10-أغسطس-2015

لم لا يبذل المنشدون جهداً أكبر ويصيغون ألحانهم الخاصة؟ (Getty)

من أهم مميزات التاكسي أن أيّ مشوار فيه، يعدّ جولة على عوالم كثيرة قد تبدو بعيدة عنك.

منذ فترة استقلّيت سيارة أجرة، وفي الطريق أدار السائق المسجّل. وإذ بصوت الأغاني الصاخب يتسرب لأذني رغم أني علّقت سمّاعات الأذنين في مكانها وثبتها جيدًا. ومع أني جرّبت أن أرفع صوت هاتفي للتشوّيش على الصوت الآتي من المذياع إلاّ أنني فشلت. فإذا باللحن الذي يُنشد بعبارات إيمانية يشدّ انتباهي ويدفعني لإطفاء راديو هاتفي النقال. فلدهشتي، قرّرت الإصغاء جيدًا، والتركيز لأتأكد مما سّمعته. وبالفعل، بعد الاستماع والتركيز، تتبيّن بأن الأغنية هي لعلي الديك. سرحت قليلاً، حاولت أن أفهم، كيف؟ أردت سؤال الساق عن الأغنية/ الأنشودة، لكن لم أشأ مقاطعته، إذ بدا غارقًا بترقيص رأسه وكتفيه مع الموسيقى، والضرب على المقود بطرف أصابعه، انسجامًا مع الإيقاعات المختلفة.

أين المنطق في أن تحرّم الشيء ومن ثم تعود وتتحايل وتلبسه زي التنكر لتحلّله لك ولأتباعك؟!

المؤمنون يسرقون الألحان التي يحرّمونها. هذه هي الفكرة التي ضربت رأسي. نزلت من سيارة الأجرة، وصلت إلى آخر صيدا ــ جنوب لبنان، حيث أعمل. لكن الأغنية/ الأنشودة ظلّت في رأسي. وأسفت لأني لم أستمع سابقًا لهذه الأناشيد التي غيّبت عني هذه الحقيقة بتناقضها المريب.

 استوقفني الموضوع كثيرًا. علي الديك؟ أردت معرفة المزيد. بحثت واستمعت، لأكتشف لاحقًا بأن معظم هذه الأغاني/ الأناشيد إن لم تكن جميعها هي بألحان لأغاني فنانين ومطربين معروفين، نسمعها يوميًا على الإذاعات. وظللت أفكّر، فجلّ ما أسمعه من رفيقات وأقرباء مؤمنين/ متشددين، هو أن الأغاني "حرام" ولا يجوز سماعها. لكن، أولئك المؤمنون الذين يحرّمون سماعها كيف وصلت لآذانهم. سرقوها، نعم. فلنقل.. استعاروها؟ لكن قبل كل شيء، سمعوها. وبحسب معرفتي البسيطة، معظمهم يحرّمون سماع الأغاني. فعلى حد قول قريبي المتزمت، "تجتمع الشياطين" لدى سماع الموسيقى فكيف تجتمع الشياطين على أغاني علي الديك وعاصي الحلاني وكاظم الساهر، لكن هذه الشياطين تجتنب الموسيقى ذاتها إذا ما كانت على هيئة أناشيد. فكرّت بسذاجة.

المشكلة ليست في الأناشيد ولا بسماعها، لكن جلّ ما في الموضوع بأن للأنشودة أصولها. فالإنشاد الديني له تاريخه وخصوصيته، وهو فن قائم بذاته وله ملحّنوه ومنشدوه أو على الأقل هذا ما كان عليه. ولقد بدأ فن الإنشاد على زمن الصحابة وتطور على مدى العصور الإسلامية وصولًا، للعصر الحديث، حيث اشتهر أكثر، وبرز العديد من المنشدين والمشايخ الذي يدعون من خلال أناشيدهم، إلى حبّ الله وغيرها من المواضيع الدينية، التي كانت تغنّى بألحان بإيقاعات خاصة بها تتناسب مع المحتوى الديني. ولطالما كان الاحتفال بمناسبات دينية عديدة يتم على وقع هذه الأناشيد.

 لكن، أن تسمع أنشودة، كلماتها تدعو لحب الله ورسوله والحياة الآخرة وأنّ جل ما يفعله الإنسان هو لآخرته، على وقع لحن لعلي الديك! يبقى السؤال المطروح هنا، لم لا يبذل المنشدون جهداً أكبر ويصيغون ألحانهم الخاصة،  بعيدا عن ألحان الأغاني التي هم أنفسهم يحرمونها ويعتبرونها مدعاة لإجتماع الشياطين، وربما ينسحب هذا على علي الديك فعلًا لرداءة صوته، ويمارسون الترهيب على متابعيهم بفتاوى غريبة عن عقاب المستمعين إليها يوم القيامة. لسنا في صدد مناقشة الأديان ولا فتاويها. لكن، أين المنطق في أن تحرّم الشيء ومن ثم تعود وتتحايل وتلبسه زي التنكر لتحلّله لك ولأتباعك. حبّذا لو أولئك المتشددين يتمتعون بحس ابتكار بسيط، ويؤلفون ألحانًا خاصة بهم، تكون أكثر ملاءمة لأناشيدهم وتقواهم، بعيدًا عن سرقة ألحان أغاني علي الديك.