11-أغسطس-2016

جون كيري في مؤتمر إعلان الضربات الأمريكية ضد داعش في ليبيا (Getty)

كان من المنتظر أن تطلب حكومة الوفاق الوطني الليبي دعمًا عسكريًا أجنبيًا منذ بداية السنة، خاصّة وأن من أسباب تسريع تركيزها قبل إتمام التوافقات السياسية في البرلمان هو العامل العسكري في البلاد حينما أعلنت الحكومة الحرب ضد تنظيم الدولة في سرت، غير أنه بالنهاية جاء هذا الطّلب الموجه للولايات المتحدة بمضمون غير مفاجئ ولكنه يحمل دلالات عميقة.

مشكلة السراج مع القوات الفرنسية أنها تقاتل إلى جانب غريمه خليفة حفتر، إضافة لذلك لا تستهدف تنظيم الدولة بل مجموعات عسكرية محلية في بنغازي 

رفض صريح للتدخل الفرنسي

قدّمت حكومة الوفاق الوطني طلب الدعم من الولايات المتحدة بعد أيام قليلة من إدانة ذات الحكومة للغارات الفرنسية الجارية في بنغازي شرق البلاد، حيث تحدثت في هذا الجانب عن "استياء" و"تدخل فرنسي مرفوض"، كما لم تتردد في استدعاء السفير الفرنسي لتقديم توضيح وهو ما تمّ فعلًا في نواكشوط ضمن أشغال القمة العربية حينما التقى السراج بالسفير الفرنسي في ليبيا.

في الواقع مشكلة حكومة السراج ليست في وجود قوات أجنبية في ليبيا بدون إذن حكومته، فهذه القوات متواجدة منذ ما قبل مجيئه في شرق البلاد وحتى في غربها، ولا يملك السراج من الثقل السياسي والعسكري في البلاد وخارجها بما يسمح له أن يرفض وجود هذه القوات التي منحت بلدانها الشرعية لحكومته أمام العالم.

اقرأ/ي أيضًا: أردوغان في روسيا..رسالة للغرب

مشكلة السراج مع القوات الفرنسية أنها تقاتل إلى جانب غريمه خليفة حفتر، إضافة لذلك لا تستهدف تنظيم الدولة بل مجموعات عسكرية محلية في بنغازي تواجه في قوات حفتر منذ أكثر من سنتين. هو يعلم بوجود هذه القوات منذ أشهر ولكن لم يمكن له أن يعلن موقفه رسميًا منها إلا بعد إعلان فرنسا بنفسها عن وجودها بعد مقتل ثلاثة جنود لها. وهي فرصة كذلك استغلتها حكومة السراج لتتحدث عن "حرمة التراب الليبي" وذلك لترفع أسهمها في الشارع الليبي الذي ينظر لحكومة الوفاق بريبة إذ يصفها معارضوها بأنها "حكومة الوصاية الدولية".

بالنهاية ظهر الفرنسيون في موقف محرج سياسيًا سواء في الداخل الليبي حينما اندلعت تظاهرات عارمة ضدهم في العاصمة طرابلس، وكذلك في الداخل الفرنسي الذي قد يتساءل عن شرعية وجود قوات بلاده في دولة أجنبية دون الحصول على موافقتها.

في هذا الجانب، يجيء الحديث عن المسألة القانونية حيث بات السؤال، ما هو الأساس القانوني لمشاركة القوات الفرنسية في النزاع المسلح دون وجود تفويض أممي أو طلب من الحكومة المعترف بها دوليًا؟

في الواقع لا تزعج المسألة القانونية الفرنسيين لثانوية هذه المسألة لحساب المسألة السياسية الصرفة، وهذا ما يجد تأكيده داخل ليبيا نفسها، حيث بات القضاء أداة بيد الخصوم حتى فقد القانون شرعيته وقوته في فوضى لا صوت يعلو فيها إلا لقانون القوة. فلا تكترث الدول الغربية كثيرًا للجانب القانوني في ظل صراع الشرعيات، بين شرعية حكومة الشرق التي تم سحبها بداية هذه السنة لصالح حكومة السراج. من يمنح الشرعية بالنهاية؟ المجتمع الدولي وليس الليبيون الذي يدعي كل فريق فيهم بأنه هو حامل لواء الشرعية. من يمنع أن تراهن الدول الغربية على الجميع وأن تساعد المتخاصمين عسكريًا في الشرق والغرب؟

بين الأمريكيين والأوروبيين، صراع تقليدي حول النفوذ

لماذا طلبت حكومة السراج دعمًا من الولايات المتحدة، أو على عكس السؤال، لماذا بادرت الولايات المتحدة بتقديم الدعم العسكري الجوي في سرت دون بقية الفاعلين الأوروبيين وخاصة فرنسا وإيطاليا؟ هل يتعلق الأمر بخيار ليبي صرف من حكومة الوفاق، أم هو نتاج تنسيق سابق بين الحلفاء الدوليين فيما بينهم؟

مازالت الصورة غير واضحة. أعلنت إيطاليا من جهتها فتح أجوائها للمقاتلات الأمريكية، ورحّبت فرنسا بالضربات الأمريكية في سرت.

في خفايا كل ذلك، يكون الحديث عن الصراع بين الأمريكيين والأوروبيين حول النفوذ في ليبيا وهو ليس وليد اللحظة، بل صراع تقليدي، غير أنه يجد تمظهره بشدّة في الفترة الأخيرة عبر الطلب الليبي الأخير. حيث يعاني الأوروبيون كثيرًا في الفترة الماضية، ولا يعني تصويت البريطانيين للانسحاب من الاتحاد القارّي إلا مزيدًا من تحجيم النفوذ السياسي والعسكري للاتحاد عمومًا وفي ليبيا خصوصًا بالنظر للدور البريطاني الفاعل سواء على المستوى السياسي أو المستوى العسكري غير المعلن عنه.

استطاع الأمريكيون فرض أنفسهم كشريك أساسي لكل القوى السياسية الليبية بمختلف توجهاتها، حيث تنظر الولايات المتحدة لليبيا كمنطقة نفوذ استراتيجي 

اقرأ/ي أيضًا: حلب..الشرقية تلتقي بالغربية

وزادت معاناة الأوروبيين الشهر الماضي مع فشلهم في بلورة توافق حول إطلاق المرحلة الثالثة من عملية صوفيا البحرية التي انطلقت منذ يونيو/حزيران 2015 لمواجهة الهجرة غير الشرعية وكذلك حول تمويل تدريب خفر السواحل في ليبيا.

تمثل حاليا البعثة يوبام-ليبيا الإطار الذي يعمل فيه الأوروبيون في ليبيا تحديدًا ما يتعلق بمسألة مراقبة الحدود وهي بعثة بالكاد لعبت دورًا فاعلًا، وقد تم إنهاء مهمة رئيستها في الفترة الأخيرة. قبل أيام، قرر الاتحاد الأوروبي التمديد لهذه البعثة التي تنشط أساسًا من تونس بسنة وذلك إلى غاية صيف 2017 بعد تمديد بداية السنة الجارية بستة أشهر. وتم رصد ميزانية بقيمة 17 مليون يورو بزيادة هامة عن الموازنة السابقة، وربّما بذلك يريد الأوروبيون تدارك ضعف أداء البعثة ومحدودية تأثيرها على مجريات الأزمة الليبية عبر تعزيز إمكانياتها.

من جانب آخر، لم يتردّد الأمريكيون في الاستجابة لطلب حكومة السراج بل إنه قد لا يكون إعلان الطلب للعموم إلا جزءًا من عملية منسقة مسبقًا، حيث سارعت المقاتلات الأمريكية لتوجيه ضربات لتنظيم الدولة في سرت بعد ساعات قليلة من توجيه الطلب.

يواجه الاتحاد الأوروبي صعوبات كثيرة لإثبات فاعليته في الساحة الليبية، منها ما يعود كذلك للصراع بين فرنسا وإيطاليا حول النفوذ الاقتصادي خاصة في مجال النفط، كما قد اختلفت البلدان بخصوص شن عملية عسكرية دولية بداية هذه السنة وصيغتها، حيث شكك الإيطاليون في نجاعة هكذا عملية تحمّست لها فرنسا.

استطاع الأمريكيون حاليًا فرض أنفسهم كشريك أساسي لكل القوى السياسية الليبية بمختلف توجهاتها، حيث تنظر الولايات المتحدة لليبيا كمنطقة نفوذ استراتيجي خاصة بالنظر للموقع الليبي الذي يمثل جسرًا بين شرق المجال العربي وغربه من جهة، وبين منطقة الساحل وجنوب الصحراء وأوروبا من جهة أخرى. فيما تخشى أوروبا في الوقت الراهن أكثر مما مضى خسارة نفوذها التاريخي في ليبيا التي منها تواجه حاليًا أهمّ خطرين على أمنها القومي هما الإرهاب والهجرة غير الشرعية.

اقرأ/ي أيضًا: 

النازحون في العراق..مخيمات الموت المهملة

2016..النظرية التي تفسر عامًا سيئًا للغاية