23-يناير-2020

الكاتبة الفرنسية ألبرتين سارازان

سيرة الكاتب ليست سوى رحلته مع الكتُب. ويُقال أيضًا إنّ نتاجه ليس إلّا حصيلة ما عايشهُ واختبرهُ في حياته، وذلك انطلاقًا من فكرة أنّه ليس بالمُخيّلة فقط يُمكن للكاتب أن يستدلّ إلى حكايته، وأنّه لا بدّ من إضافاتٍ/ بهارات من هنا أو هناك لوصفة الكتابة بحيث يكتمل المذاق.

لا يبدو واضحًا مدى إمكانية أن يكون المذكور أعلاه دقيقًا لجهة تطبيقه كفكرة عامّة، ولكنّهُ ينطبق على ألبرتين سارازان، بل ويتماهى معها أيضًا، كونها اتّكأت كأديبة على حياة ثرية بالأحداث والمغامرات الصالحة للاستثمار في كتابة الرواية وسرد الحكايات، وإذا بالهامش الذي عاشت ضمن حدوده طيلة عشرين عامًا، يصير متنًا يضعها في صلب المشهد كواحدةٍ من أبرز الكتّاب الفرنسيين في عصرها، أي ستينيات القرن الفائت.

يُقدّم النقّاد الفرنسيون ألبرتين سارازان كواحدةٍ من أمهر كُتّاب الجُمل الأولى من الرواية، فرنسيًا على الأقل

صحيح أنّ بريق الكاتبة الفرنسية، صاحبة الأصول الجزائرية، قد خفت لاحقًا، وتراجعت شهرتها، إلّا أنّ ذلك يعود إلى وفاتها في الثلاثين من عمرها بفعل خطأ طبّي طوى صفحة حياة قصيرة زمنيًا، ولكنها ضخمة لجهة ما تنطوي عليه من أحداثٍ صنعتها كأديبة، وكانت كافيةً لتجعلها مقروءة بأكثر من 7 لغات، وبلوغ مبيعات كتبها القليلة على أي حال نحو ثلاثة ملايين نسخة.

اقرأ/ي أيضًا: "على قبوركم".. رواية واحدة بنهايتين

رغم شهرتها هذه، ظلّت ألبرتين سارازان بمنأى عن اهتمامات القرّاء والناشرين العرب معًا، وبعيدة عن رفوف المكتبة العربية أيضًا. مؤلّفة "الكاحل" ستنتظر نحو 55 عامًا لتجد لمؤلّفاتها مكانًا في لغة الضاد، حيث صدر لها أخيرًا كتابًا بعنوان "شعر ورسائل" عن (دار هُنّ elles)، ترجمة سهى بختة. وعلى الرغم من أنّ الكتاب ليس الأشهر من بين مؤلَّفات الكاتبة الفرنسية، كرواياتها الثلاث "الكاحل"، و"الهروب"، و"المعبرة"، لكنّه لربّما كان كافيًا لتحفيز ودفع الناشرين العرب لتبنّي مشروع نقل بقية أعمالها إلى لغة الضاد.

لا يختلف كتاب "شعر ورسائل" عن بقية مؤلّفات ألبرتين سارازان، لأنّها كانت تكتب في الشِّعر ما تكتبه في الرواية أيضًا؛ كلّ ما يعكس طبيعة وظروف الحياة التي عاشتها، وبين حكاية وأخرى، تُمرِّر صورًا من حياة المجتمع الفرنسيّ منتصف القرن الفائت، بمعنى أنّها كانت تكتب حكايتها كاملةً، لا سيما السنوات التي أمضتها في السجن، ذلك المكان المسؤول بشكلٍ أو بآخر عن صناعة الشخصية التي ستكون عليها فيما بعد.

هكذا، أولت الروائية الفرنسية ألبرتين سارازان اهتمامًا بالفوارق الطبقية والمعيشية بين حياة المساجين وسلوكهم داخل السجن وبعد الخروج منه، وحياة الناس العاديين. وكانت تعتقد بأنّ للسجناء لغة تخصّهم وحدهم، فهم يتحدّثون دون " تحريك الشفاه، والتعبير بالعين عن اللامبالاة أثناء الكلام، أو إفصاحها عن تكذيب الحديث المنطوق".

يُقدّم النقّاد الفرنسيون ألبرتين سارازان كواحدةٍ من أمهر كُتّاب الجُمل الأولى من الرواية، فرنسيًا على الأقل. ناهيك عن نبرتها الساخرة التي باتت هوية أعمالها، تلك التي لا تخلو من المرارة، ولكن ليس شرطًا أن تتّكئ عليها بشكلٍ كامل، ذلك أنّها لم تكن متنًا أو أسلوبًا قائمًا بذاته، وإنّما نتيجة طبيعية لما عايشته، وانعكاسات ما يجول في داخلها. فالحياة التي منحتها ثلاثين عامًا فقط، فرضت عليها هذا النوع من الكتابة.

أولت الروائية الفرنسية ألبرتين سارازان اهتمامًا بالفوارق الطبقية والمعيشية بين حياة المساجين وسلوكهم داخل السجن وبعد الخروج منه

الحديث هنا عن حياة عناوينها العريضة الانحراف والبغاء والسجن. إنّها، بأحسن الأحوال طبعًا، متاهة بدأت لحظة ولادتها لأبوين أودعاها مركزًا لرعاية الأطفال مجهولي النسب في الجزائر القابعة تحت الاستعمار الفرنسيّ. هناك، وبعد ثلاث سنوات على ولادتها، أي سنة 1939، سوف تتبنّاها عائلة مكوّنة من طبيب عسكريّ فرنسيّ وزوجته. وفي سنّ الحادية عشرة، ستتعرّض للاغتصاب على يد أحد أقربائها بالتبنّي، ويُقال إنّ تلك الحادثة وضعت ألبرتين سارازان على طريق الانحراف، الأمر الذي انتهى بها مطرودةً من معهد القديسة كارتين دو سيان، لتوضع في إصلاحية أو سجن ستتمكّن من الفرار منه.

اقرأ/ي أيضًا: العصيان المقدس.. جان جينيه في يوميات "لصوصيته"

من مارسيليا، ستشقّ ألبرتين سارازان، مؤلّفة "جواز الحزن" طريقها نحو العاصمة باريس، حيث التقت هناك بإحدى صديقات السجن، وخاضت معها في عالم السرقة وامتهنت البغاء، إلى أن تمّ القبض عليها مُجدّدًا، ومحاكمتها من قبل قاضي الأحداث الذي سألها ما إذا كانت نادمةً عمّا فعلته، فكان جوابها: "ليس لدي أي ندم. عندما أحصل عليه، سأخبركم" حيث حصلت بموجب كلامها هذا على 7 سنوات من السجن.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رواية "الثعالب الشاحبة".. من العزلة إلى التمرد بالمشي

هل كان بودلير مريضًا بحب أمه؟