31-أغسطس-2015

علي عيسى/ العراق

هل جربت أن تبني بيتًا من المكعبات في الظلام؟
تمدّ يدك، تتحس شكل المكعّب، تمرر إصبعك لتعدّ الفراغات
أربعة، ستة، ثمانية... وتبني!
لايهمك لون المكعّب، كنت تتمناه بجدرانٍ خضراء وسقف أحمر ونوافذ صفراء..
نعم، ومدخنة زرقاء!
لكنّك تتخلى عن ترف التناسق وترضى بفراغات اسمها: "ربّما في وقت لاحق"
هل جرّبت أن تفقد صبرك، تحبس أنفاسك وأنت تضع مكعبًا لتمسك السقف؟ 
ينهارُ، تتنهّد، تبكي، تفقد صبرك، تحاول مرة ثانية، هكذا إلى أن تنتهي..
تنتهي من بناء البيت، هل تراه؟
يشبه ثوب الفتاة اليتيمة في الحكاية، أليس كذلك؟
هل ستنام في فراشك؟
هل سيكفيك حساء المكعبات؟
هل سينتظرك الصيف القادم أبو الفقراء؟
وفي الظلام تتكاثر المكعبات..
حتى الوقت يصير مكعبًا أحمرَ
والحبيبة مكعبًا أصفرَ!

وفي الظلام بردٌ لايصبر عليك
لايحتمل خوفك من الانهيار
دفء
دفء 
دفء 
تهذي...
مدخنة زرقاء!
***

نحن البيت سنهاجر
سنحمل جدراننا، نوافذنا الموصدة، مفاتيح أبوابنا، أثاثنا المهترئ، غبار الزوايا المهملة، أصص الزهور، أكياس المؤونة، تفاصيلنا الصغيرة، ملح أحاديثنا في الظهيرة، زقزقة العصافير على حبل الغسيل، شجاراتنا المضحكة..

نحن البيت سنهاجر!
وعندما نصل إلى أرضٍ بعيدة
سنرتّبنا جيّدًا
سنتفقدّنا
ما لحق بنا من أضرار طفيفة...
سنستدعي عاملًا 
وسنبتسم في وجهه وهو يغيّر أقفالنا!
***

أريدُ وطنًا بلا أسوار عالية..
أتسلق رعبه بخفة قطّ 
أتعثر
أسقط
أنهض ملوّحا بذيلي!
أضيع في الزحام
في شارع من هذا العالم..
هناك حيث الرقص افتراض تقترحه الموسيقى والملل..
هناك حيث الوقوع في الحب ممكن أكثر من مرة،
دون أن تشقيك الذاكرة!
أريد وطنًا أنساه
لا أتذكره
لا يعنيه فراري..
لا يرسل القطط السوداء ورائي
وطنًا يغيب في البعيد؛
عرجًا في قدمي اليسرى
و شتيمة عابرة!
***

كان عليّ أن أقف طويلًا في طوابير السفارات
أن أقدم طلبًا للهجرة وأملأ الاستمارة ذاتها في كل مرة
أن أقف أمام خرائط بلاد تؤمن بالرقص والتسكع والحياة
أبحث عن وطن بديل، أعني مكاًنا بديًلا يقبل أحلامي كماهي دون أن يتدخل المخرج بزاوية الرؤية، ودون أن يقلب سريرنا إلى مقهى بحري واشتباك جسدينا إلى ابتسامة مباشرة!
مكانًا بلا رقيب يصادر أحلامي
يمزق المشاهد الممنوعة، كأن أجلس خلفك ألم شعرك بيدي، أتمتم في سواده تعاويذ ملوّنة، أجدله كما يردد جنديّ مهزوم نشيد بلاده الوطني..

كان عليّ أن أبحث عن طريقة غير شرعية لحياة مشروعة
وكنت سأمزق جواز سفري بامتنان شديد لأيّ موظفٍ سيسألني:
- لماذا؟
سأفعل ما يجب على أيّ مواطن في هذا الوطن العريض أن يفعله،
أن يخلي مقعده لطاغية صغير، أو رجل أمن، أوكلب حراسة.. ويهاجر
كان علي أن أقف طويلًا في الطابور، لكنني مثل كل الواقفين معي، أجعل ظلي مقعدًا لذاكرتي..
وأدخل مهزومًا في سؤال الموظف:
- لماذا؟
أردد نشيدنا الوطني!