أعلن الحوثيون أنهم رصدوا نحو ألف غارة شنتها المقاتلات الأميركية منذ الخامس عشر من آذار/مارس الماضي. وقد تزامن هذا الإعلان مع إصدار الأمم المتحدة تقريرًا أكّدت فيه أن الغارات الأميركية تُفاقم تدهور الوضع الإنساني في اليمن.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أصدر أوامر ببدء حملة عسكرية ضد الحوثيين، متهمًا الجماعة بتهديد حركة الملاحة والسفن التجارية في البحر الأحمر وباب المندب. وفي وقت لاحق، تعهّد ترامب بالقضاء على الحوثيين، محذرًا إيران من مواصلة تقديم الدعم لهم.
ومنذ ذلك التهديد، كثّفت القوات الأميركية في المنطقة عمليات القصف على المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، في ظل تصاعد التوقعات بعملية برية وشيكة تهدف إلى إسقاط سلطتهم في شمال وغرب اليمن. ومن شأن هذا السيناريو، إن تحقق، أن يعيد إشعال الحرب التي خفتت نسبيًا في الفترة الأخيرة، بما يحمله ذلك من كلفة إنسانية باهظة سيدفع ثمنها المدنيون، قتلًا وتجويعًا ونزوحًا.
شنت القوات الأميركية نحو ألف غارة على المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في غضون فترة لا تصل إلى 40 يومًا
وكان وزير الخارجية في الحكومة التابعة للحوثيين، قد حذّر في رسالة وجّهها لرئيس مجلس حقوق الانسان والمفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ورئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، ورئيس مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة، من التداعيات الخطيرة لأي عملية برية في اليمن بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في المنطقة والفصائل الداعمة للحكومة المعترف بها دوليًا.
وقد أدت الغارات الأميركية، منذ الخامس عشر من آذار/مارس الجاري، إلى سقوط 217 قتيلًا في صفوف المدنيين، بالإضافة لإصابة 436 آخرين، وفقًا لإحصائية جمعتها وكالة الأناضول. مع الإشارة إلى أنّ تلك الإحصائية لا تشمل القتلى من المسلحين.
نحو ألف غارة أميركية
قال وزير الخارجية في حكومة الحوثيين غير المعترف بها دوليًا، في رسالته الموجهة إلى الأمم المتحدة، بأنّ المقاتلات الأميركية قامت منذ منتصف الشهر الماضي، "بشن ما يقارب الألف غارة استهدفت المئات من الأبرياء بمن فيهم النساء والأطفال"، وأضافت رسالة عامر أنّ الغارات الأميركية استهدفت أيضا "العشرات من الأعيان المدنية من موانئ ومطارات ومزارع ومرافق صحية وخزانات مياه ومواقع أثرية"، مشيرًا إلى أنّ "آخر تلك الجرائم تمثل في قيامها باستهداف ميناء رأس عيسى، في سلسلة غارات، أسفرت عن استشهاد 80 مدنيًا وجرح 150 آخرين، فضلاً عن استهدافها لحي سكني في العاصمة صنعاء، ما أسفر عن استشهاد 12 مدنيا وجرح 30 آخرين في حصيلة غير نهائية".
ووجّه عامر في رسالته طلبًا إلى المجتمع الدولي "بالضغط من أجل إنهاء العدوان الأميركي وتشكيل لجنة دولية مستقلة للتحقيق في كافة الجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة الأميركية بحق الشعب اليمني ومقدراته".
الاستجابة الأممية
من جهتها، قالت الأمم المتحدة إن الغارات الأميركية المتواصلة على اليمن تُفاقم تدهور الأوضاع الإنسانية في هذا البلد المنكوب. وأشار التقرير الصادر عن المنظمة الأممية إلى إصابة خمسة من العاملين في المجال الإنساني، جراء الهجوم الأميركي الأخير الذي استهدف ميناء رأس عيسى في محافظة الحديدة، والذي أسفر عن مقتل 80 شخصًا وإصابة العشرات.
وأعرب التقرير الأممي عن "القلق البالغ من الغارات الجوية الأميركية"، جدّدت الأمم المتحدة دعوتها إلى "التحلي بأقصى درجات ضبط النفس ووقف جميع الأنشطة العسكرية في اليمن ومحيطه"، مؤكدة أنّ مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) سارع إلى حشد المساعدات الإنسانية لدعم المرافق الصحية المحلية، بما في ذلك المراكز الصحية ومراكز علاج الإصابات الجسيمة والجراحة الطارئة، فضلًا عن توفير المستلزمات الطبية والجراحية.
ولفت التقرير، الذي تلاه المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، إلى أن أي تصعيد إضافي من شأنه أن يزيد من زعزعة استقرار اليمن والمنطقة، ويشكّل خطرًا جسيمًا على الوضع الإنساني المتدهور أصلًا، حيث يحتاج أكثر من 19 مليون شخص إلى مساعدات عاجلة لتلبية احتياجاتهم في مجالات الغذاء والصحة والحماية.
وفي هذا السياق، أوضح مكتب "أوتشا" أن الأطفال هم الفئة الأكثر عرضة للخطر، مشيرًا إلى استمرار تفشي مرض الحصبة في محافظة مأرب، حيث تم تأكيد أكثر من 240 حالة إصابة، إلى جانب أكثر من عشر وفيات بين الأطفال منذ بداية العام الجاري.
ستيفان دوجاريك: أيّ تصعيد إضافي قد يزيد من زعزعة استقرار اليمن والمنطقة ويشكل مخاطر جسيمة على الوضع الإنساني المتردي بالفعل، حيث يحتاج أكثر من 19 مليون شخص إلى مساعدات حيوية لتلبية الاحتياجات الواسعة النطاق من الغذاء والأمراض والحماية.
مساعٍ أممية لتهدئة الأوضاع
قال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إنّ بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة (أونمها) قامت أمس الثلاثاء بدورية إلى ميناء رأس عيسى ولاحظت أضرارا هيكلية كبيرة في الميناء وتدميرا لمنشآته، ضمن مساعيها لتقييم الوضع هناك.
وأشار دوجاريك إلى أن البعثة "تعمل وفقا لولايتها، بنشاط مع أصحاب المصلحة لتعزيز الحوار واستكشاف حلول لتهدئة الوضع في محافظة الحديدة"
وأكّد دوجاريك على ضرورة "احترام القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني، في جميع الأوقات"، كما "دعا الجميع إلى احترام وحماية المدنيين وكذلك البنية التحتية المدنية".
وأعلن دوجاريك أن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ دعا "إلى تقديم ضمانات موثوقة لحماية البحر الأحمر من التحول إلى ساحة صراع مطولة، معتبرا هذه الضمانات ضرورية، ليس فقط للأمن العالمي، ولكن لمنع انزلاق اليمن بعيدًا عن السلام".