02-أغسطس-2017

دلدار فلمز/ سوريا

1

قال في نفسه إنه لن يحمل اليوم كيسًا آخر، مخافة أن يشغله عمّا في الكيس المقدّس.

 

2

انتبه إلى أنّ حالةً من الطّفولة تدغدغ كيانه، منذ تنفّس الفجرُ، لكنّه لم ينتبهْ إلى مطالع دمعاتٍ جعلتْ أهدابَه تضمّ بعضها بعضًا.

 

3

تذكّر ـ وهو يلبس ثيابه ـ معظمَ المرّات التي غسلتْ له فيها أمُّه بوله أو برازَه، ثم فجأةً خلع ما لبس في سرعة من اكتشف أن ثيابه مسمّمة. ياه.. منذ متى لم يرَ نفسه عاريًا هكذا؟/ لماذا لم يكن يدرك أنه يخلع ملابسه عندما كان يستحمّ مثلًا؟

 

4

أغلق عليه باب الغرفة، حتى يُوفّرَ السترَ اللازمَ، وواجه مرآة الخزانة.

 

5

لم تسعفه ذاكرته في استحضار آخر مرّة ضحك فيها بعمقٍ مثل الآن.

ـ يا ربّك.. لقد كبرتُ!

لم يكن كلّ هذا الشَّعر فيه، وفيه لم تكنْ هذه العضلات. كم صعب على السّمين أن يتذكّر أيام النحافة! وهو لم يجدْ صعوبة في نسيان السّبب الذي جعله يخلع ثيابه بسرعةٍ، بعد أن لبسها بعناية.

 

6

"يا الزّبير يا وليدي.. لماذا لطّخت سروالك بهذا الشكل؟".

يومها لم تكن الحفاظات سارية الاستعمال في القرية، كما لم يكن لساني ساريَ الكلام حتى أشرح لها أنني رأيت أمرًا مخيفًا جعلني أتغوّط تحتي. خلعتْ عنّي سروالي، ووضعتني في قصعة الماء. لا زلت حتى الآن أتذكّر برازي بين أصابعها وهي تنقيني منه. لقد كانت العتبة الأولى لإحساسي بالخجل.

ألبستني سروالًا أسودَ، وتريكو أبيضَ، أمّا الصبّاط المطّاطي، فإنه فقدَ لونَه بفعل تعاقب الأوساخ والشّموس عليه، لذلك سأكون وفيًّا لتلك اللحظة بأن ألبس اللونين، وهكذا سأصبح جديرًا بحمل هذا الكيس. هل في الخزانة سروال أسود وتريكو أبيض؟

 

7

كانت الحافلة العجوز رابضة عند مدخل الحي، وكان السّائق الشّاب كلما أحسّ بملل الركّاب من طول الانتظار يحرّكها عجلة أو عجلتين إيهامًا لهم بالانطلاق فيعمَّ الهدوء.

ما أشبه حيلته بإصلاحات الحكومة التي التحق صاحب الكيس مؤخرًا بالعمل في إحدى وزاراتها المنتدبة!

ـ تحرّك يا سي محمّد، راح الحال.

كان أوّلَ احتجاج منطوق، وكان الكيس يرتعش في يده ترجمة لغليان مكبوت.

ـ يبدو أنّه لا أمّ لك، وإلا ما كنت لتحبسنا داخل جشعك، وخارج مصالحنا.

ـ حين تعرف أمّي، وهذا أمر قد لا يتاح لأمثالك، ستدرك أن أمّك لا ترقى حتى لأن تمسح بولها.

ـ يلعن بوّالة أمك.

 

8

السّائق يترك الحافلة غير مكبوحة، فتنحدر مثل أتان لمحت علفًا في الأسفل، وينقضّ على الزّبير الذي سخّر يمناه لحماية الكيس من أيّ أذىً، مكتفيًا بيسراه في ردّ غضب السّائق عنه.

 

9

الحافلة تنحدر نحو علف الموت

السّائق ينهالُ

الزّبير يحتالُ

الكيس يقع من يده في بهو الحافلة التي سقطت في حفرة شرهة، جعلتْ مؤخرتها تنتصب عموديًا مثل أتان تصكّ ذئبًا.

ـ أين الكيس؟

لم يكن مجرّدَ سؤالٍ عن شيء مفقود، بل كان بحثًا حارّا عن الوجود.

 

10

حين لمح بول أمّه يتسرّب من القارورة، التي كانت في الكيس، الذي كان يحمله إلى مخبر التحاليل الطبية، تخيّل الموت يجرّها من جدائلها إلى المقبرة.

 

11

 لم يستعمل رجليه في الوصول إلى القارورة، بل استعمل روحَه، لذلك فقد وصلها في رمشة عين/ حملها بقلبه: "يمّا ما تموتيش"/ وضعها بين يديه وراح يمنحها قبَلًا باكية.

 

12

في سرعة نارٍ يعبث بها طفل في حصيدة صيفٍ، دخل بيوتَ الحيِّ خبران: الحافلة انقلبت والزبير هبل، فخرجت كلُّ البيوت.

 

13

الزبير يبكي يتمَه، ويترجّى أمَّه/ القارورة ألا تموت.

 

14

تعليق جماعي: فقد عقله، هذا مصير عاصي الوالدين.

 

15

.....................ـ

...........

 

اقرأ/ي أيضًا:

في رثاء التفاصيل الصغيرة

أن تمزقكَ المدائن