19-يوليو-2019

تواجه أورسولا فون دير لين تحديات كبيرة (Getty)

إعداد مها عمر وسفيان البالي

"ثقتكم بي هي ثقة تضعونها في أوروبا هي ثقة بأوروبا الموحدة القوية من الشرق إلى الغرب، ومن الجنوب إلى الشمال، إنها مسؤولية كبيرة ويبدأ عملي من أجلها الآن". خطاب قوي بدت فيه أورسولا فون دير لاين، ذات الـ60 عامًا مرتاحة وواثقة، بعد طريق غير معبد إلى رأس أعلى هيئة في الاتحاد؛ المفوضية الأوروبية.

وقوع الاختيار على أورسولا فون دير لين، وبعد مفاوضات ماراثونية، يبرز فيما يبرز رهانات الكتل البرلمانية عليها وعلى النسخة القادمة من فريقها

حليفة ميركل.. من هي؟

أورسولا فون دير لاين، كانت أول سيدة تشغل منصب وزارة الدفاع في ألمانيا عام 2013، في بروكسل كانت حليفة ميركل الأثيرة، وترددت بعض الأخبار عن أنها ستكون خليفتها. فون دير ليست غريبة تمامًا على السياسة، كان والدها إرنست ألبريشت، رئيس وزراء ولاية سكسونيا الدُنيا والمدير العام السابق للمفوضية الأوروبية، من بين مناصب أخرى.

اقرأ/ي أيضًا: بريطانيو الاتحاد الأوروبي.. احتجاج متأخر ضد البريكسيت

في سن مبكرة  ذهبت أورسولا فون دير لاين لدراسة الاقتصاد في كلية لندن للاقتصاد، ثم درست الطب في وقت لاحق وتخصصت في أمراض النساء في هانوفر.

في منتصف العقد الرابع تقريبًا دخلت أورسولا فون دير لاين الحقل السياسي عام 2005 عندما عينتها ميركل وزيرة الفدرالية لشؤون الأسرة وكبار السن والنساء والشباب. بعد أربع سنوات، تم انتخابها في البوندستاغ، أو البرلمان الاتحادي الألماني. كانت أورسولا فون دير لاين وزيرة العمل والشؤون الاجتماعية الفيدرالية حتى عام 2013، تلا ذلك فترة عملها كوزيرة للدفاع، اتهمت فيها بمنح عقود خاصة مشكوك فيها مرتبطة بالمحاباة لشركتين استشاريتين، هما ماكينزي وأكسنتشر.

مرشحة توافقية.. في ظروف معقدة

أصبحت أورسولا فون دير لاين أول امرأة يتم اختيارها من خارج كبار المسؤولين التنفيذيين في الاتحاد الأوروبي، وفازت بالكاد بموافقة من البرلمان الأوروبي بعد ترشيحها غير المتوقع كمرشحة توافقية.

 

حصلت أورسولا فون دير لاين على تأييد 383 من أعضاء البرلمان الأوروبي، أي بزيادة تسعة أصوات عن المطلوب لضمان أغلبية مطلقة ولكن دون الحد الأدنى البالغ 400 الذي كان من شأنه أن يعطيها أغلبية مستقرة للحصول على تأييد أكبر لسياساتها في البرلمان على مدى السنوات الخمس المقبلة.

تأتي أورسولا فون دير لاين خلفًا لجون كلود يونكور الذي تولى هذا المنصب منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2014 وحتى تموز/يوليو 2019. كان ظهور فون دير لين كخيار لزعماء الاتحاد الأوروبي لهذا المنصب قبل أسبوعين بمثابة مفاجأة غير مرحب بها لمجموعة الاشتراكيين والديمقراطيين، وحتى بالنسبة للبعض في حزب الشعب الأوروبي الذي يمثل يمين الوسط والذي هي عضو فيه.

تم ترشيح اسم أورسولا فون دير لاين بعد خمسين ساعة من المفاوضات الشاقة على الرغم من أنها ليست واحدة من المرشحين الأساسيين، حيث برز اسم وزيرة الدفاع السابقة باعتبارها المرشح المفضل لرئاسة المفوضية الأوروبية في قمة طوارئ للاتحاد الأوروبي التي وُصفت بالملحمية في الثاني من تموز/يوليو.

وجاء الإعلان المفاجئ بعد أسابيع من المشاحنات المكثفة بين زعماء الاتحاد الأوروبي، والتي حتى الساعات الأخيرة تركزت على ثلاثة مرشحين مختلفين تمامًا: المحافظ الألماني مانفريد ويبر، والاشتراكي الهولندي فرانس تيمرمان، والليبرالية الدنماركية مارغريت فيستجر.

فون دير لديها قائمة عمل ضخمة!

ستمثل أورسولا فون دير لاين الاتحاد الأوروبي أي 28 دولة وأكثر من نصف مليار شخص، خاصة في الأحداث الكبرى مثل اجتماعات مجموعة العشرين. ستُكلف أيضًا بمهمة تعزيز اهتمامات الكتلة في المحادثات التجارية مع الرئيس ترامب وغيره من قادة العالم، وستشرف على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهي أكثر الأحداث السياسية فوضى وإيلامًا للاتحاد الأوروبي منذ عقود مضت.

ومع تصاعد الشعبوية والتلاشي التدريجي للنظام العالمي للتجارة والديمقراطية الليبرالية، وتفاقم مشكلات الهجرة، والانقسامات الحادة داخل كتلة الاتحاد، وعدت فون دير بجدول أعمال ثقيل وضخم، حيث تعهدت بدعم الحد الأدنى للأجور في الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى خطة إعانات البطالة. وقالت أيضًا إنها ستدافع عن مزيد من المرونة في ميزانية الاتحاد الأوروبي. بالإضافة إلى ذلك، قالت أورسولا فون دير لاين إنها ستسعى إلى خفض انبعاثات الكربون في الاتحاد الأوروبي بنسبة تصل إلى 55% بحلول عام 2030 ووعدت بإصلاح سياسات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالهجرة والسياسة الخارجية، حسبما أوردت فرانس 24.

 في هذا السياق نقلت عنها نيويورك تايمز تصريحًا تقول فيه: "يتجه البعض نحو الأنظمة الاستبدادية، وبعضهم يشترون نفوذهم العالمي ويخلقون تبعيات من خلال الاستثمار في الموانئ والطرق. وآخرون يتجهون نحو السياسات الحمائية. مضيفة: "لا خيار من هذه الخيارات بالنسبة لنا.. نريد تعددية الأطراف، نريد تجارة عادلة، ندافع عن النظام القائم على القواعد لأننا نعرف أنه أفضل لنا جميعًا".

هذه التصريحات تضع أورسولا فون دير لاين في مواجهة مباشرة مع الجناحين الشرقي والجنوبي لأوروبا، الذين يرون في بروكسل قوة أجنبية تدخلية تتحدى سيادتهم، كما أن خطابها حول التجارة الحرة والتعددية يضعها في مواجهة مع جدول أعمال ترامب.

 اعترفت أورسولا فون دير لاين أيضًا أن بأن الاتحاد الأوروبي  منقسم سياسيًا، وتعهدت بأنها ستسعى جاهدة لمعالجة هذه الاختلافات، وقالت بهذا الشأن:"علينا أن نفعل ذلك بالطريقة الأوروبية". كما تعهدت أيضًا بإنشاء صندوق لدعم أنظمة الرعاية الاجتماعية الوطنية في حالة حدوث أزمة اقتصادية وضمان المرونة في فرض الضرائب والقيود المفروضة على بلدان منطقة اليورو.

أما أبرز التعليقات التي جاءت على ترشح أورسولا فون دير لاين فقد نقلته نيويورك تايمز عن جانيس إيمانوليس الخبيرة في مركز السياسة الأوروبية في بروكسل حين قالت، إن "فون دير براغماتية وسياسية ذات خبرة و لكنها لديها الكثير لتتعلمه فيما يتعلق بشؤون الاتحاد الأوروبي".

في ظل التجاذبات الداخلية للاتحاد!

لم تنته أطوار استحواذ القوى الوحدوية على هياكل الاتحاد الأوروبي، وكما كان متوقعًا، أزيح اليمين الشعبوي والمشكك في الاتحاد خارج حسابات الرئاسة. هكذا، وقبل اختيار أورسولا فون دير لين بأسبوعين، تم التوافق على النائب اليساري الإيطالي دافيد ماريا ساسولي، كستيني آخر هذه المرة لرئاسة البرلمان الأوروبي.

ساسولي الذي تربع على عرش البرلمان الأوروبي متصدرا بـ 345 صوتًا، بعد أن كان دخوله السباق الرئاسي من أساسه "مفاجأة آخر لحظة"، قرر أن يخوض غمار المنافسة من أجل "أوروبا قوية وبرلمان يلعب دورًا مهم في حل مشاكل الاتحاد"، كما صرح بعيد ترشحه، وإن كان منصبه ذاك يحتكم لمبدأ التناوب بين المعارضة والأغلبية داخل البرلمان

خالطًا أوراق الغريم الذي كان قبل ذلك أبرز مرشح لنيل المهمة، البلغاري سيرغي ستانيتشيف، جاء اختيار ساسولي كاشتراكي ديموقراطي لغرض تدعيم توازن القوى وسط المعسكر المتشبث بوحدة الاتحاد، بين تيارين طاغيين داخله هما: تحالف اليمين الوسطي والوسط اللبيرالي، وتحالف الأحزاب الخضراء التي كان اختراقها مفاجأة الانتخابات الأخيرة. بالرغم من أن الخيار البلغاري كان ليحقق توازنًا أكثر من الناحية الجغرافية، يقول محللون، أي بتمكين أوروبا الشرقية من مركز قرار ورئاسة أحد هياكل الاتحاد.

توازنات ترخي بذات الكيف ظلالها على المفوضية الأوروبية، بحيث تضع رئيستها الجديدة في محك ليس بالسهل. وقوع الاختيار على أورسولا فون دير لاين، وبعد مفاوضات ماراثونية، يبرز فيما يبرز رهانات الكتل البرلمانية عليها وعلى النسخة القادمة من فريقها. من جهة أخرى تعني الاستجابة لهذه الرهانات السياسية انحسار إشعاع كتلة اليمين المحافظ (PPE) التي تنتمي إليها الرئيسة المذكورة، طبقًا لقانون اقتسام الكعكة الأوروبية، أمام ضغط الفرقاء الآخرين.

ضغط يضعه تقرير لموقع يورو أكتيف من قبل الاشتراكيين الديموقراطيين وليبراليي تجديد أوروبا، لتعيين كل من الهولندي تيمرمان  والدنماركية فيستاجر نائبين لرئاسة المفوضية". في وقت تؤكد رسالة مفتوحة رفعها داسيان جيولوس رئيس كتلة "تجديد أوروبا" الليبرالية إلى رئيسة المفوضية، على أنه "لا مناص عن تمتيع مرشحة كتلته بنفس المنصب الممنوح للاشتراكي الديمقراطي الهولندي  تيمرمان".

اقرأ/ي أيضًا: قمة الاتحاد الأوروبي.. العديد من القضايا المطروحة "أهم" من البريكست

فيما تم الاتفاق مسبقًا على رسو منصب رئيس الدبلوماسية الأوروبية على اسم اشتراكي آخر، الإسباني جوسيب بوريل، ما يفرض التوازن الجغرافي واستمرار تواجد الاشتراكي السلوفاكي ماروس سيفكوفيتش ضمن الفريق. بالإضافة إلى دفع ماكرون، والذي كان أحد مهندسي انتصار فون دير لين،  بمفوضه كذلك لحقيبة في المفوضية العليا للاتحاد. مفوض يروج كونه من الخضر هذه المرة.

ثمة توازنات ترخي بذات الكيف ظلالها على المفوضية الأوروبية، بحيث تضع رئيستها الجديدة أورسولا فون دير لين في محك ليس بالسهل

تجد أورسولا فون دير لاين نفسها محشورة وسط زاوية؛ من جهة غير قادرة على تجاهل إصرار كل هؤلاء الفرقاء، وبالتالي تضييع البرلمان من بين يديها. ومن جهة أخرى سيجبر ذلك الوجه الأنثوي اليميني الوسطي على تطبيق سياسات يسارية. هو ثمن تدفعه الكتلة المحافظة الأوروبية مقابل لهاثها وراء رئاسة المفوضية العليا للاتحاد الأوروبي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"حتمية" انهيار الاتحاد الأوروبي.. مطالب الانفصال ليست كتالونية فقط

الربيع الأوروبي.. بداية لتفكيك القارة العجوز