13-مارس-2017

الناشط والمدون المصري علاء عبد الفتاح (Getty)

"أنت تُشبه التنين"، جملة قالها صديق لصديقه وهما في جلسة حوار حول الإنسانية ومفهومها ومبادئها، بإحدى مقاهي وسط البلد بالقاهرة، فحينما سمعها انتفض قلبه فرحًا، وكادت عيناه أن تبكي فخرًا بتشبيه صديقه له، وكأن "التنين البمبي" أو علاء أحمد سيف الإسلام عبد الفتاح حمد، الشهير بعلاء عبد الفتاح، تحول من شخص يدافع عن الإنسانية إلى صفة يُنعت بها كل من يدافعون عن الإنسانية وقواعدها في مصر.

فعلاء عبد الفتاح المحاصر بأربعة أحكام قضائية بالسجن لفترات متفاوته، أحدهم حكمًا بالسجن 15عام، لخرقه قانون التظاهر الجائر، والمتهم دائمًا على لسان السلطة الحالية، والأبواق الموالية لها بالعمالة والخيانة والتمويل، لا يزال يطاردهم بفكره الذي تركه في عقول الشباب وهو مُكبل اليدين خلف قضبان زنزانته.

علاء عبد الفتاح المحاصر بأربعة أحكام قضائية بالسجن لفترات متفاوته، لا يزال يطاردهم بفكره الذي تركه في عقول الشباب

بدأ علاء عبد الفتاح صراعه مع أنظمة الحكم المتعاقبة على مصر دفاعًا عن حقوق الإنسان في عهد الرئيس المخلوع مبارك، وأيضًا بدأت معه تقييد حرية علاء، حيث كانت بداية تردده على السجون والمحاكم المصرية منذ أيار/مايو عام 2006 وحتى اليوم، واستمر معها العرض المسرحي القضائي في محاكمات علاء.

اقرأ/ي أيضًا: مصر.. أبرز فضائح إعلام السيسي

فمنذ البداية وهو متهم بالخيانة على لسان أنظمة الحكم المختلفة، ومع ذلك لم تتم محاكمته على خلفية ذلك الاتهام، ولم يقدم أي من أنظمة الحكم المتعاقبة على مصر منذ عام 2006 وحتى الآن دليل إدانة واحد بالخيانة العظمى أو تلقي تمويلات أجنبية يدين علاء أمام المحكمة، فإن كان لديهم دليل الخيانة عليهم أن يظهروه للعامة ويقدموه للمحكمة، بدلًا من تلك المسرحيات القضائية التي اختلفت أسماؤها مرات عديدة، منها "حرق مقر شفيق" و"أحداث مجلس الشورى"، و"إهانة الداخلية"، و"خرق قانون التظاهر"، وإن لم يكن لديهم، فلماذا يرمون الناس بالباطل؟

تلك السياسات العفنة استطاعت أن تُنتج للعالم جيلًا محترفًا في أعمال العنف والإرهاب، ولكنها لم تستطع إنتاج جيل يدافع عن الإنسانية كعلاء عبد الفتاح، الذي تمت محاكمته وسجنه وسلب أبسط حقوقه الإنسانية وهو داخل محبسه.

فهو لا يزال يُمنع من غذاء الروح بكافة أشكاله، كتب أو مجلات أو صحف، وأيضًا ممنوع من الكلام مع نزلاء السجن وغير ذلك، وهو لم يقتل أحدًا، بل يدافع عن حق البشر في حياة آدمية طبيعية آمنة، يتهمونه بالخيانة وهو لم يسرق أموال المصريين ويهربها للخارج كما فعل المخلوع مبارك وآخرون من نظامه.

اضطهاد علاء عبد الفتاح أكثر من ذلك لن يفعل شيئًا سوى رفع مؤشر الاحتقان بين الشباب المؤمنين بحقهم في المواطنة

وأيضًا لم يستولِ على مقدرات الوطن ويبيعها لإسرائيل كما فعل ضابط المخابرات المصري السابق حسين سالم بغاز مصر الطبيعي، ولم يقتل مصريين تظاهروا ضد وزير الداخلية السابق حبيب العادلي، ولم يشترك في موقعة الجمل التي راح ضحيتها مصريون ومصريات أبرياء، الذين تصالحت معهم سلطة ما بعد 3 تموز/يوليو، بينما لم يدافع عن كل هؤلاء سوى علاء عبد الفتاح وأمثاله، فمن الأولى بالمحاكمة والسجن وثبت عليهم اتهامات الخيانة؟

اقرأ/ي أيضًا: السيسي.. خُطب الدكتاتور المأزومة

اضطهاد علاء عبد الفتاح أكثر من ذلك لن يفعل شيئًا سوى رفع مؤشر الاحتقان بين الشباب المؤمنين بحقهم في المواطنة كجميع البشر في كل دول العالم، وأيضًا سيزيد من اختفاء العدالة في الوطن ويوفر فرصًا أكثر لنشاط حالة الفوضى القانونية والقضائية التي تعيشها مصر تحت سطوة السلطة الحالية، لأن هذه المشاكل ليست مشاكل علاء فقط، وإنما هو مصير كل علاء عبد الفتاح في مصر يُصارع دولة تحمي بقاءها في سدة الحكم بتحريف مفاهيم العدالة ومعاييرها.

علاء إنسان تخلص من عوائق السلطة وعلائق القلب الرهبوية التي زرعتها السياسات الأمنية في نفوس الشباب، ورفض السير وراء جموح العواطف والتفسيرات السحرية منعدمة الثوابت والقواعد، ونظر بعين اليقين إلى حقه في حياة آمنة ومستقرة بلا صراعات اجتماعية ووطن عادل بلا مظاليم، فطالما تخلص هذا الجيل من قيوده لن يهدأ إلا حينما يحقق أهدافه ويأخذ حقوقه كاملة.

رسالتي الآن للوطن فقط، "يا وطنى اعدل بين أبنائك قبل أن ينفروا منك ويرحلوا عنك ويتركوك وحدك هالكًا في أيدى الظالمين".

 

اقرأ/ي أيضًا:

ليلة القبض على "باد آس"

ما بعد المقاطعة.. من أجل استمرارية الثورة