11-سبتمبر-2016

تظاهرة فاشية في روما (Getty)

يسود المجتمع الأوروبي حالةً من الضّياع، والتّخبّط بين القيم الإنسانية التّقليدية، وبين الرّضوخ للمخاوف التي ولّدها الخطاب السّياسي الشّعبوي، حتّى بات لباس البحر عاملًا حسّاسًّا يُخفي خلفه مخاوفًا من لجم الحرّيات وفرض لباسٍ معيّن على شريحةٍ واسعةٍ من المجتمعات الأوروبية، والفرنسية خاصًّة، ألمانيا ليست بمنأى عن الخوف الأوروبي المستجد، فحزب البديل اليميني، وجّه صفعًة قويًة للمستشارة أنجيلا ميركل.

الخوف من اللاجئين والإسلاموفوبيا انتصر على القيم الإنسانية في أوروبا للآن. نجح اليمين المتطرف في الصّعود والفوز بالإنتخابات المحلية. مع أن التّركيز على معاناة الغرب من الإرهاب حصرًا، وتجاهل ما يعايشه العالم العربي منذ العام 2003، شبيه بالسّؤال عن أسبقية البيضة على الدّجاجة أو العكس، السّياسة الأمريكية والغربية تدعم بعض الديكتاتوريين الذين يقمعون الشّعوب ويتسببون بنشأة مجموعات متطرّفة، كدعم الجهاديين في السبعينيات في أفغانستان وغزو العراق، واليوم، نجاح اليمين السّاحق في أوروبا وأمريكا – ترامب، قد يساهم في انسحابهم من الشّرق، مع ازدياد الخوف من تمادي حالات الكراهية، التي ستؤثّر على المسلمين بشكلٍ عام في الغرب، وتدفعهم للعودة إلى بلدانهم، علمًا بأن بعضهم ولد ونشأ في الغرب، ولا يصلهم بالشّرق أي رابط سوى جذورهم العرقية ربما.

نجح اليمين الأوروبي بحصد نتائج جيّدة في الانتخابات المحلية بينما يفشل عادًة في الانتخابات العامة، ما يترك أملاً للأقليات، وللمسلمين خاصّة، بالنّجاة من حفلة الجنون التي تعصف بأوروبا

اقرأ/ي أيضًا: #بداية_تصفية_الثورة_السورية

جمهور الخطاب الشّعبوي وخطاب الكراهية كبير، هذا الجمهور يخاف اللاجئين والدّمج والاندماج الأوروبي. تحاول الأحزاب الجديدة اللعب على هذا الوتر، فتخاطب مخاوف هذا الجمهور من المسلمين والأوروبيين الشّرقيين على حدٍّ سواء، لتجرّهم إلى دعهما والتّصويت لها في الانتخابات القادمة، وتُلام الطّبقات السّياسية الأوروبية الحالية على عدم تحديد المسافة بين الأحزاب اليمينية التّقليدية، واليمين الحقيقي، هو ما يسهم في إفشال الأحزاب المعتدلة، ما سهّل هزيمة ميركل في الانتخابات المحلية الأخيرة. عكس بريطانيا، التي نجح فيها المحافظون باعتماد خطابٍ يحاكي هواجس الشّعب ومخاوفه، والتّخفيف قدر الإمكان من الإسلاموفوبيا وخطاب الكراهية، فاليوم، هناك مجنّدات وموظفاتٍ حكوميات محجّبات، ولا تفرقة في المجتمع البريطاني.

استهداف المسلمين ليس جديدًا في أوروبا من قبل الشّعبويين، وهناك شريحة مهمّة في أوروبا، في فرنسا وألمانيا خاصّة من المسلمين، شكّل الهجوم عليهم في الماضي شمّاعةً للهروب من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، بتعميم خطاب الكراهية الغرائزي، خاصة في فترة الفاشية والنّازية، وهذا ما يتكرّر اليوم، لكن لا يعي أصحاب الخطاب الغرائزي خطورة خطابهم، كونه سينسحب على المجتمع كلّه، ولو أن هناك أخطاء تحدث في صفوف اللاجئين، بحكم الاختلاف المجتمعي في الثّقافات بين بلدانهم والبلدان الأوروبية، لكن هذا لا يعني وسمهم بالإرهاب والتّحريض عليهم.

خطاب الكراهية والتّحريض في بعض الأحيان يكون من الطّرفين، المسلمين والمتطرفين، المسلم يتهم اليميني بالتّحريض والقتل، واليميني يتهم المسلم بالتّخلف والجهل والإرهاب، والخطابان المتوازيان يشكّلان أرضًا خصبة للتصادم، يساهم في دعم اليمين ونجاحه في الانتخابات على حساب المعتدلين واليسار، في ظلّ ضعف الخطاب الليبرالي، ولو أن الانتخابات العامة تختلف من حيث التّوجهات السّياسية عن الانتخابات المحلّية، اليمين ينجح بحصد نتائج جيّدة في الانتخابات المحلية بينما يفشل عادًة في الانتخابات العامة، ما يترك أملاً للأقليات، وللمسلمين خاصًّة، بالنّجاة من حفلة الجنون التي تعصف بأوروبا، وتضعضع قيمها الدّيمقراطية.

اقرأ/ي أيضًا: 

فضيحة "بي بي سي"

عملية إماتة القلب.. تمت بنجاح