09-مارس-2016

خوليو كاريون كويفا/ البيرو

تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي في المدّة الأخيرة صورة امرأة تونسية عرضت جسمها عاريًا وعليه بقع كدمات زرقاء، لتشهرّ بما تتعرض له المرأة من عنف في الأوساط الأسرية، أثارت هذه الصورة ضجة كبيرة لدى المحافظين واعتبروا صنيعها فجورًا دون أن يبالي أحدهم بالكدمات الزرقاء أو يندد بصنيع زوجها، التهمت الأعين الفضولية نهديها الذين أنهكهما الضرب دون أن تبحث الأعين عن درجات الأزرق الفاتحة والغامقة بتأثير العنف الماديّ. 

كثيرون يتعاملون مع الجسد الأنثوي ككيان مستقل عن المرأة، لذا هي لا تملكه وليس لها الحرية في التصرّف فيه

يكفي أن تكوني امرأة حتى تعنّفي وأنت تستحقين هذا العقاب، ولفظ امرأة يكتسي في طياته الخطيئة والشهوة والفتنة في المخيال الجمعي فيقبل بتعنيفها. موقف المحافظين في تونس، أو غيرها، ليس مستغربًا، فمنذ قرون حصر الجسد الأنثوي في بيئتنا الإسلامية والعربية في البعد القيمي، فهو حامل مضامين الشرف والعرض، وما زال كثيرون يتعاملون مع الجسد الأنثوي ككيان مستقل عن المرأة، هي لا تملكه وليس لها الحرية أو الأهلية في التصرّف فيه، وتعود ملكيته إلى القبيلة والعرف والمجتمع، لذلك تلعب الذكورة دور الحامي من جهة، ودور المربيّ من جهة أخرى، فيصبح العنف هنا مشرعنًا، ويحظى بالقبول الاجتماعي ولا يستهجن أبدًا.

اقرأ/ي أيضًا: السلطة الذكورية على هيئة أغنية ناعمة

تحاول العائلة في مجتمعات الجنوب غرس ثقافة الضعف والخنوع والاستسلام في نفسية الأنثى، وترسيخ الضعف والدونية في سيكولوجية المرأة يجعلها جاهزة فيما بعد لقبول العنف بكلّ أنواعه المعنوي والمادي، ليصل (العنف) أحيانًا إلى درجة القتل، فلا تثور المرأة بل تقبل به ضمنيًا، لأنّ هذا يدخل في أخلاق الشرف والعرض، ومن تتخلى عن هذه الأخلاق فعقابها الموت "والعار أطول من الأعمار" كما يقال.

يلعب الموروث الديني الرسمي والشعبي دورًا هامًا في قبول وشرعنة مبدأ العنف ضدّ المرأة في الأوساط الاجتماعية، ويستند الكثير إلى الآية القرآنية 34 من سورة النساء، إضافة إلى الأمثال الشعبية التي تزدري المرأة وتدعو إلى تعنيفها مخافة الخروج عن العادات والتقاليد: "اكسر للبنت ضلع يطلع لها 24" و"اضرب القطة تتربى العروسة".. وغيرها من الأمثال الشعبية التي تدعو علنًا وجهرًا إلى العنف ضدّ النساء، ولا تزال تتداول هذه الأمثال إلى الآن، وهي تلعب دورًا هامًا في ترسيخ فكرة دونية المرأة.

اقرأ/ي أيضًا: في الأردن.. القانون في خندق المغتصب

لا يعتبر العنف جريمة بل عقابًا، وأحد آليات تأديب النساء، وينشأ الطفل منذ صغره على فكرة العنف كأحد دعائم التربية السليمة للمرأة تلقنه هذا والدته أو والده على حدّ السواء، لتخاف منه أخواته في المستقبل وليعنف زوجته وبناته بكلّ قناعة، وليحقق رجولته على أجساد النساء التي يملكها.

النكتة الأشدّ مرارة أن يصل المشرع في بعض المجتمعات إلى العفو عن المغتصب في حالة الزواج بضحيته

وحتى وإن تعرضت المرأة في البيت أو في الشارع والعمل إلى العنف فهي دائمًا تبقى في موقف المدان "هي تستحق ذلك لقد فعلت ما استوجب العنف"، ولا يبحث أحد في أصل الظاهرة وتجريمها بقدر ما يذهب إلى التشكيك في أخلاق النساء المعنفات، ليقبل بالعنف ضمنيًا حتى وإن صرّح بالعكس.

ومع تنامي ظاهرة العنف في مجتمعات الجنوب عمل المشرع في بعض المجتمعات على إدراج عقوبات للمعتدي والانضمام إلى اتفاقيات دولية، تطالب بإلغاء كل أشكال العنف ضدّ النساء، كما عملت بعض الجمعيات الحقوقية على مكافحة هذه الظاهرة ولكن دون نتائج ملموسة، فما زال الواقع يزدري المرأة ويحملها مسؤولية الاعتداء، يشكك في أخلاقها، ينال من كرامتها ولا يتتبع المعتدي فعليًا.

وتبقى النكتة الأشدّ مرارة أن يصل المشرع في بعض المجتمعات إلى العفو عن المغتصب في حالة الزواج بضحيته، ولتسقط بعدها التتبعات العدلية ضدّه.

اقرأ/ي أيضًا: 

"السكس" عرض وطلب أيضًا

اقتل البغدادي وانكح إلهام شاهين