13-أغسطس-2019

الروائية والشاعرة الأمريكية أليس ووكر

لم تعد الروائية والشاعرة الأمريكية أليس ووكر غريبة على القرّاء العرب. فعدا عن أعمالها المترجمة إلى اللغة العربية، تُعرف ووكر بسلوكها مسارًا عكس ذلك المكرّس والسائد في بلادها لجهة التضامن مع الفلسطينيين أولًا، واعتبار دولة الاحتلال الإسرائيلي كيانًا عنصريًا واستيطانيًا قائمًا على الإجرام وسفك الدماء ثانيًا.

تعتبر أليس ووكر دولة الاحتلال الإسرائيلي كيانًا عنصريًا واستيطانيًا قائمًا على الإجرام وسفك الدماء

كرّست ووكر مواقفها هذه بسفرها إلى قطاع غزة عام 2009 برفقةٍ عددٍ من الناشطين، مُعبّرةً عن رفضها لحصاره، الأمر الذي أثار انزعاج مؤيدي الكيان، ومجموعات الضغط التي سارعت إلى تشويه صورة الكاتبة، واتّهامها بـ "معاداة السامية".

اقرأ/ي أيضًا: أليس ووكر في رواية "اللون الأرجواني".. نُدوب من الداخل والخارج

قبل أسابيع، أصدرت "دار المدى" ثلاثة كتب دفعة واحدة لأليس ووكر، وهي: "لن تنتهي عزيمة امرأة طيبة" (قصص قصيرة) ترجمة حنان الشخف. و"معبد تابعتي" (رواية) ترجمة وائل أحمد البحري. و"مريديان" (رواية) ترجمة سيزار كبيبو. ليكون الأمر أشبه باحتفاءٍ بووكر التي سبق وأن نُقلت لها إلى لغة الضاد روايتين عن الدار نفسها؛ "امتلاك سرّ البهجة"، و"اللون أرجواني".

تتّخذ أليس ووكر من اسم بطلتها "مريديان" عنوانًا لروايتها التي تبدأ أحداثها مطلع الستينيات وتمتدّ حتّى نهاية السبعينيات. تبدأ ووكر أولًا في تحديد ملامح وسلوك بطلتها، لنعرف أنّها فائقة الذكاء ولكنّها في المقابل لا تولي اهتمامًا لأي شيءٍ من حولها، باستثناء النجاة من تحرّشات الرجال المستمرّة. هكذا، ستتورّط مريديان في علاقةٍ جنسية مع شاب لا يعني لها شيئًا، تهبهُ جسدها مقابل حمايتها ووضع حدٍّ لمعاناتها مع التحرّش، ولكنّها بعد فترةٍ زمنية قصيرة تجد نفسها أمام واقعٍ جديد لن تكون قادرةً على التعامل بالشكل الصحيح.

سينتفخ بطنها شيئًا فشيئًا، وتضطّر لترك المدرسة بعد اثبات حملها، واستعدادًا لزواجها من الشاب الذي تعهّد بحمايتها، والد الطفل الذي ينمو في أحشائها لتوّه. ستفكّر في طريقةٍ لقتل الطفل، قبل أن يقرّر زوجها هجرها بسبب إهمالها لنفسها، وأمور الجنس ومتطلّبات الحياة الزوجية، وفشلها في بناء أسرة، وفشله هو في المقابل في تغيير طباعها.

تنزاح الغشاوة مع الوقت عن عيني مريديان، وتتبدّل طباعها بشكلٍ مفاجئ، لا سيما حينما تشاهد في التلفاز خبرًا عن تفجير منزلٍ يرتاده البيض والسود. ستذهب في الأيام التالية للتفجير إلى المنزل نفسه، لتجد فيه ثلاثة شبّانٍ تطلب منهم العمل كمتطوعة معهم، لتكون خطوتها الأولى في عالم الحركات الحقوقية المدنية التي تصبح عضوًا في إحداها، تعمل وتتظاهر وتوطدّ علاقتها بواحدٍ من الشبّان الثلاثة الذين التقتهم في المنزل، وتعتقل مرارًا وتكرارًا بسبب نشاطها هذا.

تزامنًا مع التبدّلات الكبيرة التي طرأت على نمط حياتها، وخروجها من عزلتها أيضًا، ستحصل مريديان على فرصة لإكمال دراستها الجامعية، من خلال منحة دراسية قدّمتها لها عائلة بيضاء ميسورة الحال. ولكنّها في المقابل ستتخلّى عن ابنها لضمان الحصول على المنحة التي تشترط على المتقدّمين إليها أن يكونوا عازبين. ستلجئ مريديان إلى والدتها أولًا لعلّها ترعى حفيدها، قبل أن تتبنّاه إحدى العائلات بعد رفض الجدّة له، لتدخل الأم في حالة مرضية مزمنة بفعل ابتعاد طفلها عنها، وانقطاع أخباره.

تتّخذ أليس ووكر من اسم بطلتها "مريديان" عنوانًا لروايتها التي تبدأ أحداثها مطلع الستينيات وتمتدّ حتّى نهاية السبعينيات

تتابع بطلة الرواية نشاطها الحركي داخل الجامعة لعلّ ذلك يساعدها في الخروج من تلك الحالات المرضية، إلّا أنّها ستصطدم بزملائها حين يطلبون منها أن تقتل لأجل ثورتهم، وتمارس العنف كذلك لتحقيق أهدافها. سترفض مريديان الأمر، وتحاول تغيير أفكار زملائها، وحثّهم على عدم الانجرار نحو العنف، قبل أن تصير منبوذةً داخل الحركة، وينفضّ عنها جميع من كانوا في الأمس حولها، بما في ذلك صديقها.

مقطع من الرواية

لم تجرؤ مريديان على قطع العهود من قبل واعتبرت هذا قاعدة خشية أن يدفعها حدث غير متوقع إلى نقضها. حتى العهد الذي تقطعه على نفسها كان يدفعها للارتجاف المترافق مع حسن النيّة. لم يكن عهدًا باطلًا؛ ومع ذلك، لو أنّ أحدًا طلب منها شرح قصدها بالضبط لما باحت بشيء. وبالتأكيد فإنّ التباهي بهذه القدرة الجديدة على القتل-التي لم تكن معجبة بها برغم كل شيء-سيكون من أجل تحطيم الفهم الذي اكتسبته معه. أي أنه حتى التفكّر بالقتل يتطلب دقة هائلة كما يتطلب عملًا روحيًا خارقًا، ويجب أن تكون الخلفية الثقافية مناسبة والظروف الراهنة مواتية. فقط في الكنيسة وهي محاطة بالأوصياء الصالحين حماة ذكريات الناس تمكنت من استيعاب مفهوم القتل الثأري. وسط الأتقياء فقط، يمكن لهذه الفكرة أن تبعث على الراحة والسمو.

إخلاص مريديان لعهدها لم يصمد طويلًا، كانت تفقده أحيانًا بشكل تام. ثمّ فكرت: لقد أُتيحت لي رؤية انبثاق وتبلور القدرة الجديدة على فعل أي شيء، بما في ذلك القتل، في سبيل حريتنا-على خلفية حوادث عنف منفصلة-لكنني لم أصل بعد إلى نقطة القدرة على قتل أحد بيدي-باستثناء النوبات الكاذبة التي تجتاحني في فترات الحزن والغضب-ولن أصل أبدًا. أنا فاشلة إذًا، تمامًا مثلما كانت فئة آن-ماريون الثورية ومن لفّ لفيفها. (على الرغم من أنها لم تسمع بأي شيء ثوري فعلته هذه المجموعة منذ تركتهم قبل عشرة أشهر صيف. أصبحت آن-ماريون كما تناهى إلى مسامعها، شاعرة ذائعة الصيت تكتب قصائد تدور حول ولديها، وجودة الضوء الذي يغمر بحيرة تملكها).

 

اقرأ/ي أيضًا:

قصة وثلاث قصائد

ريم غنايم.. الزنوجة بلسانٍ عربيٍ فصيح