1. ثقافة
  2. فنون

أم كلثوم: رحلة ثرية ترويها اللوحات والقصائد في معرض "صوت مصر"

25 أغسطس 2025
معرض "صوت مصر" (أرشيف مركز الفنون)
معرض "صوت مصر" (أرشيف مركز الفنون)
رنا الجميعي رنا الجميعي

لطالما كان الاستماع إلى صوت أم كلثوم عادة أساسية في حياة المصريين، فقد مثّلت شخصيتها رمزًا للقوة والإبداع المتجدد في حياتهم، وحتى الآن لا تزال كوكب الشرق تُلهم الملايين حول العالم بصوتها وتفردها.

كما أن حياتها ظلت نبعًا متجددًا للإبداع، لذا لا تندر الأعمال الفنية المُقدَمة عنها، وآخرها معرض "صوت مصر" المُقَام حاليًا في قصر عائشة فهمي بحي الزمالك في القاهرة.

أُقيم معرض "صوت مصر" يوم الإثنين الماضي الموافق 18 آب/أغسطس، وشارك فيه نحو 29 فنانًا تشكيليًّا؛ تتنوع أعمالهم بين النحت والرسم والتصوير. من المُلفِت للنظر أن المعرض لا يقتصر على الأعمال الفنية فحسب، بل يشمل الأرشيف الصحفي وتذاكر الحفلات والأسطوانات، إضافة إلى بعض مقتنيات أم كلثوم المُستعَارة من متحفها بمنطقة المنيل.

عند مدخل قصر عائشة فهمي، يأسرك صوت أم كلثوم وهي تتغنى قائلة: "يا حبيبى إيه أجمل م الليل وإتنين زينا عاشقين تايهين" (من أغنية ألف ليلة وليلة)، فتشعر وكأنك داخل تجربة مكتملة من الصوت والصورة. ويقف أمامك تمثالٌ ضخم لأم كلثوم باللون الأبيض، بينما تجلس بكامل بهائها.

تبدأ الرحلة عند مذكراتها التي تشعر كأنك تسمعها بصوتها: "هذه مقتطفات خفيفة الظلّ اخترناها لأم كلثوم، نشرها علي أمين في مجلة آخر ساعة"، كما يقول الدكتور علي سعيد، رئيس الإدارة المركزية لمراكز الفنون.

المُدهش أن المقتطفات التي تتوزع على حوائط القصر، نشاهد من خلالها رحلة أم كلثوم إلى القاهرة، وبعض المواقف الصعبة التي تعرضت لها، مصحوبة برسومات الفنان حسين بيكار والتي نُشرت معها في الوقت ذاته. يقول الدكتور سعيد: "إنهم كانوا سيقتصرون على عرض الاسكتشات المرسومة فقط، لكنّه وجد أنها منزوعة من سياقها دون المذكرات، وبالفعل أصبحت التجربة أفضل عندما اجتمعت الكتابة مع الرسومات الخفيفة".

وفي الموقع ذاته من عرض المذكرات، عُرضت فاترينات صغيرة تحتوي على أفيشات من أفلامها، مثل: فيلم "منيت شبابي" إنتاج عام 1937، وهو فيلمها الثاني (والمعروف باسم نشيد الأمل)، وبعض تذاكر حفلاتها ومُلصقات أسطواناتها الغنائية، وهي من مقتنيات الدكتور محمد عمر.

المُدهش أن المقتطفات التي تتوزع على حوائط القصر، نشاهد من خلالها رحلة أم كلثوم إلى القاهرة، وبعض المواقف الصعبة التي تعرضت لها، مصحوبة برسومات الفنان حسين بيكار والتي نُشرت معها في الوقت ذاته

كما عُرضت في الفاترينات قصائد مكتوبة بخط اليد، وهي من مقتنيات متحف أم كلثوم؛ قصيدة "سلوا كؤوس الطِلا" بخط يد أحمد شوقي، قصيدة "هذه ليلتي" بخط يد جورج جرداق، أغنية "ليلة حب" بخط يد أحمد شفيق كامل، أغنية "بالحب وحده" بخط يد عبد الفتاح مصطفى، وأغنية "حيرت قلبي معاك" بخط يد أحمد رامي.

ما إن تنتهي من قراءة المذكرات والقصائد، تأخذك قدماك إلى القاعات الموجودة بالدور الأرضي. كل قاعة تضم عددًا من التماثيل واللوحات التي تصور جوانبًا مختلفة من أم كلثوم، كما تحتوي على الأرشيف الصحفي الخاص بها من حوارات وصور فوتوغرافية.

جاء المعرض بتكليفٍ من وزير الثقافة، الدكتور أحمد فؤاد هنو، بمناسبة مرور 50 عامًا على وفاتها، ومنذ البداية لمعت فكرة المزج بين الأعمال الفنية والأرشيف الصحفي.

وقد ثمّن الدكتور سعيد التعاون بين الجهات كافة: "مكتبة البلدية بالإسكندرية زودتنا بالأرشيف، والمقتنيات الشخصية من متحف أم كلثوم، كما أن الفنانين لم يبخلوا علينا بتماثيلهم، وغاليري الزمالك وبيكاسو وآخرين".

روح الفن، كانت تشعُ من ثنايا وعطفات المعرض، ففي كل قاعة وساحة كان هناك تمثال أو أكثر لأم كلثوم. والجميل أن كل فنان استطاع تصور "السِت" من زاويةٍ مختلفة تمامًا، وكأنّ أم كلثوم معين للإبداع لا ينضب. حسين بيكار، صلاح طاهر، جورج بهجوري، طارق الكومي، سيف وانلي، أحمد عبد العزيز، وخالد حافظ، كل هؤلاء الفنانين وغيرهم، استطاعوا التعبير عن طيف من أطياف أم كلثوم. فمنهم من حاول التعبير عن صوتها، ومنهم من استعار مشهدها مع فرقتها الغنائية، ومنهم من رسم ميكروفون الصوت أمامها كزهرة لوتس مُتجذرة في الأرض.

اللوحة الأخيرة أنجزها الدكتور سعيد نفسه، حيث يقول عنها: "الحقيقة أنني شعرت بالغيرة من كل هؤلاء الفنانين، فقررت أنا أيضًا أن أشارك في المعرض. كنت أعمل على المعرض صباحًا، وفي الليل أعمل على اللوحة، واستخدمت زهرة اللوتس كرمز للخلود عند المصري القديم".

روح الفن، كانت تشعُ من ثنايا وعطفات المعرض، ففي كل قاعة وساحة كان هناك تمثال أو أكثر لأم كلثوم. والجميل أن كل فنان استطاع تصور "السِت" من زاويةٍ مختلفة تمامًا

يستعرض الحدث الفني مراحل متعددة من حياة أم كلثوم، يمكنك أن تقف مندهشًا أمام صورة نادرة لها في شبابها، وأحيانًا يسترعي انتباهك صور للفيلا الخاصة بها. كما ستدخل الفيلا نفسها حين تستطيع صحفية التقاط صور لها بعد وفاة أم كلثوم، ويمر عليك حدث وفاتها الأليم كأنك تعرف عنه للمرة الأولى، فتقرأ في الصحف كيف عانت في ساعاتها الأخيرة، وكيف تألم المقربون منها في ذلك الوقت.

كل ذلك عبر أرشيفٍ صحفي متنوع من مجلة آخر ساعة وجرائد مثل الأهرام والجمهورية والأخبار، ثم تفجعك صور ولقطات فيديو نادرة من الجنازة الشعبية التي أُقيمت لها.

بجانب ذلك، ستعرف أيضًا عن جولاتها في سنوات المجهود الحربي إلى الاتحاد السوفيتي ولبنان والسودان والإمارات، والعديد من الدول الأخرى، ويصاحب ذلك العرض لوحاتٌ فنيةٌ تعبّر عن مجهوداتها تلك. كما يسحرك صوتها وهي تغني "أصبح الآن عندي بندقية". يقول الدكتور سعيد عن اختيارات الأغاني: "أردنا أن نعمل مزيجًا من مقاطع أغانيها، بدلًا من تشغيل أغنية واحدة طويلة قد يملّ منها الزائر".

وفي إحدى القاعات، سترى أيضًا الكتب العديدة المؤلفة عنها، التي تتناول جوانب مختلفة من حياتها وفنها. تلك الكتب التي أعارها الكاتب الصحفي سيد محمود للمعرض، وعددها 40 كتابًا. ويذكر محمود: "أنا أملك حوالي 76 كتابًا عن أم كلثوم، وأردت أن أقول من خلال عرض الكُتب إن الاهتمام بأم كلثوم ليس مرتبطًا بذكرى، بل هو اهتمام متجدد".

ومن بين هذه الكُتب: "الهوى دون أهله" لحازم صاغية، وكتاب "أم كلثوم كوكب الشرق" للناقد الفني محمد السيد شوشة، "وهذا كتاب صدر مباشرة بعد وفاتها، وبه لوحات نادرة لها لفنانين مثل: جمال قطب، واللوحة هذه لا أحد يعرف أين هي. كما أن هناك لوحتين لحجازي؛ زيّنت واحدة منها غلاف مجلة صباح الخير".

الغريب في الأمر، أن سيد محمود لم يكن من محبي أم كلثوم في بادئ الأمر، كان يستمع إليها مثل كثير من المصريين، لكنه لم يكن مولعًا بها، حتى وقع تحت يديه رواية "كان صرحًا من خيال" لسليم نصيب، "قرأتها في ليلتين متتاليتين"، وكأن أم كلثوم تكشّفت له عبر تلك القراءة. "بدأت أغرق في كل التفاصيل التي تخصّ الست، من جماليات الصوت، وبدأت أتساءل كيف استطاعت فتاة فلاحة من قرية أن تسافر إلى القاهرة لتغني، وبعد سنوات أصبحت أهم امرأة في مصر رغم المجتمع الطبقي الذي كان موجودًا في ذلك الوقت، وأصبحت أتعامل مع أم كلثوم كما لو كانت من الأولياء في مصر".

قُرب انتهاء الزيارة بالدور الثاني، ستدخل إلى قاعة تضم مقتنيات لأم كلثوم، قفازها الأسود، نظاراتها السوداء، أحد أحذيتها وإحدى حقائبها، قلم جاف، وبعض الفساتين الخاصة بها. كل فستان منهم ينمّ عن ذوق عالٍ، فستانها الأبيض المتلألئ، وفستانها الأسود المُطرز بالورود عند الأكمام والذيل. كلها مقتنيات تخصّ السيدة، فتتجسّد أمامك حيّة.

محمود درويش يقول إنه شاعر الولادات المتجددة، وأم كلثوم أيضًا مطربة الولادات المتجددة

لا ينتهي التجول بمعرض "صوت مصر" في رحلة واحدة، إذ يحتاج إلى عدة زيارات للإلمام بتفاصيله كافة. يستمر المعرض حتى 15 تشرين الثاني/نوفمبر القادم، مما يُعطي الفرصة لأكثر من زيارةٍ.

اندهش سعيد من حجم الإقبال وردود الفعل على المعرض: "كما لفت نظري حجم الشباب دون العشرين الذين يتفرجون بمنتهى التأمل، ويشاهدون الفيديو حتى ينتهي، أظن أن هذا التفاعل هو رسالتنا من المعرض". فيما يكمل محمود دهشته في الحديث عن أم كلثوم بقوله: "محمود درويش يقول إنه شاعر الولادات المتجددة، وأم كلثوم أيضًا مطربة الولادات المتجددة".

كلمات مفتاحية
كمال الشناوي - نور الشريف في الدورة الأولى من مهرجان القاهرة السينمائي (الأهرام)

من أين جاءت فكرة إنشاء مهرجان القاهرة السينمائي الدولي؟

مهرجان القاهرة السينمائي الدولي

معرض كايروكوميكس (الترا صوت)

قرن من الرسوم: مهرجان "كايروكوميكس" يعيد اكتشاف جذور الإبداع المصري

مهرجان "كايروكوميكس"

فيلمون وهبي (شبكات تواصل اجتماعي)

شهادة| ماذا قال منصور الرحباني عن صداقة العُمر مع فيلمون وهبي؟

رحلة الصداقة بين الرحابنة وفيلمون وهبي

مظاهرة في لندن
سياق متصل

محكمة الاستئناف البريطانية ترفض طعن مؤسسة "الحق" على حكم تصدير قطع غيار "إف-35" لإسرائيل

سعت مؤسسة "الحق" الفلسطينية إلى الطعن في حكم قضائي بريطاني يسمح للمملكة المتحدة بتصدير قطع غيار طائرات إف-35 الأميركية إلى إسرائيل

غلاف الكتاب (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات)
نشرة ثقافية

"النصّ التأريخي وترجمته" لسفيان عبد اللطيف: مقاربات في الفلسفة واللغة

صدور كتاب " "النصّ التأريخي وترجمته: مقاربات فلسفية ولغوية"

البرهان والسيسي
قول

سقوط الفاشر وتبدّل الحسابات المصرية: من الحياد المضبوط إلى الانخراط الإجباري

باتت رؤية مصر تجاه السودان محكومة بمعادلات أمنية حساسة (منصة إكس)

إيران
سياق متصل

تصاعد التوتر حول ملف إيران النووي: تحذيرات دولية وعقوبات أميركية جديدة

جاء العدوان الإسرائيلي على إيران، والقصف الأميركي للمنشآت النووية عقب إصدار الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرًا خلص إلى أن طهران لم تلتزم بتعهداتها النووية