14-يناير-2019

دخلت الاحتجاجات في السودان إلى مراحل حاسمة (تويتر)

بدا هذا الأسبوع حافلًا بالتطورات المهمة على الصعيد السوداني، حيث دخلت الانتفاضة أسبوعها الأكثر سخونة، وشهد يوم الأحد، أو ما عرف بموكب الرحيل الخامس تدافعًا كبيرًا من قبل الثوار في منطقة بحري شمال الخرطوم، وبدا الإنهاك واضحًا على قوات الأمن والشرطة السودانية في مواجهة المحتجين، الذين آثروا الصمود، وتطوير وسائل التصدي للقمع.

تصاعدت التظاهرات في أماكن عديدة في العاصمة السودانية إلى درجة دخلت فيها إلى تفاصيل الحياة اليومية، ومجمل معيش السودانيين

تصاعدت التظاهرات في أماكن أخرى في العاصمة السودانية إلى درجة دخلت فيها إلى تفاصيل الحياة اليومية، كما وصفها البعض، وهذا يعني وفقًا لمراقبين أن الاحتجاجات مستمرة، رغم التعتيم الإعلامي عليها، وممارسة العالم للفرجة، حيث لم تعلن أي دولة بعد مساندتها لمطالب المحتجين، أو حتى دعم حكومة البشير المأزومة اقتصاديًا وسياسيًا.

اقرأ/ي أيضًا: عام الثورة على المأساة في السودان

تصدع جدار الحركات الإسلامية

بدا التصدع يتسع بشكل لافت في جدار الحركات الإسلامية، الذين تفرقوا ما بين الحكومة والمعارضة والرصيف، وفي الوقت الذي اختار شيوخ الحركة الإسلامية دعم النظام الحاكم وتعديل سلوكه السياسي بهدف تحقيق الإصلاح، اختارت مجموعة أخرى بقيادة الدكتور غازي صلاح الدين وآخرين الالتحام مع الشارع إلى حين إسقاط النظام، الذي أصبح نموذجًا للاستبداد والدكتاتورية، حسب وصفهم، بينما اختارت المجموعة الثالثة الجلوس على الرصيف وترقب ما ستسفر عنه الأيام.

أما المؤتمر الشعبي الذي كان يتزعمه عرّاب الحركة الإسلامية السودانية الدكتور الراحل حسن الترابي، فقد اختار المشاركة الرمزية في السلطة، والضغط عليها في نفس الوقت للقبول بالتحول الديمقراطي، لكن تطورات الانتفاضة السودانية أحدثت انقسامًا حادًا داخله، واختار معظم شباب الشعبي المشاركة في الاحتجاجات وتعرض بعضهم للضرب والقنص، بينما شهد الحزب اليوم الإثنين استقالة عشرات الشباب من صفوفه بسبب ما وصفوه بالتواطؤ مع الحكومة التي تمارس العنف والقتل بحق المتظاهرين سلميًا.

فيما قال بيان صادر عن المجموعة المستقيلة تلقى "ألترا صوت" نسخة منه، إنه "ما كان لنا، ولكثير من عضوية الشعبي من مختلف الفئات، أن نتأخر عن ثورة الشعب في وجه الطغيان والفساد والفشل، وما كُنا لنقف مكتوفي الأيدي ودماء إخوتنا تسيل في الشوارع ومستقبل الشعب والبلد تهدده عُصبة من الفاشلين الفاسدين لا تهمهم سوى مصالحهم الضيقة"، على حد وصف البيان، الذي اعتبر أيضًا أن قيادة الشعبي أصرت على المواصلة في خط الحوار والمشاركة مع النظام رغم عدم التزامه الكامل بمخرجات الحوار، والإنكار والتخوين والقمع الذي يواجه به ثورة الشعب السلمية.

قم يا عبد الحي واخرج فينا

ولعل يوم الجمعة الماضية كان أيضًا بمثابة جرس إنذار للحكومة التي تسيطر على المنابر الدينية، وتقوم بتجييرها في الغالب لخدمة خطابها السياسي، إلا أن العديد من أئمة المساجد صدحوا بآرائهم المؤيدة لمطالب المحتجين، وتحريم قتل المتظاهرين والتعامل معهم بالعنف المفرط، وكان مسجد الشيخ عبد الحي يوسف مركزًا لانطلاق تظاهرة بعد صلاة الجمعة، حيث وقف أحد أنصار الشيخ عقب الخطبة، وهو يهتف بعبارة "قم يا عبد الحي واخرج فينا للشارع"، وقد أصبحت تلك العبارة وسمًا جديدًا في مواقع التواصل الاجتماعي، يحث أنصار الجماعات السلفية للخروج على النظام، وقد أعقب ذلك هتافات على شاكلة "تسقط بس"، وخرج المصلون أيضًا يهتفون بسقوط النظام في مسجد عبد الحي ومسجد الأنصار في ود نوباوي ومساجد أخرى.

اقتحام المنازل عنوة

تحولت مدينة بحري نهاية نهار الأحد إلى ألسنة متصاعدة من الدخان، وأفشل المتظاهرون الخُطة الأمنية بالسيطرة على الشوارع الرئيسية، وانتقلت التظاهرت داخل الأحياء إلى وقت متأخر من الليل، وأضرم المتظاهرون النار في إطارات السيارات، وأغلقوا مداخل الأحياء بالحجارة لمنع عربات الأمن والشرطة من التوغل، بينما رصدت كاميرات الناشطين اقتحام للمنازل وضرب المتظاهرين بالهروات، واعتقال العشرات وترحيلهم إلى المعتقلات، من قبل جنود ملثمين خشية توثيق تلك الانتهاكات بالصور والأسماء كما يبدو.

بينما طوال اليوم ظلت الهتافات في بحري وبعض أحياء الخرطوم تتصاعد، ما بين "تسقط بس" شعار الثوار حاليًا، والذي يعني سقوط النظام دون مجال للمناورة، وآخرون عزفوا السلام الجمهوري، وشكلت النساء صورة ملحمية بارزة من خلال تقدم الصفوف، وبدا الخيال السوداني مواكبًا لروح الثورة، حيث تحولت علب البمبان الفارغ إلى أصيص للزينة توضع فيها الزهور بطريقة جمالية.

من أطلق الرصاص؟

على صعيد قتل المتظاهرين والجهات التي تقوم بإطلاق الرصاص، نفت الأجهزة النظامية قيامها بذلك، وشكلت الحكومة لجنة مختصة بالتحقيق في تداعيات الاحتجاجات التي تشهدها مدن سودانية، وأعلنت اللجنة ارتفاع القتلى الى 24 شخصًا، وناشدت النيابة العامة المواطنين بضرورة التعاون والتقدم بشاهداتهم والإدلاء بأي معلومات تساعد في التحقيقات الجارية بشأن الجناة. لكن منظمات حقوقية وأحزاب معارضة قدمت أرقامًا أخرى للضحايا، تقارب الـ40 شخصًا جميعهم قتلوا بالرصاص الحي.

بدا التصدع يتسع بشكل لافت في جدار الحركات  الإسلامية السودانية، الذين تفرقوا ما بين الحكومة والمعارضة والرصيف

من جهته أعلن تجمع المهنيين السودانيين الذي يضم قوى سياسية وشبابية معارضة مواصلة الاحتجاجات في كل مدن السودان، والاستعداد لدخول مرحلة حاسمة بالتحول إلى تنفيذ العصيان المدني الشامل، داعيًا لإحياء احتجاجات ليلية في اثنتين من المناطق المكتظة بالعاصمة الخرطوم، على أن يتوجه موكب جديد ظهر الخميس المقبل صوب القصر الرئاسي. وأوضح بيان لتجمع المهنيين أن الخطوة القادمة "هي الحاسمة "وأن الطريق إلى "الإضراب الشامل أصبح معبدًا". فيما نفذت عشرات الصيدليات في السودان، السبت، إضرابًا جزئيًا عن العمل منذ العاشرة صباحًا حتى الرابعة عصرًا، مع مواصلة العمل في صيدليات الطوارئ، انحيازًا للاحتجاجات الشعبية، وأعلن أيضًا تجمع الجراحين السودانيين إمهاله للحكومة (24) ساعة انتهت اليوم، لإطلاق سراح الأطباء المعتقلين، أو أنه سيلجأ إلى خيار آخر، لم يحدد طبيعته.

اقرأ/ي أيضًا: جمعة الغضب في السودان.. السلطة تقمع والشعب يواصل احتجاجه

البشير بـ"ديكور" شبابي

توقف الرئيس البشير عن الحديث منذ نهاية الأسبوع الماضي، لكنه عاد اليوم الإثنين، وزار ولاية جنوب دارفور مخاطبًا الحشود الجماهيرية، التي انقسمت الهتافات فيها بين "تسقط بس وتقعد بس". وقال البشير إن التظاهرات الحالية لن تسقط الحكومة، مضيفًا أن "السودان سيبقى موحدًا وآمنًا ومستقرًا رغم كل المشاكل، وهناك مشكلة اقتصادية وسنعمل على حلها". والأحد، سجل الرئيس زيارة إلى مقر قوات الدعم السريع التي تقاتل في اليمن، وكانت الزيارة خاطفة، أشبه بتحسس المخاوف العسكرية المناوئة، وظهر البشير في مدينة نيالا صباح اليوم وهو يرتدي زيًا غير رسمي، ليبدو أكثر شبابًا، في رسالة لهذا الجيل تحديدًا الذي يقود المقاومة بشراسة، معتبرًا في ذات خطابه الجماهيري أن المستقبل للشباب.

العالم يترقب

 حتى الآن، لم تعلن دولة خارجية دعمها لمطالب المحتجين، وإن كانت القنوات الفضائية الغربية انتبهت مؤخرًا لتظاهرات السودان، وأصبحت تركز عليها في نشراتها وتغطياتها الإخبارية بشكل موسع، ولعل أولى الدول التي أعلنت دعمها لنظام البشير هي مصر، التي تحاشى إعلامها التعرض لمظاهرت السودان بأي صورة يفهم منها تأييد الاحتجاج، بجانب المحور السعودي والإماراتي الذي يعتبر الرئيس البشير حليفًا له. وفي السياق عينه، أشار موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، إلى أن الاحتجاجات التي يشهدها السودان رغم تصاعدها ضد الرئيس عمر البشير، فإن قوى إقليمية تقف إلى جانب نظامه خشية أن يأتيها الدور هي الأخرى، وأضاف الموقع أن دول السعودية والصين والولايات المتحدة، ترى جميعها مصلحة في بقاء الرئيس البشير في السلطة، كاشفًا عن حكومات عربية قال إنها "سارعت إلى تقديم الدعم، في ظل الحرص على تجنب أي تكرار لثورات الربيع العربي التي هزت المنطقة عام 2011".

مطاردة عطا

وبسبب تعرضه للعديد من المضائقات في واشنطن، واتهامه بالمشاركة في قتل المتظاهرين، ومناصرة الحكومة الحالية أبدا السفير السوداني في أمريكا ومدير جهاز الأمن والمخابرات السابق، محمد عطا، حالة من الضيق إزاء تكرر المضايقات وتصويره أثناء جولاته في محاولة لاستفزازه، ووصف عطاء في تصريحات صحفية ما يتعرض له بـ"الحركات الصبيانية، التي تريد أن تقيد حركته، قائلًا: "لن يستطيعوا، وأنا كممثل لبلادي هنا في واشنطن أدعم الحكومة في الخرطوم ورئيسها البشير وأدافع عنها وأتواصل مع المجتمع الأمريكي وأتواصل مع السودانيين هنا، لن أغيب عن أفراحهم وأتراحهم"، مشيرًا إلى أنه لن يتوقف عن المشاركة في المناسبات الرسمية والشعبية في واشنطن ولن ينزوي، وأن "رسالتي الكبرى التي حضرت من أجلها هي تطبيع العلاقات ورفع اسم السودان من القائمة اللعينة وسيحدث بإذن الله".