12-أبريل-2025
دماغ

خريطة للخلايا الدماغية داخل ملليمتر مكعب من أنسجة دماغ فأر (nature)

تمكن فريق من الباحثين من إنشاء أكبر وأدق رسم بياني لتركيب دماغ الثدييات حتى الآن، وذلك من خلال رسم خريطة للخلايا الدماغية داخل ملليمتر مكعب من أنسجة دماغ فأر. يتجاوز هذا المشروع مجرد تصوير هيكل الدماغ، حيث تمكن الباحثون من ربط نشاط الخلايا العصبية بتفاصيل هيكلية، لتمثل أول دراسة من نوعها في مجال العلوم العصبية التي تربط بشكل شامل بين النشاط العصبي والبنية العصبية على نطاق واسع.

تعتبر هذه الخريطة ثلاثية الأبعاد واحدة من أكثر الإنجازات تطورًا في مجال علم الشبكات العصبية أو connectomics، حيث تحتوي على أكثر من 200,000 خلية دماغية، منها حوالي 82,000 خلية عصبية. تركز هذه الخريطة على منطقة الدماغ المسؤولة عن الرؤية، وتوثق أكثر من 500 مليون مشبك عصبي (النقاط التي تربط بين الخلايا العصبية) بالإضافة إلى أكثر من 4 كيلومترات من الأسلاك العصبية المتشابكة. تُعتبر هذه الخريطة أكبر بكثير من أي خريطة دماغية سابقة تم إنشاؤها، بما في ذلك الخريطة التي تم إعدادها في دماغ الإنسان والتي تتضمن 16,000 خلية عصبية و150 مليون مشبك.

يأمل الباحثون أن تساعد هذه البيانات في فهم العديد من العمليات الأساسية للدماغ

وحسب ما أفادت به مجلة "نيتشر nature" العلمية، فإن ما يجعل هذه الخريطة أكثر أهمية هو كونها تقدم أيضًا لأول مرة تصوّرًا دقيقًا لنشاط الخلايا العصبية على نطاق واسع، حيث تتبع الباحثون إشارات النشاط الكهربائي لأكثر من 76,000 خلية عصبية أثناء مشاهدة فأر لمقاطع فيديو مختلفة، بما في ذلك مقاطع من فيلم ذا ماتريكس. هذا التصوير العصبي يمثل خطوة نوعية في دراسة كيفية معالجة الدماغ للمعلومات في الوقت الحقيقي.

في قلب هذا الإنجاز الكبير يكمن مشروع (MICrONS)، وهو مشروع طموح يشارك فيه أكثر من 150 باحثًا من مؤسسات علمية رائدة مثل معهد ماكس بلانك لبحوث الدماغ في فرانكفورت ومعهد ألين لعلوم الدماغ في سياتل. حيث قام الفريق باستخدام تقنيات تصوير متطورة وتقنيات الذكاء الاصطناعي لالتقاط كل شريحة من أنسجة الدماغ بدقة عالية، حيث تم تقطيع أنسجة الدماغ إلى آلاف الشرائح الرقيقة جدًا، ولو جمعنا 400 شريحة سوية لن تتجاوز سماكتها سماكة شعرة من جسم الانسان.

تم استخدام خوارزميات التعلم الآلي لتصنيف هذه الصور ثلاثية الأبعاد وتحديد الخلايا العصبية والمشابك العصبية وتوصيلها ببعضها البعض. كما تم الجمع بين هذه البيانات الهيكلية مع بيانات النشاط العصبي المأخوذة أثناء مشاهدة الفأر للفيديوهات، مما خلق أول خريطة دماغية ثلاثية الأبعاد تدمج بين البنية العصبية والنشاط الكهربائي للخلايا.

أحد الاكتشافات الرئيسية التي خرج بها هذا البحث هو فهم أفضل لكيفية تشكيل الروابط بين الخلايا العصبية. على سبيل المثال، وجد الباحثون أن الخلايا العصبية التي تستجيب لأنماط بصرية متشابهة (مثل الأشكال أو حركات معينة) تميل إلى تكوين روابط قوية مع بعضها البعض، بغض النظر عن المسافة بينها. هذه النتيجة تضيف بُعدًا جديدًا لنظرية "الخلايا العصبية التي تنشط معًا، ترتبط معًا" التي كانت تعد سائدة في علوم الأعصاب لفترة طويلة. الدراسة الحالية تبين أن هذه القاعدة تطبق بشكل متفاوت عبر مناطق الدماغ المختلفة، مما يشير إلى تعقيد أكبر في كيفية تنظيم الدماغ لعلاقاته العصبية.

من خلال دراسة الخلايا العصبية في القشرة البصرية، كشف الفريق البحثي كيف يمكن للنشاط العصبي المتزامن أن يعزز أو يضعف الروابط بين الخلايا العصبية، وهذه النتائج تفتح المجال لفهم كيفية معالجة الدماغ للمعلومات البصرية بطريقة أكثر تعقيدًا وتخصصًا.

ويأمل الباحثون أن تساعد هذه البيانات في فهم العديد من العمليات الدماغية الأساسية، مثل كيفية تخزين الدماغ واسترجاع الذكريات البصرية، مثل تذكر صورة حدث مهم كعيد ميلاد أو لقاء مع الأحباء، كما يأملون في فهم أعمق للوظائف العصبية الأساسية التي تدعم الرؤية والذاكرة والعواطف.

ومن خلال الخريطة الدقيقة التي تم إعدادها، ستكون هذه النتائج مفيدة لدراسة الأمراض العصبية مثل مرض الزهايمر أو التصلب المتعدد، كما يمكن أن يوفر هذا النهج الأمل في تطوير علاجات أكثر فعالية للأمراض التي تؤثر على الشبكات العصبية في الدماغ.

وعلى الرغم من أن هذه الخريطة تغطي فقط 0.2% من دماغ الفأر، إلا أن الباحثين يخططون لاستخدام هذه التقنيات لتوسيع الدراسة لتشمل دماغ الفأر بأكمله، مما قد يوفر فهمًا شاملًا عن طريقة تنظيم الدماغ وعلاقاته العصبية عبر كامل الدماغ. ويمثل هذا المشروع خطوة كبيرة نحو خريطة دماغية كاملة، قد توفر أدوات قوية لدراسة الدماغ البشري في المستقبل.