21-أكتوبر-2016

قتيل برصاص الأمن في تظاهرة ضد النظام في القاهرة (Getty)

من كثرة العبث حولي اعتدت على تلك الأفعال وبدأت العبث، فأنا أعلم تمامًا أنني في خطر ولا أبالي ولا أتوقعه ولكني أتوقع أقصاه وهو الموت برصاصة فرد أمن تابع لأجهزة الدولة الأمنية أو فرد أمن سياسي أو داخل مكان احتجاز أو أثناء مشاهدة مباراة كرة قدم أو أثناء علاجي في إحدى المستشفيات التابعة للدولة أو أثناء سفري في إحدى قطارات السكة الحديد أو أثناء وقوفي في إحدى الكمائن الشرطية أو في إحدى نقاط حرس الحدود أو وأنا أستقلُ أمواج البحر هربًا من هذا الجحيم أو ما غير ذلك، فجميعها تؤدي لنهاية واحدة "قبر وقهر وتعازي"، ولكني سأتحدث في هذا المقال عن حالات قتلي المحتملة من الأجهزة الأمنية فقط.

كان شريكي في الوطن، محمد فتحي المنشاوي، البالغ من العمر 32 عام يلعب مع طفلتيه في شرفة منزله بالطابق الثالث يوم الـ12 من حزيران/يونيو 2014 وإذا برصاصة استقرت في صدره إثر اشتباكات حدثت بين متظاهرين والأمن بالقرب من منزله ألقت به على الأرض قتيلًا، وحتى اليوم لم نعرف من القاتل بعد تأكيد الطب الشرعي أنها رصاصة قناص وقد أُطلقت من مسافة بعيدة تتعدى الـ350 مترًا.
 

الأبواق الإعلامية المصرية التي صنعها النظام العسكري الحاكم من داخله لتغتالنا معنويًا ونفسيًا تقوم بدورها التضليلي الآن

أما عن شريكي الآخر في الوطن أيضًا فهو من حماة الوطن كمجند بقطاع الأمن المركزي بشمال سيناء ويحمل اسم أحمد حسين محمد خليل، ويبلغ من العمر 20 عامًا فقد تعدى عليه ضابط برتبة نقيب بالغ من العمر 26 عامًا بالضرب المبرح، وأصابه بجروح خطيره توفي على إثرها في صباح الخامس من أيلول/سبتمبر 2014 وتم نقل جثمانه للمستشفى العسكري لتشريح الجثة تمهيدًا لدفنها بمسقط رأسه بقرية عمريت مركز أبوحماد بالشرقية.

الشريك الثالث فارقنا إثر التعذيب ويدعى سيد عيد تهامي وقد توفي داخل قسم شرطة روض الفرج بتاريخ 2 شباط/فبراير 2015 نتيجة التعذيب حسب شهادة محتجز، حيث قال إنه اتصل بأولاد عم القتيل وقال لهم "انقذوا سيد، الضباط يضربوه بكعوب الطبنجات في رأسه، وهو خلاص بيموت" وعلى تلك الشهادة تقدم شقيق المجني عليه ببلاغ للنيابة العامة اتهم فيه ضباط من قوة قسم شرطة روض الفرج بتعذيب شقيقه حتى الموت.

اقرأ/ي أيضًا: السجون المصرية.. زيارات العبث بالحقوق

شريك الوطن الرابع فارق الحياة بقيء دموي بتاريخ 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 على إثر التعذيب داخل قسم شرطة شبين القناطر بقضية ليس له علاقة بها وبعد وفاته بأيام تم القبض على السارق الحقيقي المدعو "عزت"! وبالاشتراك مع الطب الشرعي تم التواطؤ في تأخير إصدار تقرير الطب الشرعي ليفلت الجاني من عقابه.

هذه السيناريوهات المختلفة في وقائعها وأشخاصها في وطني، ولم أجد أحدًا في المنصات الفضائية يدافع عنهم

شريك الوطن الخامس "محمد" وفاته كانت غامضة فبتاريخ 23 كانون الثاني/يناير 2016 أصدر حقوقيون بيان يفيد بوفاة معتقل داخل مقر أمن الدولة بلاظوغي في منطقة وسط البلد على إثر التعذيب داخل المقر ذاته.

أما شريك الوطن السادس فكان جنائيًا يدعى محمد عزت خليل، ويبلغ من العمر 37 عامًا وقد توفي بالتعذيب داخل قسم شرطة شبين القناطر بالقليوبية.

هذه السيناريوهات المختلفة في وقائعها وأشخاصها وأعمارها في وطني، ولم أجد أحدًا في المنصات الفضائية الخاصة أو العامة يدافع عنهم، بل العكس هو الذي حدث، في غالبية الوقائع تحولت تلك المنصات الإعلامية التي تتظاهر بالمهنية لمنصات دفاع عن المتهمين في ارتكاب هذه الجرائم التي لم أستطع حصرها.

فهناك حالات قدرت بالآلاف من قبل الأجهزة والمنظمات المعنية بهذا الأمر، ولكن تلك الأبواق الإعلامية التي صنعها النظام الحاكم من داخله لتغتالنا معنويًا ونفسيًا بالأمر المباشر والإملاء الأمني المُعد مسبقًا تقوم بدورها التضليلي الآن وتحترفه وكأنها تتلذذ به، وهذا ما استعداني لأقول إنه نظام سلطوي سادي يتلذذ بعذاب المصريين.

اقرأ/ي أيضًا: إضراب العقرب..الموت طلبًا للحياة

فتبريراتهم دائمًا أن هذه الحالات حالات فردية لا تعمم ولا تتحمل الحكومة مسؤوليتها، بل الشعب هو الذي يجب عليه التحمل لأن أجهزة الأمن تعاني من ضغوط متعدده وتفقد كل يوم ضحايا جدد من أفرادها وكأنهم يقولون لي أنه من لم يقتل بالإرهاب الغادر فسوف يقتل برصاص الأمن المضغوط.

ولأن الدولة قررت اختصامي فقد أعلنت استسلامي. فهم أدرى مني بالمعارك وأنا لا أجيد الحرب مع الأموات، فهم قد ماتوا عندما ماتت إنسانيتهم وقتلوا ضمائرهم بأيديهم.
 

الدولة قررت اختصامي وأعلنت استسلامي. فهم أدرى مني بالمعارك وأنا لا أجيد الحرب مع الأموات

وبما أننا جميعًا مصريون فنحن شركاء في الوطن وشركاء في الحياة وأيضًا شركاء في الموت، وأنا لم أعد أنزعج من مصيري هذا لأنني اعتدت عليه. فكل يوم يودع أحد منا قتيله، ولا أعترض على مصيرنا هذا ولا أعتبره كابوسًا بالنسبة لي كما يتصور البعض.

ولكني أخاطب الإنسانية أولًا قبل الدولة بأن يُخبروني قبل موتي لأمتص قهر أمي في بدني المسموم فهي لم تعد تحتمل قهرًا، وأودع أحبابي وأعدهم في نفس الحين بلقاء آخر، فلا أريد أن يحزن أحد على فراقي.

وأقوم بجولة مصافحة لجيراني فمنهم من لا يتحرك من مكانه بسبب سوء ظروفه الصحية وأتمنى ألا أُتعبهم في الذهاب لأهلي لتأدية واجب التعازي، فأستطيع أن أستقبل التعازي بنفسي، فما أجمل أن أكون إنسانًا رحل دون أن يسبب متاعب للبشر.

فلا أتمنى أن يكرهني أحد، فجميعهم كان الحب في قلبهم لي أقرب من الكره. كذلك لو تعطوني وقتًا لأرسل خطابًا لمن سبقوني أبشرهم فيه بذهابي لهم حتى لا يتفاجئوا بي، فمنهم الكثير أحباء لقلبي، وأخشى عليهم الصدمة وهم الموتى، وأخيرًا أستأذنهم أن يتركوا لي قبرًا في منتصفهم ليحاوطني دفء الجميع. رسالتي للإنسانية. أريدكم أن تخبروني. متى ستقتلوني؟

اقرأ/ي أيضًا:
الإعدام سجنًا في مصر.. ما خفي أعظم!
العسكر والإرهاب.. ثنائية هدر الإنسان المصري
أدون لكي لا أنسى الحرية