، الإمبراطورية الرومانية الشرقية، والإمبراطورية العربية الإسلامية بنسختيها الأموية والعباسية قبل أن تكون بكثير ضمن التأصيل الخاص بالمركزية الأوروبية البيضاء الاستعمارية وإمبرياليتها التي ما زالت ترى في غزوة 1492 للأمريكيتين بداية ممكنة التدوين لرأسماليتها هي.

اقرأ/ي أيضًا: غير المتغير في مسخة القرن

كما طرأت  تعقيدات أكثر تعقيدًا على ساحة الاشتراع والتشريع، ليس فقط ما بعد الوحدة الإيطالية والاستقلال الأمريكي وتدوين النص السياسي الباهر في عصره، أي الدستور الأمريكي، وكومونة باريس على أهميتها جميعًا في مصاف الأحداث المؤسسة لثورات اجتماعية كبرى في الفهم والممارسة، بل في عالم "النيوديل". إذ طرأ في عالم سكوت مدافع ومحارق الحرب العالمية الثانية إفراز مؤسساتي حاضر في مجمل تفاصيل سكان الكوكب حتى اليوم، يتعلق في جانب منه بمنظمة الأمم المتحدة ومنظماتها التي كثر التحقير والتقزيم والاستعداء رفقة تجفيف منابع التمويل لها في عصر تلامذة ستيف بانون. أما في الجانب المكمل/المقابل فتحضر بريتون وود بكامل العتاد والأعمدة الفاعلة، بنك التنمية الدولي وصندوق النقد الدولي بما هما جسما ابتزاز للشعوب وتحرش بتقرير مصير الأمم ونهب لمستحقاتها. هذا دونًا عن دورهما غير الديمقراطي في تقديم نسخ على أخرى من الديمقراطية. ما يمنح سؤال مستقبل الديمقراطية في ظل الرأسمالية، دونًا عن حاضرهما، المزيد من الشرعية والإلحاح.

من بين ما يسري اليوم تداوله والتداول كما السجال بشأنه، خاصة في مناطق الحروب والأراض المستعمرة، يحضر القانون الدولي على اتساعه، القانون الدولي الإنساني والشرعة الدولية لحقوق الإنسان من ضمنه. كما يمكن الذهاب نحو نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي أيضًا، الذي استدعى بدوره، بل بدور التنطح له و"التنطط" عليه من قبل رأس دبلوماسية إدارة دونالد ترامب للولايات المتحدة الأمريكية، مايك بومبيو ضمن مجهودات دعاية ما اصطلح عليه "صفقة القرن"، بعض المقاربة غير الجديدة ولكن الأولية وذات الأولوية بشأن الأولويات. أولويات حياة الأمم والشعوب لا أصنام التنظيمات، سواء تلك التي للدولة أو للسلطة بمعانيهما المجردة وسياقاتهما العملية على تبايناتها أو حتى للمدونات والمنظمات والمنتظمات الدولية حقوقية وغير حقوقية. علمًا أن من كتب خطبة/بيان بومبيو لو أمعن قراءة ديباجة نظام روما الأساسي بنسخة 1998، لعلم أن الرد على مجهوداته حاضر منذ 22 سنة خلت. لكن ما العمل إن كانت متابعات الجنائية الدولية لتجريم إسرائيل ومحاسبتها على بعض من جرائمها، ناهيك عن أن إسرائيل نفسها ليست إلا جريمة، أحبطت مرارًا بيد جهاز السلطة الفلسطينية؟!

بالتزام معطى منطق الفطرة السليمة يفترض الرجوع إلى المسببات دومًا لا الأعراض والظواهر، إنما شروطها المؤسسة بما هي حوامل للظاهرة ومفرزاتها كاملة. هنا تحضر "البادئ أظلم" مجددًا ودومًا، بذات الفطرة السليمة التي ساقت خلاصات المناضل فرانتز فانون لقول ما قاله بكامل انحيازاته الموضوعية وأفعاله المناضلة. خاصة بشأن مسؤولية الاستعمار الدائمة عن كل ردات الفعل التقويضية بكامل أشكالها وأدواتها ضد سلطته. إضافة إلى نفي فائدة وضرورة كما معقولية أن يتم توخي الشرعية والقبول على أبواب الاستعمار ومؤسساته إلا في باب فرضهما بالقبضات المضمومة واللكمات السديدة.

هنا تبقى ضرورة تتبع منبع مولد العنف والقهر، كما ضرورة كشف النقاب عن ماكينات عنف السلطة المادي والرمزي على تنوع شكل أو تعريف السلطة وتقديمها من بين أولويات المهمة المناضلة ضد العنف والقهر بما هي ادوات سلطوية. حتى لو كان تضاد العنف بالعنف حاضرًا في باب الضرورة. فإن فرقًا لا يجب أن يذكر، البادئ أظلم مجددًا ودائمًا، تمامًا بذات وزن خلو وضرورة إخلاء مسؤولية المقهور/المضطهد في كرامته ومعاشه من تيه البحث عن مخارج وحلول، كون مسؤوليته غير الفردية، أي المضطهد، تبقى في مفاقمة الضغط على السلطة لا خلق تواطؤ أو تساوق متسق مع ما يمكن أن يكون قانونًا في وقت من الأوقات دون غيرها بذات وزن مسؤولية إرهاب إرهابها، تفكيكًا وتقويضًا. لكن ما سبق بضرورته لا يتوفر له شرعية نفي أمرين، أولهما أن العنف الاضطراري ليس أكثر من أداة تحضر إن لزمت في باب العنف المضاد، أي أقل بكثير من أيدولوجية أو نمط عيش وهوية، اما ثانيهما فمن بين واجبات المقهورين أن يلعبوا لعبتهم سويًا على جبهة واحدة موحدة، ليس أداتيًا فقط، بل بالمجمل، بما في ذلك رؤية ما بعد حشر سلطة القهر وإفلاس حلولها. هنا يكون من المفيد دومًا محاولة استقاء ترجمات الكتلة التاريخية بالفهم الغرامشي قدر الإمكان.

في باب الصدف العيانية المفيدة وأرض الممارسة النضالية، الحزينة والموجعة من باب الموضوع وحزنه أو ما يترتب عليه وبشأنه من وجع متصل بالعام. تتم العودة إلى انتفاء شرعية نفي العنف الاضطراري المضاد، وتعقيداته أيضًا، كما مسألة الكتلة التاريخية تاليًا. أولًا في قول المناضل الراحل سلامة كيلة، قبل قلب ثورة الشعب السوري إلى حرب وكالات ووكلاء عندما بدأ بثر السلاح والذخيرة فوق رؤوس الناس، أن "مثل هذا النظام لن يقبل بأن لا تصل الأحوال إلى حمام دم"، والأنكى أن ضرورة مواجهة النار بنار مضادة، حقنًا للدماء، "لا تتوفر لانتفاضة الشعب وما يمكن أن يعول عليه من إفراز ديمقراطي شعبي، إنما وللأسف لمن لا تقل خطورتهم عن المجموعة الحاكمة" في الحالة السورية. أما ثانيًا، بشان ضرورة وحدة جبهة المقهورين  وضرورة أن تكون مناضلة بذاتها ولذاتها معًا، فبعد أيام من محاولة التأشير على ضرورة مثل هذه الجبهة عبر مثال الإفادة من نسخة الحل الأفريقي المضادة والتقويضية للحل الأفريقي بنسخته الاستعمارية في أرض فلسطين،  خلال مقال: معضلة "الحل الأفريقي" في فلسطين، ضمن الاقتناع بضرورة الكتلة التاريخية والجبهة الموحدة العريضة، عملًا وغاية في حالة فلسطين وغيرها، خرجت أخيرًا رسالة المناضل باسل غطاس من السجن:  لماذا نجح النضال بجنوب أفريقيا ولم ينجح في فلسطين... مقاربة من داخل السجن،  لتغلق الكثير من دوائر النقاش بشأن الحل الأفريقي، بل والجبهة النضالية الموحدة وضرورتها المتفاقمة فلسطينيًا وغير فلسطينيًا، وتبقي باب تفاؤل الإرادة دائم الحضور خاصة في كوكب من يتقن وضع القوانين كي يحتال عليها، بهذا يحضر واجب خرق توظيفه الموسمي لها وبوضوح لا يعوزه التعويل على الذات.

 

اقرا/ي أيضًا:

موجات تقديس الأدوات.. هنا تتوه الثورات

عجلة "فورد ترانزيت" المستمرة.. هنا فلسطين