18-يناير-2017

تعاني المطلقات في مصر بشكل مضاعف (nurphoto)

أثيرت زوبعة في الأيام الماضية حول المصطلح المسمى بـ"الأمهات العازبات المصريات" إثر ما أثارته قضية هدير مكاوي، وهي الفتاة التي قررت أن تعلن إنجابها لطفل من ثمرة زواج عرفي. المصطلح استفز السواد الأعظم من المصريين الذين لا يعترفون سوى بشكل واحد للزواج وبظروف معينة له وبوجود الأب العائل، والزوجة التي تعتمد عليه أو تساعده في بعض الأحيان، من دون خروج عن النص. لكن الحقيقة أن الواقع قد خرج خروجًا فجًا عن النص المكتوب في الأفلام المصرية، وأصبح مصطلح الأم المستقلة ممارسة فعلية في كثير من الأحيان. حتى وإن غاب المصطلح عن اللغة، حضر في الواقع. في تفاعلاته اليومية حضورًا لا ينقصه اعتراف ذكوري انتزعت بالفعل شرعيته كثير من النساء المصريات.

أصبح مصطلح الأم المستقلة ممارسة فعلية في مصر، حتى وإن غاب عن اللغة فقد حضر في الواقع

الأم المعيلة هي السيدة المتزوجة التي تصرف من جيبها الخاص على كل مستلزمات أبنائها من تعليم وصحة وغذاء وكساء لغياب أصاب الرجل بموت أو مرض أو عجز أو طلاق أو انفصال. المرأة المطلقة في مصر تُفتح عليها أبواب الجحيم من كل اتجاه، حتى من الأهل أنفسهم، ثم يلين بعض الأهالي تساهلًا بعد أن تستطيع الواحدة منهن شق طريقها بعيدًا عن الرجل.

ريهام عادل الجندي تحكي قصتها، وتقول لـ"ألترا صوت": "تزوجت شهرين بالتمام والكمال ثم بدأت المشاكل، كان ذلك منذ عام 2011. كنت حاملًا بابني ولم يكن والده يريد الإنفاق رغم أن ظروف عمله ممتازة ويعيش في دبي. كان يرسل لي بالكاد مائة جنيه (10 دولارات) فقط ليتم إثبات إنفاقه في المحكمة. كانت قضية الطلاق في المحاكم إبان ثورة يناير فتوقف كل شيء. أما أنا فتنازلت عن كل شيء حتى أستطيع الطلاق ولم ير زوجي السابق ابنه إلا عدة مرات"، مضيفة: "لا آخذ مبالغ من زوجي السابق للإنفاق على ابني. عمومًا أنا لا أتعامل مع الأب لأن كل تعاملاتي مع الجدة. هي التي تتحكم بكل شيء ويساومونني على ابني باستمرار. حضانة الابن تعني الإنفاق على حاجياته، أما طوال وجوده معي فلا مال سيصلني".

اقرأ/ي أيضًا: الزواج في مصر بعد تعويم الجنيه.. معجزة!

كيف استقليتي؟ تجيب: "بعد الطلاق، انتقلت للعيش بالقاهرة حيث كنت أعيش في السابق بالشرقية. رفضت أمي في البداية أن تعيش معي، فأتت أختي ثم أتت أمي في النهاية حين رأت قوتي وقدرتي على الاستقلال. وماذا تعملين حاليًا؟، تجيب: "أعمل مطربة في فرقة، نغني في الأحداث الثقافية. أدرس ابني وعلاقتي به جيدة. يساومه أهل أبيه على بعض الأشياء، يعني مثلًا يعطونه موبايل غالي الثمن وهو عندهم وعندما يعود لي يأخذونه منه"، وتوضح: "أما المجتمع فيعتبر المطلقة عاهرة. ودومًا تحيط بها الشائعات لكني في النهاية أترك الناس يحكمون عليّ من تصرفاتي وقوة شخصيتي. عانيت من أزمات مادية لا حصر لها. كنت أجوع حرفيًا لأوفر لابني مصاريف مدرسته. تخطيت أشياء كثيرة ولا تزال الطريق أمامي طويلًا".

تروي روزان أمجد أيضًا تجربتها بعد طلاق والديها. تقول: "والدي وهب حياته للخدمة الكنسية وهو مسافر (لم تفصح عن وجهته)، لي أخت توأم وأخ سافر حتى يستطيع أن يعيلنا أنا وأمي ولكنه لا يرسل لنا المال سوى ثلاثة أشهر في السنة. يريد أن يشتري سيارة". موضحة: "أمي امرأة عظيمة وعائلة أبي تحبها وتراها بطلة. هي تساعد جدتي أيضًا في المصاريف. لها شعبية كبيرة في بيتنا. تحملت مسؤوليتنا منذ وقت طويل لأن أبي رجل دين مسيحي. وحين أصبح مسؤولًا عن كنيسة ترك لأمي مسؤولية كل شيء. أمي حين لا يكون هناك مال في البيت وتجد أحدنا حزينًا، تخرج لتشتري له أي شيء لتسعده".

وتستطرد: "في البداية كنا نسكن في منطقة شعبية لكن البيت كان تابعًا للكنيسة وحين تضايقت أختي من المنطقة انتقلنا إلى شقة "إيجار" في منطقة أفضل. حتى حين حاولت أن أعمل لأساعدها، كنت أعمل في وظيفتين، رفضت أن أستكمل عملي لأنها وجدتني مضغوطة، وقالت لي: لا مزيد من العمل وستأخذين مصروفك مني".

تعاني المطلقات في مصر من ذكورية مفرطة ونظرة مشككة في المجتمع ويتحملن وحيدات أعباء أولادهن

تروي ولاء بري، قصتها لـ"ألترا صوت": "تزوجت صغيرة جدًا. كان عمري وقتها 18 عامًا. طردني من بيته. نشأت في بيئة ريفية لا يُسمح فيها للفتاة بالخروج للتعليم. وحين وقع الطلاق كان أبي ضد استكمال تعليمي لأني مطلقة. منذ عام 2002 وأنا في المحاكم لأحصل على حقوقي وعلى حضانة ابني. حرمت منه فترة ثم عاد لي. كانت الصراعات بين والدي وزوجي، لكن ابني كان محور العالم في حياتي ولا يزال. لذا قررت ألا يكون طرفًا في الصراع بينهما. كان أهم شيء بالنسبة لي أن يتعرف علي ويتعود علي لأنهم أخذوه مني صغيرًا جدًا".

وتضيف: "قررت استكمال تعليمي بعد اتفاقي مع والد ابني على تفاصيل حضانته. واستطاع أعمامي وهم من كبار العلماء أن يقفوا ضد إرادة والدي. فأقسم والدي ألا أخرج من بيته للتعليم. وبسبب قسمه العجيب كنت أبيت ليلة المحاضرة في بيت عمي لأذهب في اليوم التالي من بيته إلى الجامعة لحضور المحاضرات، على الرغم من ذلك تكفل والدي بمصاريف تعليمي. دخلت كلية الإعلام في التعليم المفتوح، وقتها كنت أدخر مصروفي لأصرف على ابني لأن والده فقط كان يدفع مصاريف مدرسته. قررت بيني وبين نفسي أن أعمل وكانت المشكلة الثانية الكبرى في حياتي، فكيف سأقول لوالدي أني سأخرج من بيته للعمل؟".

اقرأ/ي أيضًا: مصر.. كيف أصبحت "ليلة الخميس" للأغنياء فقط؟

وتكمل: "رسبت في آخر مادتين في آخر فصل دراسي في الجامعة حتى تبقى لي حجة في الخروج للدراسة، وعرفت أن جريدة تطلب محررين للعمل بها، وكان أول تحقيق لي بالصدفة عن الأمومة، وحين رأى والدي اسمي بدأ يقتنع بفكرة عملي. أربعة عشر عامًا الآن وأنا مطلقة. عرفت أن سر تعنت والدي هو أن أرفض الزواج مرة أخرى وتكوين أسرة. أنا لا أرفض ولكن حقًا كل شيء قسمة ونصيب. لقد جعلتني سنوات الكفاح قوية للدرجة التي لا أستطيع فيها أن أقبل برجل غير قوي. تحمل المسؤولية والوفاء بالوعد والتمسك بالكلمة أشياء لم تعد موجودة. كان المجتمع دومًا يظنني ضعيفة ويحيك حولي الشائعات، ولكن مع مرور الوقت وشيوع سوء سمعة طليقي وزواجاته المتعددة، عرف الناس أن ليس كل مطلقة امرأة سيئة التوجه".

يقول المحامي علي صبري، في مقابلة مع "ألترا صوت"، وهو محامي يعمل في قضايا الأمهات المستقلات في المحاكم، إن "القانون لا يُطبق لأنه يجب إثبات دخل الأب في المحكمة والأب يستميت في التلاعب بدخله. والأم تضطر إلى الخُلع أو الطلاق للضرر وحتى تحصل على حريتها تضطر إلى التنازل عن كل شيء". مضيفًا: "بطء التقاضي يُصعب كل شيء على المرأة المطلقة، فحتى لو حكمت لها المحكمة وحتى لو استطاعت إثبات دخل الزوج، لن تستطيع أن تحصل على شيء لأن الرجل يهرب من الأحكام".

وحين سألناه عن أغرب الحالات التي مرت عليه في المحاكم، يقول: "حين رأيت تكالب أهل الزوج على زوجته لضربها"، ويضيف: "أغلب حالات الطلاق تقع لأن الزوج لا يصرف أو لسوء المعاملة أو لزهق الزوج من عشرة زوجته، فيعاقبها إما أن تقبل بسوء معاملته أو يعاقبها بعدم الإنفاق على أبنائه". وعن أهم ما يجب تغييره في القانون ليكون في مصلحة المطلقة، فيقول: "مدة التقاضي التي يجب أن يكون لها حد أقصى، لأن الأم طوال فترة مدة التقاضي لا تملك ما تنفق به على أبنائها. وألا يكون هناك حد أقصى للنفقة وتسهيل تحديد دخل الأب، وأيضًا قصة منع الزوج زوجته من السفر، وهو أمر يشل حركتها حرفيًا ويستخدمه الرجال لشل حياتها. فلا هو أنفق على أبنائه ولا هو تركها تبحث في بلد آخر عن حياتها وحياتهم".

اقرأ/ي أيضًا:

ما هي أبرز أحداث مصر في العام 2016؟

القبائل السيناوية.. عصيان مدني ضد الداخلية المصرية