بعد التوقيع على معاهدة مراكش في أوائل عام 2019، انضمت الولايات المتحدة الأمريكية بصفتها العضو الخمسين إلى الدول الأعضاء في المعاهدة، ما سمح لمكتبة الكونغرس الوطنية بطلب مواد يمكن الوصول إليها، بمجموعة واسعة من اللغات من المكتبات الأخرى حول العالم، والتي تتبع لدول أعضاء موقعة على معاهدة مراكش. وتنص معاهدة مراكش، المعتمدة عام 2013 في المغرب، على إنشاء مجموعة من الاستثناءات الإلزامية لصالح الأشخاص المكفوفين وضعاف البصر وغيرهم من ذوي الإعاقات الأخرى في قراءة المطبوعات، بهدف إتاحة وتيسير القراءة لهم.
ويعد برنامج "خدمة المكتبة الوطنية" (NLS) برنامج مكتبة وطنية مجانيًا، يوفر طريقة برايل لمواد مسجلة للأشخاص الذين لا يستطيعون رؤية المطبوعات العادية أو التعامل مع المواد المطبوعة. ويتم إرسال الكتب والمواد بالبريد على أنها "مادة مجانية للأشخاص المكفوفين أو الأشخاص ذوي الإعاقة التي تحول دون استفادتهم من المواد المطبوعة.
وتتوجه الخدمات إلى أي أفراد تمنعهم إعاقاتهم من استخدام الوسائط المطبوعة، بما فيها اضطرابات تشمل عسر القراءة والحالات الجسدية التي تمنع، على سبيل المثال، الشخص ذوي الإعاقة من حمل كتاب. في الوقت الذي يشار إلى أنه من المتوقع أن يتضاعف عدد البالغين الذين يبلغ عمرهم فوق 40 عامًا ممن يعانون من فقدان البصر بحلول عام 2050، ليبلغ 25 مليون شخصًا في الولايات المتحدة الأمريكية.
أنشئ البرنامج بموجب قانون صادر عن الكونغرس في عام 1931 لخدمة المكفوفين، وتم توسيع البرنامج في عام 1952 ليشمل الأطفال، وفي عام 1962 لتوفير مواد موسيقية، وفي عام 1966 ليشمل الأفراد الذين يعانون من إعاقات جسدية أخرى، تمنعهم من قراءة المطبوعات العادية، وفي عام 2016 للسماح بتوفير شاشات برايل قابلة للتحديث.
يقدر عدد زوار مكتبة الكونغرس الأمريكية بنحو 1,6 مليون زائر سنويًا، وهي مكتبة عريقة تأسست عام 1800، في وقت كانت لا تزال التكنولوجيا بعيدة عن المتناول، غير أن التحولات التكنولوجية ساهمت بإمكانية وصول الأشخاص المكفوفين وغيرهم من ذوي الإعاقة إلى المنتجات الأدبية والفنية، وغيرها من المطبوعات وبجودة عالية لناحية الصوت واللغة وشكل وطريقة تقديم الخدمة. وفي أقل من عام، أدى هذا التغيير إلى زيادة بنسبة 43% في عدد رواد القراءة في قائمة المكتبة.
ويختار برنامج "خدمة المكتبة الوطنية" الأمريكي الكتب والمجلات للنشر الكامل بلغة برايل والكتب الصوتية. ويتم توزيع مواد القراءة من خلال شبكة من المكتبات في جميع أنحاء الولايات المتحدة والأقاليم التابعة لها، وعلى المواطنين الأمريكيين الذين يعيشون في الخارج. وكما يتم توزيع المواد ومعدات التشغيل المجانية كالآيباد اللازمة لقراءة الكتب الصوتية، أو ما يسمى الكتب الناطقة والمجلات على المستفيدين.
يمكن أن تجد في المكتبة كتبًا معدة بطريقة البرايل، وكتبًا مسموعة باللغة البرتغالية، وأعمالًا مختلفة للفيلسوف فريدريك نيتشه بالصوت الإسباني، وكتبًا باللغة الفنلندية ومسلسلات درامية مسموعة وغيرها من الكتب المتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية ضمن مكتبة الكونغرس. لم تعد هذه الخدمات غريبة على مكتبة الكونغرس الوطنية للمكفوفين، فقد حدث تحول كبير في طبيعة الخدمات المقدمة منذ سنة ونصف السنة وحتى اليوم، فبحسب أمينة قسم اللغة الاجنبية في المكتبة، كورليت ريفييرا، فإن "هناك تغير في استجابتنا لطلبات زوار المكتبة"، وتضيف "قديمًا كنا نعتذر من الزوار ونأسف لعدم وجود طريقة لتلبية هذه الطلبات الخاصة للمكفوفين"، وتتابع بالقول "أما اليوم فالمكتبة تستطيع تلبية هذه الخدمات"، بحسب ما نقلت صحيفة الواشنطن بوست.
وبحلول أواخر كانون الثاني/يناير من هذا العام، أضافت الخدمة المكتبية في مكتبة الكونغرس ما يقرب من 1200 كتاب صوتي، وكذلك 370 كتابًا بلغة برايل الإلكترونية، إضافة إلى 410 من كتب تعليم الموسيقى. مع أكثر من ألف كتاب آخر في قائمة الانتظار حيث يتم العمل على إنهاءها وجعلها متاحة. ونظرًا لتزايد الاستفسارات من شبكة المكتبات التابعة لخدمة NLS، فقد سعت كورليت ريفيرا أيضًا إلى الحصول على عناوين بلغة الغوجاراتية والكريولية الهايتية والكورية والصومالية والهمونج والألبانية والعربية إضافة إلى اللغة الإنكليزية والاسبانية والفرنسية.
وتعمل المنظمة الدولية لجمعيات ومؤسسات المكتبات على إجراءات تزيد من إمكانية المكتبات في الوصول إلى المواد، وتساهم في كسر الحواجز المانعة أمام الوصول إلى المعرفة. وكما تبذل الجهد في سبيل التطبيق الأمثل لمعاهدة مراكش، سيما في مواجهة الحقوق الاستئثارية الخاصة بالمؤلفين. فمعاهدة مراكش تخول المؤسسات التي تخدم الأشخاص المكفوفين بإنتاج نسخ يسهل الوصول إليها من الكتب، وإمكانية مشاركة هذه النسخ على الصعيد العالمي، وخاصة في أن المعاهدة تعطي حقوقًا إلزامية لهذه المؤسسات الراعية للأشخاص المكفوفين، مقابل حقوق النشر الخاصة. وتشير المنظمة إلى أهمية مناصرة معاهدة مراكش ومتابعتها لضمان فعالية تنفيذها، وكذلك الضغط على الحكومات الوطنية من أجل إقرار قوانين تعزز هذه المعاهدة وآليات تطبيقها.
كما تعارض المنظمة الأحكام التي يمكن أن تقلل من تأثير المعاهدة، مثل إلزام دفع مكافأة مالية إضافية لأصحاب الحقوق، أو إجبار المكتبات على البحث عن النسخ المتاحة تجاريًا وشرائها بدل الحصول عليها مجانًا. وترى المنظمة أن هذه العراقيل إنما تهدر الوقت والموارد وتضعهما في خدمة عملية مضنية بدل توظيفهما بشكل أفضل على خدمة المستفيدين، من الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية. وفي هذا السياق، تعمد المنظمة للتنسيق مع المكتبات حول العالم، سيما في الدول النامية، للضغط على وضع المعاهدة في حيز التنفيذ في هذه الدول، وكما أنها تصدر بشكل دوري تقارير رصد للمعاهدة.
اقرأ/ي أيضًا:
تعويض بقيمة 1.1 مليون دولار أمريكي من شركة أوبر لامرأة مكفوفة
بواسطة برنامج VoiceOver.. المكفوفون يستخدمون الهواتف الذكية ببراعة