24-أغسطس-2015

غرافيتي لـ(توني موريسون) في نيويورك

يعتقد معظم القراء العرب، ومعهم الكثير من الكتاب والمثقفين والنقاد وعتاولة التنظير للحداثة وما بعدها، أن حرية الكتابة والتعبير الإبداعي في الغرب، أو في الولايات المتحدة مثلًا، هي حرية بلا حدود، بحيث يمكن للمؤلف التعبير، ضمن سياقات أعمالهم الدرامية أو التوثيقية، بما تمليه عليه قريحته دون مراعاة للنظم الاجتماعية والأخلاقية والسياسية.

تمارس مؤسسات المجتمع المدني في أمريكا سطوة رقابية لا مثيل لها

وينتاب المتابع لتصريحات أفراد تلك الجوقة، من الكتّاب و"المثقفين" و"المبدعين"، شعور عميق بأنهم يتلطون وراء شعار "الحرية الإبداعية بلا حدود" لإخفاء إخفاقاتهم وتحميل مسؤولية فشلهم للمؤسسات الرقابية في العالم العربي، الذي ما يزال بنظرهم متخلفًا وعاجزًا عن مجاراة الركب الحضاري. يا للتعبير!

وبمعزل عن هذه الظاهرة وذيولها، تشير الحقائق والوقائع الفعلية إلى أن آليات "الرقابة" على الإنتاجات الفكرية والإبداعية، هي آليات متجذرة في معظم الثقافات والمجتمعات الإنسانية، بما فيها المجتمعات الحديثة في الغربين الأوربي والأمريكي.

اقرأ/ي أيضًا: مكتبات الآخرين

صحيح أنه لا توجد في الولايات المتحدة، مثلًا، هيئات رقابية تتبع المؤسسات الثقافية والإعلامية الرسمية كما هو الحال في البلاد العربية، ولكن الصحيح أيضًا أن مؤسسات المجتمع المدني، بكافة أطيافها، الثقافية والاجتماعية والدينية والحقوقية.. إلخ، تمارس سطوة رقابية لا مثيل لها، تمنع بموجبها نشر الكتب وبيعها في المكتبات وتدريسها ضمن المناهج التعليمية، وقد يصل الأمر.. إلى حد محاكمة بعض الكتب وإحراقها على الملأ. وبتأثير رقابة مؤسسات المجتمع المدني، تم منع مئات الكتب في بلاد العم سام وحظر نشرها وتدريسها وعرضها في المكتبات العامة.

وتنشر في الولايات المتحدة سنويًا قائمة بعناوين الكتب الممنوعة التي تتجاوز الحدود المسموحة بها، من حيث لغتها ومواضيعها. بمعنى أن الكتب أن التي تستخدم التعابير البذيئة والعنصرية، والتي تدور مواضيها حول قضايا جنسية أو أخلاقية أو سياسية تخدش الحياء والذوق العام، ستجد من يطالب بحظرها وسحبها من المدارس والمكتبات العامة والأسواق.

وفي هذا السياق، صدرت في العام 2014 لائحة بعناوين الكتب الأكثر عرضة للمنع، من بينها على سبيل المثال رواية "العيون الأكثر زرقة" للروائية الأميركية السوداء توني موريسون، وكتاب "إنه طبيعي بشكل تام" لروبي هاريس، و"حياة مسروقة" لجايسي دوغارد، وغيرها.

من أشهر الروايات الكلاسيكية المطالب بمنعها، رواية "عوليس" لجيمس جويس، ورواية "آيات شيطانية" لسلمان رشدي، ورواية "محبوب" لتوني موريسون، ورواية "اللون البنفسجي" لأليس والكر

وتنوعت الأسباب الموجبة للمنع كتب تلك القائمة التي ضمت عشرة عناوين، بين استخدام التعابير البذيئة والإباحية والتعابير العنيفة والعنصرية، إضافة إلى التشكيك بالقيم العائلية والاجتماعية والتشجيع على التهتك والشذوذ الجنسي والتعرض للقيم الدينية.

ولعل من أشهر الروايات الكلاسيكية المطالب بمنعها، رواية "عوليس" لجيمس جويس، ورواية "آيات شيطانية" لسلمان رشدي، ورواية "محبوب" لتوني موريسون، ورواية "اللون البنفسجي" لأليس والكر.

وتجدر الإشارة إلى أن المطالب والممارسات الرقابية من قبل بعض مؤسسات المجتمع المدني لا تنجح دوما في الوصول إلى مآربها، فضلًا عن أنها تصطدم بمناوأة فئات أخرى تدعم حرية الكتابة والتعبير. وفي هذا المضمار تحيي منظمة "جمعية المكتبات الأميركية" أسبوعًا ثقافيًا في الأسبوع الأخير من شهر آب/أغسطس في كل عام، يشمل أنشطة وفعاليات في كامل أنحاء البلاد بغية التعريف بالكتب التي تتعرض لمحنة الرقابة، وتقوم بقراءة مقاطع من تلك الكتب أمام الجمهور.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الكتب التي يعشقها الدكتاتور

عنصرية أمريكا البيضاء.. غواية هتلر