1. عشوائيات
  2. مجتمع

أكتوبر بين الذاكرة والواقع.. جيل لم يعش الحرب لكنه يحيا آثارها

6 أكتوبر 2025
حرب أكتوبر
عبور القوات المصرية لقناة السويس (وسائل التواصل الاجتماعي)
عماد عنان عماد عنان

في مثل هذا اليوم من كل عام، تستعيد الذاكرة المصرية لحظة فارقة في تاريخها الحديث، حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، الحدث الذي تجاوز مجرد مواجهة عسكرية ليصبح علامة رمزية على استرداد الإرادة بعد انكسارٍ طويل.

فبعيدًا عن تباين السرديات وتعدد الروايات، يبقى جوهر تلك الحرب في كونها لحظة انكسارٍ للهيمنة واستعادة للكرامة، حين نجح الجيش المصري في عبور مستحيل الجغرافيا والسياسة معًا، ممرغًا أنف العدو في رمال سيناء، ومؤكدًا أن الإرادة حين تتجسد في فعلٍ جماعي تُعيد تعريف الممكن.

واليوم، بعد اثنين وخمسين عامًا، لا تزال ذكرى أكتوبر تقيم في الوجدان الجمعي للمصريين، حاضرةً كأثر يتجاوز من عاشوا التجربة أو شهدوها، إنها ليست مجرد ذكرى انتصارٍ عسكري، بل طاقة رمزية تعيد تذكير المصريين بما يمكن أن يحدث حين يتوحدون حول معنى أكبر من تفاصيل اليومي، وحين يصبح العبور فعلًا روحيًا بقدر ما هو مادي.

تلك الصفحة المضيئة في تاريخ الأمة لا تزال تُستدعى كل عام، لا بوصفها ماضيًا منجزًا فحسب، بل كمرآةٍ تتأمل فيها الأجيال المتعاقبة معنى القوة والكرامة في زمنٍ تبدلت فيه موازين النصر والهزيمة.

بعد  اثنين وخمسين عامًا، تبقى حرب أكتوبر في الوجدان المصري رمزًا للوحدة والإرادة، تتجاوز كونها ذكرى انتصار عسكري لتجسد طاقة روحية تذكّر المصريين بما يمكن تحقيقه حين يتوحدون حول هدف وطني جامع

ذاكرة في العقل الجمعي لا حدث حي

تُعد حرب أكتوبر لحظة مفصلية في الوعي المصري، لا باعتبارها مجرد انتصار عسكري، بل كحدثٍ أعاد تشكيل الذات الوطنية بعد عقودٍ من الانكسار والوصاية، كانت تلك الحرب بمثابة عبور مزدوج، عبور للجغرافيا واسترداد للأرض، وعبور للروح المصرية من حالة الانكسار إلى استعادة الثقة بالذات، في مسار بدأ منذ تحوّل مصر من الملكية إلى الجمهورية منتصف القرن العشرين، بحثًا عن استقلال حقيقي يتجاوز الشكل السياسي إلى المعنى الوجودي للتحرر.

ورغم مرور أكثر من خمسة عقود على تلك اللحظة، لا تزال حرب أكتوبر تحتل موقعًا مركزيًا في الخطاب الوطني المصري، حيث تُستدعى كل عام في الإعلام الرسمي وغير الرسمي بوصفها "نصرًا مقدسًا" أو "معجزة إلهية"، تمتزج فيها البطولة الفردية بالمشروع الجماعي، والسياسي بالروحي، والذاكرة بالأسطورة.

لكنها – في الوقت ذاته – تحولت بفعل التكرار إلى طقس أكثر منه فعلًا حيًا، إذ تراكم حولها من الغموض والصمت ما جعلها أقرب إلى "لغز وطني" يحتاج إلى قراءة جديدة تُحرّره من السرديات الرسمية وتعيده إلى فضاء النقد والتأمل.

سياسيًا، كانت حرب أكتوبر دائمًا أداةً في يد السلطة؛ من السادات الذي جعلها جسرًا نحو "شرعية السلام"، إلى مبارك الذي اتخذ منها رمزًا لاستقرار الحكم، وصولًا إلى النظام الحالي الذي يوظفها لتجديد خطاب الوطنية في لحظات التآكل الشعبي.

هكذا تحوّل النصر من حدثٍ تاريخي إلى موردٍ رمزيّ تُعيد الأنظمة استثماره كلما ضاقت المسافة بينها وبين الناس، لتذكّرهم بأن الشرعية قد تُستمد من الماضي حين يعجز الحاضر عن إنتاجها جراء التحديات الداخلية والخارجية التي تعيقه عن تحقيق أهدافه كاملة.

"جيل زد" وإعادة تشكيل مفاهيم البطولة

يبدو أن علاقة "جيل "زد" — المولود بين عامي 1996 وأوائل 2010 — بحرب أكتوبر ليست علاقة وجدانٍ بقدر ما هي علاقة سمع ورواية، فهذا الجيل لم يعايش الحرب، بل تلقى سرديتها جاهزة عبر الكتب المدرسية ووسائل الإعلام، في صورة أقرب إلى الحكاية الرسمية منها إلى التجربة الحية، مما جعل وعيه بها إدراكًا منقوصًا ومشوّشًا.

ومع تحوّل الحرب إلى خطاب متكرر في الإعلام المصري، يُستعاد سنويًا دون تفكيك أو قراءة نقدية جديدة، تلاشى الرابط العاطفي الذي جمع الأجيال السابقة بتلك اللحظة المؤسسة في الوعي الوطني، جيل اليوم، المتمرّد بطبعه على كل ما هو تقليدي، يجد في تكرار السرديات الرسمية ما يثير الملل أكثر مما يوقظ الاعتزاز، وما يدفعه للتشكيك أكثر مما يغذي الانتماء.

وفي عالم تحكمه التكنولوجيا وتفيض فيه المعلومات، لم يعد يكفي استدعاء مفاهيم البطولة والوطنية عبر الأغاني والأفلام القديمة، بل باتت هذه القيم بحاجة إلى إعادة تعريف براغماتية، تتصل بحياة الشباب اليومية لا بتاريخٍ منقوشٍ على جدران الذاكرة، فالوطنية بالنسبة لـ"جيل زد" ليست شعارًا يُرفع، بل تجربة ملموسة تُختبر في العدالة والفرص والكرامة.

إن هذا الجيل، بما يمتلكه من خيال واسع وقدرةٍ على التشكيك والتحليل، يحتاج إلى خطاب إعلامي وسياسي جديد، لا يتعامل معه كجمهورٍ سلبي، بل كشريك فاعل في صياغة سرديته الوطنية، فجيل ما بعد أكتوبر لا يبحث عن ماضٍ يُملى عليه، بل عن معنى جديد للانتماء يُشارك هو في كتابته.

الهروب من فخ الانفصام

كثيرٌ من الشباب الذين تحدثوا إلينا عن ذكريات حرب أكتوبر وما توقظه في مخيلاتهم، ركزوا على جزئية واحدة تتعلق بالبون الشاسع بين ما كان عليه الوضع إبان تلك الحرب وبين الوضع الراهن، سواء من حيث التلاحم الوطني بين تيارات وفئات الشعب المختلفة، أو من حيث وحدة الهدف والاصطفاف من أجل تحقيقه.

"محمد عيد" (25 عامًا) يرى أن أهم ما خرج به من ذكرى تلك الحرب هو أن الشعب عن بكرة أبيه كان على قلب رجل واحد، نحو هدفٍ واحد، باحثًا عن مصيرٍ واحد، ولذا لم يبخل عن هذا الهدف بماله ونفسه وروحه، فكان لا فرق بين جندي وقائد، موظف ومدير، شيخ وصغير، رجل وامرأة، الكل كان لحمةً واحدة خلف الوطن.

ويعتبر عيد، الذي يعمل باحثًا في أحد مراكز الأبحاث السياسية بالقاهرة، في حديثه لـ"الترا صوت"، أن البون يتسع يومًا بعد يوم بين مناخ الوحدة والأمل في زمن الحرب ومناخ الإحباط والانقسام الذي يشهده المصريون حاليًا، وهو مناخ عززته حرب غزة الأخيرة التي أسقطت ورقة التوت عن كثير من القامات والشخصيات والأفكار والمعتقدات.

تحضر ذكرى حرب أكتوبر كمرآة للمفارقة بين زمن التلاحم والإرادة الوطنية التي صنعت النصر، وواقع التشرذم واللامبالاة الذي يطبع المشهد المصري اليوم

وتشاطره الرأي زميلته في ذات المركز، رنده عطية، التي تستعرض مشهدية التناقض التي يحياها المواطن المصري حاليًا، بين خطابٍ رسمي يحتفي بانتصارات الماضي دون الاستفادة من دروسها، وواقع مزر يعاني فيه الشباب واحدةً من أحلك محطات حياتهم بؤسًا وشقاءً، حيث أزمات البطالة والتهميش والغلاء التي لا تنتهي.

وترى عطية في حديثها لـ"الترا صوت" أن المفارقة تتعاظم أكثر مع الجيل الذي لم يعرف الحرب لكنه يحيا تبعاتها، من إجبارٍ على التطبيع مع العدو الإسرائيلي، رغم انتهاكاته التي لا تتوقف، بحكم اتفاقية السلام الموقعة، والرضوخ للأميركان بسبب المعونة السنوية التي تحولت إلى سلاح ضغط وإذلال.

وتطالب الباحثة المصرية بضرورة إعادة تعريف الانتماء في عصر الأزمات، في ضوء المستجدات الأخيرة، وما إذا كانت الدولة قادرة على إعادة بناء علاقة صادقة مع الأجيال الجديدة تتجاوز الشعارات وتستند إلى عدالةٍ اجتماعية ومشاركةٍ حقيقية، مختتمةً حديثها بتساؤل مفتوح: كيف يمكن تحويل "ذاكرة النصر" إلى مشروع وطني جديد يتحدث بلغة الشباب ويواجه تحديات الحاضر؟

مرآة مزدوجة

تبدو ذكرى حرب أكتوبر اليوم أشبه بمرآة مزدوجة تعكس ما كان وما آلت إليه الأمور، فمن جهة، تظلّ تلك الحرب لحظةً نادرة من التلاحم الوطني والإرادة الجمعية التي كسرت المستحيل وأعادت الثقة في الذات المصرية، ومن جهة أخرى، تبرز المفارقة المؤلمة بين روح الجماعة التي صنعت النصر وواقع التشرذم واللامبالاة الذي يعيشه الحاضر.

وعلى مدار عقود طويلة، تحوّل النصر الذي كان فعلًا جماعيًا إلى سردية رسمية تُستعاد كل عام بوصفها وسيلةً لترميم شرعية متراجعة، بينما يحتاج المصريون – وخاصة الجيل الجديد – إلى ما هو أبعد من الحنين الرمزي، إن استدعاء أكتوبر يجب ألا يبقى تمرينًا في الذاكرة، بل مشروعًا لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، وإعادة تعريف معنى الانتماء في زمنٍ تغيّرت فيه شروط الوطنية نفسها.

"جيل زد" لا يطلب أمجادًا قديمة دون ترجمة تلك الأمجاد إلى واقع حياة، فهو بجانب ما يريده من وطن له إرثٌ بطولي مجيد يعتز به ويفخر به، يبحث في ذات الوقت عن بلد يعيش فيه بكرامةٍ وعدالةٍ وفرصةٍ متكافئة.

فكما كان عبور 1973 كسرًا لحاجز الخوف، فإن العبور المطلوب اليوم هو عبورٌ من رمزية الماضي إلى واقعية الحاضر، ومن ذاكرة النصر إلى فعل الإصلاح الملموس، عندها فقط يمكن لروح أكتوبر أن تعود، لا كذكرى سنوية، بل كقيمةٍ متجددة تُلهم المصريين عبورًا جديدًا نحو مستقبلٍ يستحقونه

كلمات مفتاحية
عملات رقمية

أكبر مصادرة في تاريخ بريطانيا.. "ملكة العملات المشفرة" خلف القضبان

تمكنت الشرطة من ضبط أجهزة تحتوي على 61,000 وحدة بيتكوين، في أكبر عملية مصادرة للعملات الرقمية في تاريخ المملكة المتحدة

طفل

الدنمارك تتجه لحظر وسائل التواصل الاجتماعي لمن هم دون 15 عامًا

94% من الأطفال الدنماركيين تحت سن 13 لديهم حسابات على الأقل على منصة واحدة، وأكثر من نصف الأطفال تحت سن العاشرة يستخدمون هذه المنصات بانتظام

السودانيون في مصر

تصعيد الفاشر يعيد السودانيين في مصر إلى نقطة الصفر: عودتهم مؤجلة حتى إشعار آخر

شهدت الجالية السودانية في مصر خلال الأيام الماضية موجة تفاؤل متصاعدة بعد التقدم العسكري للجيش

فرقة رولينغ ستونز (شبكات تواصل اجتماعي)
نشرة ثقافية

بيع مقتنيات نادرة لفرقة رولينغ ستونز في مزاد علني

مزاد علني لمقتنيات فرقة رولينغ ستونز

العراق
سياق متصل

الانتخابات العراقية: ارتفاع المشاركة وبدء الفرز وسط ترقب للنتائج الأولية

تتوجه الأنظار في العراق نحو الإعلان المرتقب للنتائج الأولية للانتخابات البرلمانية التي أجريت يومي الاثنين والثلاثاء

معرض كايروكوميكس (الترا صوت)
فنون

قرن من الرسوم: مهرجان "كايروكوميكس" يعيد اكتشاف جذور الإبداع المصري

مهرجان "كايروكوميكس"

مخيم النصيرات
سياق متصل

دخول الهدنة في غزة شهرها الثاني وسط تعثر الانتقال إلى المرحلة الثانية

يتواصل اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة رغم الخروقات الإسرائيلية المستمرة