29-مايو-2020

قتل جورج فلويد ليس استثناء وإنما قاعدة (تويتر)

بعد اغتيال جورج فلويد، مخنوقًا بطريقة وحشية من قبل رجل شرطة أمريكي، تضامن عدد كبير من الفلسطينيين معه، ونشروا صورًا تقارن ما حدث له مع ما حدث مع فلسطينيين وقعوا تحت بطش قوات الأمن الإسرائيلية. لم تكن تلك مجرد مقارنة عابرة، ولا مجرد أيقونة للظلم الإنساني يستلهمها آخرون لتبيان أنهم يتعرضون لنفس الدرجة من الظلم، أو أن قضيتهم تستحق الاهتمام أيضًا. لكنها مقارنة تشي بواقع وأسئلة مشتركة بين الضحايا، حيث تتشابك العنصرية مع الاستعمار الاستيطاني والاستبداد وصعود اليمين، لتطل كلها على واقع من التهميش والإقصاء واللامساواة.

تبدو صورة فلويد مخنوقًا مألوفة للفلسطينيين، في البيوت التي تهدمها الجرافات الإسرائيلية، وفي الأراضي التي تنتظر الضم، وفي ثقافة الإلغاء والإبادة الجماعية والتطهير العرقي، على الحواجز والسجون، وفي طوابير العمال

يعطي تقرير نشرته منظمة العفو الدولية قبل فترة، صورة مكثفة ومختصرة عن هذا التشابك. على سبيل المثال، فإن شرطة بالتيمور المعروفة بجرائمها ضد الأمريكيين من أصل أفريقي، والتي نشرت وزارة العدل الأمريكية تقريرًا يوثق انتهاكاتها وعنصريتها، وثقافة الانتقام داخل أوساطها، تلقت تدريبًا في مكان ليس بعيدًا بالنسبة للفلسطينيين.

اقرأ/ي أيضًا: غزة اليوم أمريكا الأمس.. فهود "الصحافة البيضاء" الجدد

هناك في إسرائيل، فوق الأرض الفلسطينية المسلوبة، تدرب رجال الشرطة الأمريكيون على "آليات التعامل مع الحشود واستخدام القوة والمراقبة"، على يد خبراء من الشرطة الإسرائيلية والجيش وأجهزة المخابرات.

سافر رجال الأمن هؤلاء كما يوضح التقرير، إلى جانب مئات آخرين من فلوريدا ونيوجيرسي وبنسلفانيا وكاليفورنيا وأريزونا وكونيتيكت ونيويورك وماساتشوستس وكارولينا الشمالية وجورجيا وكذلك شرطة العاصمة إلى إسرائيل للتدريب، كما تلقى آلاف آخرون تدريبات من مسؤولين إسرائيليين في الولايات المتحدة.

كما تشير مجموعة "صوت يهودي من أجل فلسطين" (JVP)، أنه لا بد من الإشارة إلى برامج التبادل والتدريب العسكري للشرطة الأمريكية في إسرائيل، لفهم العنف المتطرف ضد السود في دولة انبنت أصلًا على محو السكان الأصليين قبل مئات السنوات. وتشير المجموعة أن العنصرية الموجودة في بنية المجتمع الإسرائيلي، والتي يُنظر من خلالها إلى كل فلسطيني على أنه تهديد محتمل، يتم استلهامها وتقليدها من قبل رجال الأمن البيض في معاملتهم للأمريكيين السود.

وفي حين يقع الأمريكيون من أصل أفريقي في أدنى سلم الدخل مع رعاية رسمية علنية لأنماط صارخة من التمييز، يبدو أنهم أيضًا يدفعون الضرائب مضطرين كما يفعل معظم الأمريكيين، لتمويل دورات تدريبة تطور من أنماط قمعهم، تحت إشراف خبراء اكتسبوا خبراتهم، من قمع وضبط ومحو الجسد الفلسطيني.

قد يُحاكم قاتل جورج فلويد في "محاكمة نزيهة"، لكنه حكم لن يعيد الهواء إلى صدره المخنوق، ولا إلى صدور المهمشين حول العالم، ممن شعروا بالغصة نفسها. قد يُحاكم مثل أي مجرم أو قاتل متسلسل مضطرب، لكن أحدًا لن يحاكم الصورة الأعم للتمييز والاضطهاد المنظم، كما أن أحدًا لن يحاكم تراثًا طويلًا من التهميش، لا يزال رغم كل النضال ضده، ينكشف في مشهد واحد. قد يُحاكم قاتل جورج فلويد، كاستثناء غريب وشاذ ، لكن أحدًا لن يحاكم القاعدة.

ليست صورة الفلسطيني المخنوق تحت قدم جندي إسرائيلي، جنبًا إلى جنب مع صورة فلويد، منافسة على المظلومية، ولكنها وقفة جادة وواضحة ضد مقولة الاستثناء، وإشارة صريحة إلى القاعدة. إنها بمثابة، بيان سياسي بأن ما يحدث لم يحدث صدفة، ولم يكن نابيًا، ولا مختلفًا عن السياسات العنصرية الاستبدادية والاستعمارية الاستيطانية، بقدر ما كان كشفًا فجًا لها.

كما أن تدريب أجهزة القمع الأمريكية على أيدي الشرطة الإسرائيلية، ليس مصادفة، خاصة بالتزامن مع المساعي لفرض تسوية أمريكية قسرية للقضية الفلسطينية، وإنتاج جيوب فلسطينية يعيش  فيها الفلسطينيون بلا حقوق سياسية ولا سيادة ولا مواطنة، وبالحد الأدنى من الوصول إلى الرعاية والموارد، كما تبجح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صراحة قبل ساعات فقط، في مقابلة مع صحيفة "يسرائيل هيوم".

تبدو صورة فلويد مخنوقًا مألوفة للفلسطينيين، كما هي للأمريكيين من أصل أفريقي ولمئات ملايين المهمشين في مناطق مختلفة من العالم. تبدو صورته مألوفة وواضحة في البيوت التي تهدمها الجرافات الإسرائيلية، وفي الأراضي التي تنتظر الضم، وفي ثقافة الإلغاء والإبادة الجماعية والتطهير العرقي، على الحواجز والسجون، وفي طوابير العمال، وفي مسيرات العودة، وفي مستشفى تل هشومير، حيث سقط مصطفى محمود يونس أمام عيون والدته.

اقرأ/ي أيضًا: ثمار الإعدام "الشعبي" الغريبة.. تاريخ الأفارقة الأمريكيين على المقصلة البيضاء

تبدو صورة فلويد مخنوقًا مألوفة، في قلق الفلسطينيين من المستقبل، وفي خوفهم، وفي تطلعاتهم إلى مستقبل أفضل، وفي خيبة أملهم، وفي أجسادهم العارية، كما هو جسده، أمام قيم حقوق الإنسان المنحازة، والقوانين والسياسات والأنظمة، التي تصور قتلتهم كما صورت قتله، كاستثناء بريء وغريب.

قد يُحاكم قاتل فلويد مثل أي مجرم أو قاتل متسلسل مضطرب، لكن أحدًا لن يحاكم الصورة الأعم للتمييز والاضطهاد المنظم، كما أن أحدًا لن يحاكم تراثًا طويلًا من التهميش

أما ما يقوض "الاستثناء"، فأن صورة قاتله تبدو مألوفة أيضًا بالنسبة للفلسطينيين، بملامح ثابتة وواضحة، كأنها وجه أو قناع يلبسه كل جندي إسرائيلي.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

موت الفلسطيني "الغامض".. وقفة مع التضليل في الإعلام الأمريكي!