15-يوليو-2019

من صفحة الحملة على فيسبوك

لم تزل الحملة التي أطلقها سوريون منذ فترة وجيزة باسم "حملة الأمعاء الخاوية" مستمرة للأسبوع السادس على التوالي. بدأت الحملة كما بات معروفًا لسوريين ومتابعين للشأن السوري انطلاقًا من التضامن مع السيد بريتا  حاجي حسن في إضرابه عن الطعام احتجاجًا على القصف الروسي والإيراني، وقصف نظام البراميل السوري على مدينة إدلب وريفها (شمال سوريا) وريف حماه (وسط سوريا)، وذلك في مدينة جنيف السويسرية أمام مبنى الأمم المتحدة.

يذكر التاريخ القديم أنه في إيرلندا قبل المسيحية كانوا يلجؤون إلى الإضراب أمام منزل الجاني، لاسترداد دين مثلًا

وقد انضم للحملة عدد من السوريين. الفكرة التي انطلق منها السيد بريتا حاجي حسن الذي شغل منصب رئيس مجلس مدينة حلب الحرة قبل لجوئه إلى أوروبا تزامنت مع استشهاد الثائر السوري عبدالباسط الساروت، وبدت كنوع من التفاعل مع الحالة الثورية والوطنية الكبيرة التي أشاعها خبر استشهاده. هدف حاجي حسن من إضرابه إلى توجيه رسالة للعالم كي يوقف المجزرة المستمرة في إدلب وريف حماه، أو أقله: لفت نظر العالم إلى ما تقوم به روسيا وإيران والنظام الهمجي السوري من عملية إبادة مستمرة للشعب السوري، خاصة في تلك المدينتين المنكوبتين. ثم استجاب عدد من السوريين للتضامن معه والمشاركة في الإضراب الأمر الذي أدى إلى تطور الحالة لتصير حملة أطلق عليها المشاركون فيها اسم: "حملة الأمعاء الخاوية".

اقرأ/ي أيضًا: المركز العربي يبحث في مآلات الثورة السورية بعد سبع سنوات على انطلاقها

يعتبر الإضراب عن الطعام من أقدم أنواع الاحتجاجات في العالم. التاريخ القديم يذكر أنه في إيرلندا قبل المسيحية كانوا يلجؤون إلى الإضراب أمام منزل الجاني، لاسترداد دين مثلًا! حيث لا بد أن يتدخل الجاني لتنفيذ ما يطلبه المضرب عن الطعام حتى لا يموت هذا جوعًا أمام منزله، فيُلحق عارًا به، وذلك ضمن قواعد حسن الضيافة المعمول بها آنذاك.

وقد لجأ إليه الزعيم الهندي غاندي احتجاجًا على الحكم البريطاني للهند تماشيًا مع ما كان يدعو إليه  من "المقاومة غير العنفية"، وقد صام بعضهم حتى الموت آنذاك، مثل جاتين داس.

في بداية القرن العشرين 1909، نفذت مجموعة من النساء في بريطانيا إضرابًا عن الطعام كنوع من الضغط على الحكومة البريطانية لإقرار حق المرأة في الاقتراع.

وقد عشنا مع الإضراب الفلسطيني الجماعي في 2012 الذي نفذه 1800 سجين فلسطيني في السجون الاسرائيلية لإرغام سلطات الاحتلال على تنفيذ مطالب محددة. كذلك الإضراب الشهير الذي نفذه الفلسطيني سامر العيساوي والذي استمر 275 يومًا.

وشهد السوريون العديد من حالات الإضراب عن الطعام خاصة في سجون نظام الهمج الأسدي. فقد أضرب عدد من السجناء السياسيين في سجن عدرا في دمشق عام 2009 ، ثم في العام 2011 والذي نفذه متظاهرون اعتقلوا في بدايات الثورة السورية.

كما نفذ سوريون في 11-4-2013 ما أسموه: "إضراب عن الطعام لأجل سوريا"، وهدفوا خلاله إلى فك  الحصار عن المدن المحاصرة وممارسة التجويع القسري بحق أهالي تلك المدن.

ونتذكر أيضًا أنه في 20 تشرين الأول/أكتوبر 2017 قام حوالي 500 سجينًا سياسيًا في سجن حمص المركزي بالإضراب عن الطعام. وكذلك في سجن حماه المركزي في 12-11-2018 بعد أن تم نقل 11 سجينًا منهم إلى سجن صيدنايا المعروف بـ"المسلخ البشري" وتم إعدامهم هناك، وكانت خشية سجناء حماه من تلقي المصير نفسه.

حملة الأمعاء الخاوية هي، حتى تاريخه، آخر الحملات التي يقوم بها سوريون، وهذه المرة للفت نظر العالم إلى مجزرة إدلب وريف حماه

وسوى ذلك الكثير من حالات الإضراب الفردي أو الجماعي نفذه سوريون لمطالب مختلفة.

اقرأ/ي أيضًا: بين الأيقونة والرمز.. عبد الباسط الساروت نموذجًا

حملة الأمعاء الخاوية هي، حتى تاريخه، آخر الحملات التي يقوم بها سوريون، وهذه المرة للفت نظر العالم إلى مجزرة إدلب وريف حماه.

وحيث إنه في العديد من الحالات ضمن هذه الحملة دخل مضربون فيها مرحلة الخطر على حياتهم وتم إدخالهم المشفى، وحتى لا تتهدّد الحملة برمتها ارتأى الناشطون في الحملة أن يتم الإضراب بالتتابع، كأن يُضرب أحدهم وبعد شعوره بالتعب وعدم القدرة على المتابعة يسلّم الإضراب لشخص آخر، ويقوم هذا بدوره بتسليم إضرابه لآخر وهكذا...

وقد انضم بعض الأشخاص من دول عربية أخرى كالجزائر، ومن دول أوروبية كإيطاليا، وكذلك من الولايات المتحدة، وألمانيا وغيرها... كنوع من التعاطف ومحاولة لفت نظر العالم الذي ثبت أنه يرى كل شيء لكنه لا يريد وقف المجزرة لأسباب سياسية واقتصادية وعسكرية وغيرها... لكنها بكل الحالات لا أخلاقية.

تُضاف هذه الحملة إلى الوسائل الكثيرة التي اتبعها السوريون في نضالهم ضد النظام البهيمي السوري وضد المحتلين الروس والإيرانيين بدءًا من الثورة السلمية إلى حمل السلاح إلى ما تبقى من وسائل نضالية وآخرها، حتى الآن حملة الأمعاء الخاوية.

الناطقة الرسمية باسم الحملة السيدة نسرين طرابلسي التي تواصل مع مجموعة إضرابها واعتصامها أمام مبنى رئاسة الوزراء في بريطانيا أكّدت أن تفاعل الناس الإيجابي والقوي مع الحملة منح المضربين طاقة الاستمرار ورفع مستوى الحماس لديهم. كما أكّدت أن العامل الأساسي الذي يعوّل المضربون عليه هو "طول البال، وطول النفس" لأن من يقف في صف الخصوم والأعداء "يعوّل على شعورنا بالملل" وأن هذا الأمر يجب ألا يكون، فالسوري يثبت أنه "لم ولن يمل" من التعبير عن قضيته بجميع الوسائل المتاحة. وأن النتيجة لا بد أن تظهر لكن ليس مباشرة، بل لا بد من بعض الزمن، ومن التحمّل. وتؤكد على أهمية وجدوى الاعتصامات والوقفات في الشوارع، وهذا ما تفعله مجموعات مختلفة من دول مختلفة كأوكرانيا وأرتريا وغيرها للتعبير عن قضاياها ، إذ ترى طرابلسي أنه لو لم يكن ثمة جدوى من ذلك لما استمر الناس باعتصاماتهم ووقفاتهم المنتظمة والمستمرة لأجل قضاياهم.

نعرف من التجارب التاريخية والراهنة أن لا نتيجة مباشرة يحصل عليها المضربون عن الطعام، لكن رغم ذلك لم يتوقف الناس عن ممارسة هذا التعبير الاحتجاجي. فالبريطانيون لم يغادروا الهند نتيجة إضراب غاندي، ولم تحصل المرأة البريطانية على حق التصويت نتيجة إضراب نساء عن الطعام، ولم يفرج النظام البهيمي السوري عن المعتقلين الذين أضربوا عن الطعام، إلى آخر سلسلة الإضرابات... إلا أن ذلك يندرج في إطار النضال التراكمي للشعوب حيث تلجأ إلى مختلف أشكال النضال والاحتجاجات خلال طريقها للحصول على حقوقها. وقد تكون الرسالة الأكثر وضوحًا لسياسة الإضراب هي لفت النظر إلى قضية المضربين، وهذه رسالة قوية لا يجب أن تُقابل ببث روح اللاجدوى.

"حملة الأمعاء الخاوية" هي مبادرة شعبية إنسانية، كما تصفها طرابلسي، وغير مرتبطة بأية جهة سياسية لا محلية ولا دولية ولا بأي شكل كان، ولا بأية منظمة مهما كانت، هي مستقلة وذاتية التطوع ولا تمثيل لها. وما يمنحها صدقها أن لا مكاسب شخصية يطمح المضربون بالحصول عليها، بل هم يهدرون صحتهم ووقتهم تعبيرًا عن قضية عامة وطنية.

انتفاء الرعاية السياسية عن هذه الحملة، والمقصود رعاية الهيئات السياسية التي تزعم تمثيلها للشعب السوري وثورته والتي فقدت كل صلة لها بالشعب السوري وتطلعاته هي أحد الأسباب التي تحث السوريين على المشاركة فيها وتشجيعها والتضامن معها لبراءتها من شوائب تلك الهيئات، ولصدقها في التعبير، ولذاتيتها من حيث تطوعية المشاركة فيها وحتى التضامن معها.

"حملة الأمعاء الخاوية" هي مبادرة شعبية إنسانية غير مرتبطة بأية جهة سياسية لا محلية ولا دولية ولا بأي شكل كان

الناطقة باسم الحملة السيدة نسرين طرابلسي أفادت بأن العديد من الناشطين في مختلف الدول الأوروبية يسعون للحصول على تراخيص للوقوف والاعتصام في الشوراع لتكتسب الحملة مزيدًا من الانتشار ومن الحضور الإعلامي، فهي ترى أنه يتوجب علينا كسوريين أن "نعرف كيف نطرق الأبواب ونتواصل مع ذوي العلاقة وكذلك مع المنظمات الإنسانية" لإيصال معاناة السوريين والضغط باتجاه  حلها.

اقرأ/ي أيضًا: "سلاح" السلمية بين سوريا والجزائر

قد تكون هذه الحملة خطوة باتجاه المزيد من نشاطات أخرى يمكن أن يقوم بها سوريون لإعادة مأساتهم وثورتهم إلى واجهة الخطاب السياسي في العالم بعد أن تراجعت وتراجع انخراط بعض السوريين على نحو مزر في قضيتهم نتيجة عوامل يعرفها الكثيرون، أدت إلى نوع من الإحباط والشعور باللاجدوى وأن مصيرهم متروك بيد دول إقليمية ودولية. وقد تكون بداية للشروع، وهذه أمنية شخصية، بعودة السوريين للعمل السياسي عوضًا عن إبقاء هذا العمل المهم بإيدي الهيئات السياسية الحالية الفاشلة بكل المقاييس من جانب، ومن جانب آخر كي يعود السوريون إلى زمام المبادرة، وهذا بحاجة لعمل سياسي منظم ومتواصل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجذر الروحي للتعفيش

أوهام تصريف العنف الطائفي في خطاب السلطة الأسدية