01-يوليو-2016

حفل للأوركسترا خلال الجولة الأوروبية (فيسبوك)

الأوركسترا السورية تعزف في بريطانيا في واحد من أهم المهرجانات الموسيقية في أوروبا، "مهرجان غلاستنبري 2016"، الذي يقدم ألوان الغناء والموسيقى من كل أنحاء العالم. هو حدث مفرح حتمًا أن نجد أغانينا تصدح في سماء أوروبا.

اختار مهرجان غلاستنبري البريطاني موسيقيين سوريين مؤيدين للنظام في حفل افتتاحه

مهرجان هذه السنة اختار أن يخصص حفل افتتاحه للتنويه "بأزمة السوريين عبر دعوة العشرات من أعضاء الأوركسترا الوطنية السورية لافتتاح مهرجان غلاستنبري 2016". كما قال موقع "هيئة الإذاعة البريطانية BBC". حاولت بعض وسائل الإعلام أن تصور "الأوركسترا السورية" كحالة سورية مشرقة، شارك فيها "معارضون لنظام الأسد"، و"مؤيدون له"، جمعتهم الموسيقى بعيدًا عن قذارة عالم السياسية لتقديم الفن السوري العظيم إلى الجمهور الأوروبي، لكن واقع الأمر لم يكن كذلك، فقد تم تزييف الحقيقة إعلاميًا كالعادة بصورة سخيفة وقميئة، وغير مستغرب أن يكون لـ" بي بي سي" حضور طاغ في حفل التماهي مع نظام الأسد.

اقرأ/ي أيضًا: 4 من أهم المسلسلات السورية في الموسم الماضي

بعيدًا عن المستوى الفني الذي ظهرت به الفرقة التي قامت بجولة أوروبية بالإضافة إلى حفل بريطانيا، كانت قذارة "الطبخة الداخلية" التي أنجزها القائمون عليها في اختيار أعضاء الفرقة مزكمة للأنوف، إذ ظهرت هذه الأوركسترا بلون واحد لون يغلب عليه العلاقات والمحسوبيات السائدة، لا في سوريا البلد متعدد القوميات والديانات والآراء والمواقف السياسية، بل في "سوريا الأسد" البلد التي تُختزل سوريا بكل تنوعها في شخص واحد وهو بشار الأسد. كان على القائمين عليها قبل أي شيء أن يطلقوا عليها احترامًا لآلام السوريين "أوركسترا سوريا الأسد"، وليس "الأوركسترا السورية".

عشرات الفنانين اختيروا من سوريا للقدوم إلى أوروبا وتمثيل الفن السوري، على أساس العلاقات العائلية والشخصية والمخابراتية. ورغم احترافية بعضهم إلا أن محترفين آخرين تم إبعادهم عنها من داخل سوريا ومن خارجها في دول اللجوء، ومن ناحية أخرى يحق لنا أن نتساءل عن مرامي المنظمين الأوروبيين ومدى صدقهم في تعريف جمهورهم بالموسيقى والفن السوري، فلو أرادوا حقيقة أن تكون "الأوكسترا" ممثلة لكل السوريين على اختلاف أطيافهم لكانوا أصروا على تمثيلها من سوريا ومن دول اللجوء التي هرب إليها الكثير من الفنانيين المحترفين السوريين، والذين يعاني أغلبهم اليوم من حالة تجاهل مواهبهم في أوروبا لصالح إدماجهم في المجتمع الأوروبي بما يناسب سوق عمله لا بما يناسب إمكانيات اللاجئين السوريين ومواهبهم وإبداعهم، ولكانوا أرادوا لها أن تكون ممثلة لكل السوريين على مسرح المهرجان وعلى صفحات الجرائد.

جميل إظهار الأوركسترا على أنها حالة مشرقة، ولكن ماذا نفسر تغّيب موسيقيين محسوبين على المعارضة لصالح موسيقيين "شبيحة" لنظام الأسد، ومواقفهم علنية وصريحة في دعم الدكتاتور، في تصريحاتهم وصفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي؟

كيف يمكن أن يفسر الأتراك منح 35 فيزا لموسيقيين محسوبين في معظمهم على نظام الأسد؟

خرج عشرات الموسيقيين الداعمين لنظام الأسد من قلب سوريا بفيزا نظامية، أعطاها لهم الأوربيون في وقت يقيم فيه مئات الفنانين في دول الجوار السورية ينتظرون فرصتهم للوصول إلى أرض الجنة الأوروبية الموعودة، فنانين وموسيقيين يعانون الانكسار النفسي والمادي المدمر لأي إنسان، فما بالنا بمبدعين في مجال الفن والموسيقى؟

اقرأ/ي أيضًا: ميريل ستريب: أنا لست دومًا سعيدة

المشكلة ليست في اختيار أعضاء الأوركسترا من الموسيقيين لتمثيل الفن السوري، فهي حالة مستعصية أن تتغير في ظل نظام سياسي كنظام الأسد القائم حكمه أساسًا على العقلية المخابراتية والولاءات والمحسوبيات العفنة، المشكلة أن دول أوروبا تعمل على تكريس هذه الحالة بوقاحة منقطعة النظير في طريقة تعاملها مع الحالة السورية.

من هولندا إلى لندن وتركيا، نهاية بألمانيا وغيرها، تنقل هؤلاء الموسيقيون، بينما ما يزال كثير من الموسيقين والفنانين السوريين الذين فروا من بطش النظام ومعتقلاته وخسروا الكثير بانتظار فرصة هنا أو هناك، ليرووا حكاياتهم بالموسيقى، وآخرين هناك عالقون في بلاد المشرق بلا إقامات بعد أن أغلقت سفارات الدول ذاتها أبوابها في وجههم.

 كيف يمكن أن يفسر الأتراك منح 35 فيزا لموسيقيين محسوبين في معظمهم على نظام الأسد، في ذات اليوم الذي قتل فيه حرس الحدود عائلة سورية على حدوده فرّت من براميل نظام الأسد نفسه؟

كيف يمكن تفسير تجاهل الأوربيين لمئات الموسيقيين في دول اللجوء، حيث يعاني معظمهم من سياسات إدماجهم قسرًا في بلاد الحرية والديمقراطية، دون احترام لإبداعهم، لا بل أقصى ما يعرض عليهم أعمال مهينة لإمكانياتهم من العمل في المخازن أو التنظيف أو غيرها، في حين أنهم يخبؤون في روحهم تراثهم الفني السوري الغني والفريد.

في الفترة ذاتها التي منح بها الأوربيون التأشيرات لقدوم عشرات الفنانين السوريين من سوريا الأسد، قرر فنان سوري اسمه حسن رابح، وهو لاجئ في لبنان، أن يمارس رقصته الأخيرة مع الهواء منتحرًا، هو الفنان الراقص الذي روض جسده ليتشبث في الأرض كي يبقى ملتصقًا بها، قرر أن يكون الهواء أرضه الأثيرية التي ستقوده إلى عالم آخر، عالم لا يحكمه المتوحشون وأصحاب المصالح.

قرر حسن رابح أن يخسر العالم كله ويربح نفسه فكان له من اسمه نصيب، فهل يُراد للمبدعين السوريين الذين نجوا من الرصاص والبراميل المتفجرة أن يواجهوا مصير حسن، كي يربحوا أنفسهم ويتخلصوا من معاناتهم وتفنن العالم بإذلالهم؟

اقرأ/ي أيضًا:

الدراما السورية منشغلة بالتطرف

النظام السوريّ يحوّل "أبو عصام" إلى فيمينيست