25-أبريل-2025
توزيع الطعام في مركز إغاثة بخانيونس (AP)

توزيع الطعام في مركز إغاثة بخانيونس (AP)

بعد أسابيع من الحصار الكامل الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة، حذّرت منظمات أممية وجهات رسمية في القطاع من أن الكارثة الإنسانية دخلت مرحلة الانفجار، في ظل نفاد الغذاء، وانهيار الخدمات، وارتفاع أعداد الوفيات بسبب المجاعة وسوء التغذية، خصوصًا بين الأطفال.

وفي هذا السياق، أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن مخزوناته الغذائية في قطاع غزة قد نفدت بالكامل، مع استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض منذ ما يقرب من ثمانية أسابيع، في خطوة تهدد بحرمان مئات الآلاف من الفلسطينيين من مصدرهم الأساسي للغذاء.

وأكد البرنامج في بيان أن آخر كميات من المواد الغذائية تم توزيعها هذا الأسبوع على المطابخ الخيرية التي يشرف عليها في القطاع، متوقعًا أن تنفد الإمدادات في هذه المطابخ خلال الأيام القليلة المقبلة.

أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن مخزوناته الغذائية في قطاع غزة قد نفدت بالكامل، مع استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض منذ ما يقرب من ثمانية أسابيع

المطابخ الخيرية تنهار... والجوع يزحف

تُقدّر الأمم المتحدة أن 80 %  من سكان غزة البالغ عددهم أكثر من مليونَي نسمة يعتمدون كليًا على المطابخ الخيرية، في ظل تعطل كافة مصادر الغذاء الأخرى تحت الحصار. وقد دعم برنامج الأغذية العالمي نحو 47 مطبخًا خيريًا كانت توزع يوميًا 644 ألف وجبة ساخنة، وفق المتحدثة باسم البرنامج عبير عطيفة.

ومع انتهاء هذه الإمدادات، لم يتضح بعد عدد المطابخ التي ستظل قادرة على العمل. لكن عطيفة أوضحت أن المطابخ التي يدعمها البرنامج تُعدّ الأكبر والأهم في غزة.

الجوع يحصد أرواح الأطفال

من جهته، حذّر المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة من تسارع الانهيار الإنساني في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي الشامل منذ 55 يومًا، والذي يمنع دخول الغذاء والمساعدات الطبية، مؤكدًا أن القطاع يواجه اليوم مجاعة حقيقية تهدد حياة أكثر من 2.4 مليون إنسان.

وأوضح المكتب في بيان رسمي أن المجاعة لم تعد مجرّد تهديد محتمل، بل تحولت إلى كارثة ملموسة، بعد تسجيل 52 حالة وفاة بسبب الجوع وسوء التغذية، من بينهم 50 طفلًا. كما يعاني أكثر من 60 ألف طفل من حالات سوء تغذية حادة، بينما يتعرض أكثر من مليون طفل للجوع المزمن والهزال وضعف البنية الجسدية، في ظل انقطاع شبه كامل للمواد الغذائية.

وأضاف البيان أن آلاف الأسر الفلسطينية باتت عاجزة عن توفير وجبة واحدة يوميًا لأطفالها، مع اختفاء شبه تام للغذاء من الأسواق. وفي موازاة ذلك، دخلت البنية التحتية في مرحلة الانهيار الكامل، حيث خرج 38 مستشفى عن الخدمة بفعل القصف والتدمير، وتوقفت أكثر من 90% من محطات المياه والتحلية نتيجة انعدام الوقود، إلى جانب إغلاق جميع المخابز بسبب نفاد الطحين والمحروقات.

وصف المكتب ما يجري بأنه "جريمة إبادة جماعية موثقة بالأرقام والصور"، محذرًا من أن الوقت ينفد لإنقاذ السكان المحاصرين. وطالب بـ فتح ممر إنساني عاجل، داعيًا المجتمع الدولي إلى التحرّك الفوري لتجنب "وصمة عار تاريخية".

وحمل البيان الاحتلال الإسرائيلي والدول الداعمة له – وفي مقدمتها الولايات المتحدة، بريطانيا، ألمانيا، وفرنسا – المسؤولية الكاملة عن ما وصفه بـ "سياسة التجويع الممنهج"، مؤكدًا أن استمرار الصمت الدولي في ظل هذه المعطيات يُعد تواطؤًا صريحًا في جريمة ضد الإنسانية.

كما دعا إلى تشكيل لجان تحقيق دولية مستقلة للنظر في ما وصفه بـ"القتل البطيء"، وإنهاء الحصار المفروض على غزة منذ 18 عامًا، مناشدًا شعوب العالم وأصحاب الضمائر الحية التحرك العاجل.

وختم البيان بالتحذير: "أي تأخير في الاستجابة لهذه الكارثة سيُعد شراكة في الجريمة، ووصمة عار في جبين الإنسانية لا تُمحى".

حصار خانق وتجويع ممنهج

منذ 2 آذار/مارس الماضي، منعت إسرائيل دخول الغذاء والوقود والدواء وكافة الإمدادات إلى القطاع، ثم استأنفت عدوانها بعد أسبوعين، منهية بذلك وقف إطلاق النار الذي استمر شهرين.
وقد برّرت تل أبيب هذه الإجراءات بالضغط على حركة حماس لإطلاق سراح المحتجزين، لكن منظمات حقوق الإنسان وصفت الحصار بأنه "أداة تجويع جماعي" تصل إلى مستوى جرائم الحرب.

وفيما تدّعي إسرائيل أن "المساعدات التي دخلت خلال الهدنة كانت كافية"، تؤكد وكالات الإغاثة الأممية أن الكمية التي سُمح بدخولها لا توازي بأي حال حجم الحاجة الهائلة الناجمة عن أشهر الحرب، مشيرة إلى أن توزيع الإغاثة يخضع لرقابة أممية صارمة ولا دليل على تحويلها لأغراض أخرى.

مجاعة وشيكة وأسعار لا تُطاق

في ظل غياب الإمدادات، اختفت أنواع كثيرة من السلع الغذائية الأساسية من الأسواق، بما في ذلك اللحوم والبيض ومنتجات الألبان والفواكه. أما الأسعار فقد ارتفعت بشكل كبير، وأصبحت بعيدة عن متناول معظم السكان. وتعتمد معظم العائلات اليوم على المعلبات، في بيئة غذائية فقيرة ومحدودة التنوع.

وأدى هذا الوضع إلى تفاقم سوء التغذية، خصوصًا لدى الأطفال. فقد وثقت الأمم المتحدة في آذار/مارس الماضي 3700 حالة لسوء تغذية حاد بين الأطفال، بزيادة 80% عن الشهر السابق، بينما انخفض عدد الأطفال الذين حصلوا على مكملات غذائية وقائية من 73 ألف إلى 22 ألف فقط بسبب شح الإمدادات.

مطابخ تحرق الخشب... وأفران متوقفة

أما بخصوص المخابز، فلم يتبقَّ منها سوى عدد محدود، بعد أن توقفت معظمها عن العمل منذ أسابيع بسبب نقص الطحين والوقود. كذلك، أوقف برنامج الأغذية العالمي توزيع الحصص الغذائية للعائلات نتيجة نفاد المواد الأساسية.

وتقول منظمة "وورلد سنترال كيتشن" الأميركية، وهي من أكبر الجمعيات العاملة في غزة والتي لا تعتمد على البرنامج الأممي، إن مطابخها لم تعد قادرة على تقديم وجبات تحتوي على بروتينات، وتعتمد حاليًا على تقديم وجبات مكوّنة من الخضروات المعلبة فقط. وتشغّل هذه المنظمة أيضًا الفرن الوحيد المتبقي في القطاع، والذي ينتج يوميًا نحو 87 ألف رغيف خبز فقط.

وفي ظل غياب الوقود، يلجأ الطهاة إلى حرق ألواح الخشب المستخرجة من الحاويات لتشغيل المواقد.

الغذاء موجود... والحدود مغلقة

وفقًا لبرنامج الأغذية العالمي، هناك 116 ألف طن من المواد الغذائية الجاهزة للإدخال إلى غزة، وهي كمية تكفي لإطعام مليون شخص لأربعة أشهر، إذا ما تم فتح المعابر.

لكن إسرائيل تواصل إغلاق الحدود، بينما تتصاعد التحذيرات من كارثة إنسانية محققة، في ظل انهيار البنية التحتية، وانعدام الأمن الغذائي، وارتفاع أعداد القتلى جراء الحرب.