27-نوفمبر-2015

أوباما خلال زيارته لقاعدة عسكرية أمريكية في العراق 2009 (Getty)

المسرحية التالية هي مسرحية سياسية كتبتها روزا بروكس في مجلة فورين بوليسي، تلخص فيها، من وجهة نظرها، تحولات السياسة العسكرية للولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي باراك أوباما

___

حروب حمقاء.. تراجيديا مسرحية من ثلاثة فصول

الفصل الأول 

GettyImages-أوباما_يستقبل_العائدين-من-العراق.jpg
أوباما يستقبل جنود الجيش الأمريكي العائدين من العراق (Getty)

المشهد الأول
(شيكاغو، أكتوبر 2002. مظاهرة رافضة للحرب. يدخل السيناتور باراك أوباما من يسار المسرح. تهتف الجموع بينما يقترب الشاب الوسيم من المنصة)

أوباما:
ما أعارضه هو حربٌ حمقاء. ما أعارضه هو حربٌ طائشة... حربٌ لا تقوم على المنطق وإنما الشغف، ليس على المبدأ وإنما السياسة.
(تصفيق)
الآن دعوني أكون واضحًا – إنني لا أعاني من هلاوس بشأن صدام حسين. إنه رجلٌ وحشي. رجلٌ عديم الرحمة. رجلٌ يذبح شعبه... لكنني أعلم أيضا أن صدام لا يشكل خطرًا محدقًا ومباشرًا على الولايات المتحدة أو على جيرانه... وأنا أعلم أن غزو العراق بدون أسبابٍ واضحة لن يؤدي إلا إلى النفخ في نيران الشرق الأوسط.
(تصفيق)

المشهد الثاني
(البيت الأبيض، بعد تسع سنوات. يبدو أوباما أكبر سنًا، لكن يبدو عليه الرضا)

أوباما:
كمرشحٍ للرئاسة، تعهدت بإيصال الحرب في العراق إلى نهايةٍ مناسبة... لذا فاليوم، أستطيع أن أعلن، كما وعدت، أن بقية جنودنا في العراق سوف يعودون بنهاية العام... سوف يعبر آخر الجنود الأمريكيين الحدود مغادرين العراق ورؤوسهم مرفوعة، فخورين بنجاحهم... هكذا ستنتهي الجهود العسكرية للولايات المتحدة في العراق.
إن مد الحرب يتراجع... سوف نبدأ في إعادة جنودنا من أفغانستان، حيث بدأنا نقلل مهام الأمن للقوات الأمنية والقيادة الأفغانية. عندما توليت منصبي، كان هناك حوالي 180,000 جندي متمركزين في البلدين. وبنهاية هذا العام سوف يتم خفض ذلك العدد إلى النصف، وأؤكد لكم أنه سوف يستمر في الانخفاض.
(تصفيق)

الفصل الثاني

GettyImages-اوباما-في-مكتبه.jpg

المشهد الأول
(المكتب البيضاوي، أوائل سبتمبر 2013. الغرفة مضاءة إضاءة خافتة، وأوباما يجلس مستندًا على مكتبه، مغلق العينين. في الخلفية، يمكن سماع جلبة) 

صوت مذيع النشرة الإخبارية:
سوريا تنهار. حصيلة القتلى في الحرب الأهلية الوحشية بالبلاد تتجاوز الآن مائة ألف شخص –
صوت مستشارة الأمن القومي سوزان رايس:
قوات الأسد أعدت رؤسًا حربية مجهزة بكيماوياتٍ قاتلة... وأطلقتها على أحياءٍ تسيطر عليها قوات المعارضة أو تحاول السيطرة عليها –
صوت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة سامانثا باور:
لقد كانت تلك جريمة وحشية على نحوٍ استثنائي – هناك خطوطٌ في ذلك العالم لا يمكن تجاوزها –
صوت نائب الرئيس جو بايدن:
لقد وضعنا خطًا أحمرًا واضحًا –
صوت السيناتور جون ماكين:
لقد سمحنا للأسد بذبح شعبه ولم نفعل شيئًا حيال ذلك.
صوت كبير موظفي البيت الأبيض دينيس ماكدونو يطغى على البقية:
سيدي الرئيس، ربما ينبغي علينا القيام بجولة.

المشهد الثاني
(البيت الأبيض، بعد برهة. يدخل الرئيس أوباما من يمين المسرح)

أوباما:
زملائي الأمريكيين ... بعد دراسةٍ متأنية، قررت أنه من المصلحة القومية للولايات المتحدة الرد على استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيماوية عبر ضربةٍ عسكريةٍ محدودة.
أنا أعرف أنه بعد الثمن الفادح للعراق وأفغانستان فإن فكرة العمل العسكري، مهما كان محدودًا، لن تكون ذات شعبية. بعد كل شيء، لقد قضيت أربع سنوات ونصف أعمل على إنهاء الحروب وليس بِدءها. جنودنا عادوا من العراق. جنودنا يعودون من أفغانستان.

سأل الكثيرون منكم، ألن يضعنا (العمل العسكري في سوريا) على منحدرٍ زلق نحو حربٍ جديدة؟ ... إجابتي بسيطة: لن أضع جنودًا على الأرض في سوريا. لن أسعى نحو عملٍ غير محدد النهاية مثل العراق وأفغانستان. لن أسعى نحو حملةٍ جويةٍ ممتدة... سوف تكون تلك ضربةً محدودة لتحقيق هدفٍ واضح.
سأل آخرون هل من المجدي القيام بشيء إذا كنا لن نطيح بالأسد. كما قال بعض الأعضاء بالكونجرس، ليس هناك فائدة للقيام بـ"طعنة إبرة" في سوريا. دعوني أجعل كل شيء واضحًا: العسكرية الأمريكية لا تقوم بطعنات إبر.
(مقاطعة. نسمع صوت وزير الخارجية جون كيري من الكواليس)
كيري:
...الروس. سوف ينقذوننا.
أوباما:
الروس؟
كيري:
لقد قلت إننا لن نضرب الأسد إذا سلم أسلحته الكيماوية خلال أسبوع. لم أعتقد أبدًا أنه سوف يفعل ذلك، لكن الروس يقولون إنهم جعلوه يوافق.
أوباما:
حسنًا، ألغ الضربات الجوية.

المشهد الثالث
(غرفة متابعة الموقف بالبيت الأبيض، سبتمبر 2014)

أوباما:
في البداية استولى التنظيم الذي يُدعى بالدولة الإسلامية على الفلوجة، ثم الموصل. هؤلاء الأشخاص من المفترض أن يكونوا أضعف من ذلك بكثير، لكنهم الآن يسيطرون على نصف العراق، والجيش العراقي الذي بنيناه لا يبدو أنه يفعل شيئًا حيال ذلك.
وزير الدفاع تشاك هاجل:
إنهم تهديدٌ محدق لكل مصالحنا ... يتجاوز أي شيء رأيناه من قبل.
أوباما:
إنهم يستولون الآن على نصف سوريا أيضًا، ويقطعون رؤوس الناس. في تلك الأثناء فإن الأسد مازال يذبح المدنيين، وجبهة النصرة تسحق المتمردين المعتدلين الذين نرغب في دعمهم، وليس لدينا استراتيجة.
علاوةً على ذلك، فقد قلت مرارًا إنني لن أضع جنودًا أمريكيين على الأرض. لا جنود أمريكيين على الأرض. صفر. 
صوتٌ غير معروف:
يمكننا أن نجرب الضربات الجوية.
أوباما:
ضد من؟
صوتٌ غير معروف:
أي منهم، أو جميعهم.
أوباما:
حسنا، هل لدى أي شخصٍ آخر خطة أفضل؟

المشهد الرابع
(المكتب البيضاوي، بعد برهة)

أوباما:
صباح الخير جميعًا. في الليلة الماضية، حسب أوامري، بدأت القوات المسلحة الأمريكية ضرباتٍ جوية ضد أهداف داعش في سوريا... كما قمنا أيضًا بضرباتٍ للإخلال بمخططاتٍ ضد الولايات المتحدة وحلفائنا من قِبل أعضاء مدربين للقاعدة يُعرفون باسم جماعة خراسان. كما تعرفون، نحن أيضًا نستخدم ضرباتٍ جوية ضد أهداف داعش في العراق.
مهمتنا واضحة: سوف نُضعف، ومن ثَم ندمر نهائيًا، داعش من خلال استراتيجية شاملة ومستدامة لمكافحة الإرهاب.
إذن فهذه هي استراتيجيتنا.
لكنني أريد أن يفهم الشعب الأمريكي كيف سيكون هذا الجهد مختلفًا عن الحروب في العراق وأفغانستان. لن يتضمن قواتٍ قتالية أمريكية تحارب على أراضٍ أجنبية. تلك الحملة لمكافحة الإرهاب سيتم خوضها من خلال جهدٍ مستمر لا هوادة فيه للقضاء على داعش أينما وُجدت. باستخدام قواتنا الجوية ودعم شركائنا على الأرض. تلك الاستراتيجية للقضاء على الإرهابيين الذين يهددونا، بينما ندعم شركاء على الخطوط الأمامية، هي التي اتبعناها بنجاح في اليمن والصومال لسنوات.
مراسل 1:
لكن سيدي الرئيس، إن اليمن تنهار! كيف يمكنك أن تقول إن هذه استراتيجية ناجحة؟ 
 مراسل 2:
سيدي الرئيس، ماذا عن الرئيس السوري بشار الأسد؟ أليس هو من يقتل النسبة الأكبر من المدنيين في سوريا؟ في العام الماضي، كنا سنقوم بقصف قواته. هل نحن نتجاهل هدفنا هنا؟ أليست الضربات ضد داعش والمتمردين المرتبطين بالقاعدة تساعد الأسد في النهاية؟
مراسل 3:
سيدي الرئيس، إن تعليقاتك استدعت إلى ذاكرتنا السؤال الشهير للجنرال ديفيد باتريوس بشأن الحرب في العراق: "أخبرني كيف ينتهي ذلك". أين ينتهي ذلك الصراع الجديد مع داعش؟
مراسل 4:
سيدي الرئيس، في كلمةٍ لك عام 2013 ذكرّت الأمريكيين بأنه "لا يمكننا استخدام القوة في كل مكان تتجذر فيه أيدلوجية متطرفة؛ وفي غياب استراتيجية تقلل منابع التطرف، فإن حربا أبدية – من خلال الطائرات بدون طيار والقوات الخاصة أو نشر جنود – سوف تكون ذاتية الهزيمة، وسوف تغير بلادنا بطرقٍ مثيرةٍ للقلق". هل مازلت تعتقد بذلك؟
المتحدث باسم الأبيض جوش إيرنست:
لن يتلقى الرئيس أي أسئلة في الوقت الحالي.

الفصل الثالث

GettyImages-اوباما-البنتاجون.jpg
أوباما في البنتاغون للاطلاع على تطورات الحرب ضد داعش (Getty) 

المكتب البيضاوي، نوفمبر 2015. الغرفة مضاءة إضاءة خافتة إلا من تلفازٍ كبير يُظهر أربع قنواتٍ معًا، وأوباما يجلس منحنيًا على مكتبه، مغلق العينين. يغلب على شعر رأسه الآن اللون الرمادي.
صوت مذيع النشرة الإخبارية 1:
هنا إن بي سي نيوز. عقب سلسلةٍ من هجمات طالبان وداعش في أفغانستان، أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أنه يخطط للإبقاء على 9,800 جندي إضافي في أفغانستان حتى عام 2017 على الأقل. ورغم أنه أكد على أن "قواتنا لن تشترك في أي عملياتٍ قتالية برية ضد طالبان"، فقد كان هناك جنودٌ أمريكيون على الأرض خلال معركة استعادة مدينة قندوز الأفغانية، حيث اشتركوا في القتال على نحوٍ فعّال.
صوت مذيع النشرة الإخبارية 2:
هنا سي إن إن. في يونيو 2014، أعطى الرئيس أوباما الضوء الأخضر لعدة مئات من الجنود الأمريكيين للعودة إلى العراق على نحوٍ محدودٍ للغاية، كي يعملوا كمستشارين للمسؤولين العسكريين العراقيين في محاولاتهم المستميتة لهزيمة داعش. كرر الرئيس وعده بأن "القوات الأمريكية لن تعود إلى القتال في العراق". لكن داعش أثبتت مرونة مدهشة، واليوم، لدى الولايات المتحدة أكثر من ثلاثة آلاف جندي في العراق. 
 صوت المتحدث باسم البنتاجون الكولونيل ستيف وارن: 
نحن في قتال. أعني، بالطبع، هذه منطقة عمليات قتالية. هناك حربٌ تجري في العراق، إذا لم تكونوا قد لاحظتم.
صوت مذيع النشرة الإخبارية 3:
في فبراير الماضي، طلب الرئيس أوباما من الكونجرس توفير تفويضٍ رسمي بالتحرك العسكري ضد داعش في سوريا وأي مكانٍ آخر. شدد الرئيس على أن الجنود الأمريكيين لن يكون لديهم مهمة قتالية في سوريا، وأعاد التأكيد على قناعته بأن حربًا لا نهاية لها لن تخدم مصالح الولايات المتحدة، وكذلك البقاء في حالة حرب أبدية. رغم ذلك، أعلن مسؤولون كبار بالبيت الأبيض اليوم أن الرئيس قد كلف ما يصل إلى خمسين جندي 
عمليات خاصة بالانتقال إلى سوريا للمساعدة في المعركة ضد داعش.

صوت المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إيرنست:
أعتقد أن الرئيس كان واضحًا تمامًا في أنه لا يوجد حلٌ عسكري للمشكلات التي تجتاح العراق وسوريا... لقد وضع الرئيس استراتيجية متعددة الجوانب لإضعاف ومن ثَم تدمير داعش، وذلك العنصر العسكري من تلك الاستراتيجية هو جزءٌ مهم من أولوية الرئيس القصوى، والتي هي أمن وسلامة الشعب الأمريكي.
في الحقيقية فإن استراتيجيتنا في سوريا لم تتغير. جوهر استراتيجيتنا العسكرية داخل سوريا هو بناء قدرات القوات المحلية... وقد اتخذ الرئيس قرارًا بتكثيف ذلك الدعم عبر توفير عددٍ صغير من قوات العمليات الخاصة الأمريكية لإمدادهم بالمشورة والمساعدة على الأرض ...

صوت وزير الدفاع آش كارتر:
هل سنرسل المزيد من الجنود إلى سوريا إذا اقتضت الحاجة؟ بالتأكيد.
إذا قلت، هل هذا يكفي؟ لا أعتقد أنه يكفي. أعتقد أننا نتطلع إلى القيام بالمزيد.
نعم، نحن مستعدون للقيام بالمزيد. بينما نجد فرص للقيام بالمزيد، سوف تجدوننا نقوم بالمزيد. ونحن نحتاج إلى القيام بالمزيد، ما يتجاوز بكثير الضربات الجوية...
(تخفت الأصوات تدريجيًا. مطلقًا تنهيدة، يغادر أوباما مكتبه. يستدير أوباما ببطء ليواجه الجمهور)
أوباما: 
(مصدرًا حشرجة)
كما تعلمون جميعًا، أنا لا أدعم فكرة حربٍ لا نهاية لها ... 
(يسدل الستار)

___

المصدر: Dumb Wars

اقرأي أيضًا: 

استراتيجية أوباما..لسنا العدو الأول للإرهاب

فحص ديني للاجئين السورين في أمريكا