24-يونيو-2022
لوحة لـ جون دبفات/ فرنسا

لوحة لـ جون دبفات/ فرنسا

أنشُدُ قصيدَتي قُربَ طلَلٍ جاهليّ

المُضارعُ بئرٌ جافّةٌ

على حاشيتِها أنتظرُ

منذ أربعةَ عشرَ قَرنًا

دَلْوًا.

 

الغُبارُ اندَسَّ في حَدَقَةِ النصِّ

وفي بتَلاتِ الاستعارةِ

الارتعاشةُ لا تَقْوى على مَحْوِ

بصماتِ السّديمِ من الوجوه

صفْحَتي ليستْ صلصالًا

لِتَكْتُمَ النار

وليسَ لديَّ ما يَكفي

من الظّلام والعراءِ والفُجاءةِ

لأقولَ لكِ ما أُريدُ.

 

امضِ مَعْصوبَةَ العيْنَيْنِ

الجسدُ قنديلٌ في يديكِ

الشّعرُ مِمْحاةٌ

المُدنُ والأقطارُ والمجرّاتُ والثّقوبُ السوداءُ

دفاترُ مُسوّداتٍ

منكِ تَعَلّمْتُ كيف تُمْسِكُ لؤلؤةٌ

بِبَحْرِها.

 

ضَعي شمْعةً في قاعِ المحيط

ثم تنَفّسي عميقًا كالغاباتِ والسّفوحِ

وجْهُكِ هيْكلُ سفينة

انتحرَ قُبْطانُها وسط البحر

اليابسةُ حيثُ تقفين أنتِ

تقولُ ليَ الشُعَبُ المَرْجانيّةُ التي تَتَلأْلأ

بين ناهديكِ.

*

 

أرى الشررَ المتلبسَ عينيكِ

يومضُ في غيمةٍ لن تعمَّ البلادَ

ولن تُقتفى من وراء الغيوبِ

وأعلمُ أنّ الطريقَ إليكِ اجتراحُ الخطى

وامّحاءُ الأثرْ

وأنتِ أسيرةُ جيل تُقايضها أُمّةٌ

بقتلى الحروب الّتي خسرتها

وأنت الطريدةُ في العشق

أنتِ جميعُ السّبايا التي افلتتْ

من خَراج الخلافة

واعتصمتْ بالأناجيل والسّورِ المُحْكماتِ

وما غيّبوا من سماءْ

وما أغدقوا من دماءْ

أفاقوا على ذهبٍ في تُرابِ السّلالةِ

قالوا إذن ذاك ميراثُنا

قد نجَوْنا.

وتلك الجنائنُ والوعدُ

والعاهلُ المستترْ

وصاروا به يُقسمونَ ويقْتَتلون

وما تركوا غير أسيافِهم وعظامِ أسانيدِهم

في مُتون الحفرْ.

*

 

من جُدرانِ فينوسَ

بَنَتْ روما كاتدرائيّاتها

على أكتافِ جوبيتر

رفعَ الأمويّونَ المئْذنة

ومن باحات بيوتِ الشّرقِ

من أسرارِ نوافيرِ الحمراء

من رملِ شواطئ اللّازورد

من أرخبيلِ المنافي

من بساتينِ الفرات الّتي ماتتْ

في حُضنِ أبي

من أطيانِ اليَمن الدّامية اليوم

ومن أحجارِ بيوتِ العشقِ

قبل أنْ أراكِ

سأبني دارَتَكِ.

*

 

سَيصيرُ جسدُكِ غابةً

تنامُ على صدرِكِ الينابيع

تتدلّى من جدائلِكِ عرائشُ الكُروم

وتُضيءُ عيناكِ شواطئَ نائيةً

يُغطّيها الضّبابُ في الفجر

تمرّ أمام شبّاكِكِ الغيوم المتّجهةُ شرقًا

مغنّو التروبادور

الشّعراءُ الصّعاليكُ

أنبياءُ قبائل المايا المنقرضة

وقوافلُ البخّور والمسكِ والحرير.

ستكونينَ نجمة الرّاعي للمُدن المضاعةِ

المرأةَ التي لقّنتْ إنكيدو حضارةَ الأنثى

والحيّةَ الّتي سرقتْ العشبةَ

صفحتُكِ ستصيرُ الحجرَ الأبيضَ

الذي تطوفُ حولَهُ ملهماتُ النصوص العظيمة.

 

الكثبان الّتي تجري وراء الرّيح

ستتبع آثارَ خطواتكِ

ستكتشفين الإكسيرَ

الذي يُحيلُ حجارةَ الماضي بتلاتٍ

ستسألكِ العرّافاتُ والساحراتُ

في كلِّ مرّةٍ يقْصُدُهِنّ الهائمون

سيُردّدُ أغانيكِ الرّعاة والمنشدون

والمرتّلون في الكاتدرائيّات

ستقتربينَ أكثر من مرآتك وقد صارتْ

بركة نرسيس

تتلمّسينَ أظافركِ وأجفانك وشفتيك

مثل عازف على أوتار قيثاره

ستكتبينَ بالقلم الّذي يكتُبُك

وتقرأين ما لم يكْتُبْهُ فيك.

*

 

أرى نَوْرسًا يدخُلُ في غيمةٍ بيضاء

لكنَّ لُغتي

تُصِرُّ أنَّ يدي هي النورسُ

وصَفحتي الغيمة.

 

في مرايا غيابِكِ

يحلو لي أنْ أخلطَ ضَربةَ الجناح

بخَفْقةِ القلب.

 

*

 

الصباحاتُ أرديةٌ تَخْلعُين

لتَخرُجَي عاريةً كنَصْ

تكْتُبُين كمنْ يَجْلدُ اللّغةَ

لتُقِرَّ لكِ

أقرأُكِ فأتَلمّسُ أعضائي

صوتُكِ حصيرةٌ

يتمدَدُ عليها الشرقُ

تقتفين أثرَ طائرٍ

غاب في صدْرِك.

 

عاصفةٌ تحلُمُ بالعودةِ

إلى لحظةِ الهبوب

أنتِ.

*

 

أشعُرُ الآن أنني أمتلكُ أشياءَ كثيرةً كالأشجار

واللّيالي القمريّةَ وأعناقَ الفنارات، مصاطبَ

الشّوارع في المدنِ الغريبة، محطّاتِ المترو

يتركها آخرُ مسافر والشّواطئَ الباردة فجرًا

حتى صرتُ أحتفظُ بها كما كانت تفعلُ

أُمّي مع نهايةِ كلِّ فصلٍ عندما تجْمعُ الملابسَ والشّراشفَ

في مُربّعاتٍ من المخمل الشّاحبِ

وأحيانًا أحملُها معي في حقيبةِ

السّفر أطويها مع القُمصان والجوارب والكلسونات

وشنطةِ الحلاقة ومقصَّ الأظافر.

أشياءٌ كثيرةٌ أخرى أمتلكُها

كلَّ يوم أقتربُ

أكثر من المجهول.

*

 

لِيَكُنْ

تلك أشياؤنا

يَختَفي الأنبياءُ بآياتها

ويضُجُّ البشرْ

 

ليكُنْ

تلك أطيافُنا

تَسّاقَطُ اَقمارُها

في سماءِ الحجرْ

 

ليكُنْ

ليكُنْ

غيرَ أنّا اختطفنا من الغيبِ

سِرَّ الإلهِ

ونصَّ الأثرْ.

دلالات: