19-مارس-2018

أفونسو كروش

ليس النجاح الذي حقّقتهُ رواية "هيا نشتر شاعرًا" وحسب هو ما دفع "دار مسكيلياني" التونسية إلى نقل بقيّة أعمال الكاتب البرتغالي أفونسو كروش (1971) إلى اللغة العربيّة، إنّما اشتغاله في مناطق سرديّة قلّمها دخلها سواه، عربيًا وعالميًا. مُبحرًا في عوالمها ومُستكشفًا متاهاتها، مقدِّمًا حكاياته للقارئ بخياله الخصب وجرأته العالية في المعالجة والطرح.

يتجوّل بطل رواية "الكتب التي التهمت والدي" داخل كبرى الكلاسيكيات الأدبية العالمية

هذا ما نجدهُ في روايته "الكتب التي التهمت والدي" الصادرة سنة 2009، والمنقولة إلى العربيّة حديثًا عن "دار مسكيلياني"، بترجمة سعيد بنعبد الواحد، والتي جاءت بعد عدّة روايات أصدرتها الدار لكروش حديثًا.

اقرأ/ي أيضًا: رواية "هيا نشتر شاعرًا".. مرثية عصر الاستهلاك

تدور أحداث رواية "الكتب التي التهمت والدي" التي نال عنها صاحب "دمية كوكوشكا" جائزة ماريا روزا كولاسو الأدبيّة؛ حول شابٍّ مهووس بقراءة الكتب يُدعى "إلياس بونفين"، يحكي لنا حكاية والده "فيفالدو بونفين"الموظف الحكوميّ الذي يفرض عليه عمله في مصلحة الضرائب حياةً رتيبة ومملة لا جديد فيها. ولذلك، يصطحب معه فيفالدو يوميًا بضعة روايات يقرأها خلسة لتُخرجه من ملله أثناء العمل، وتكسر رتابة يومه.

حتّى الآن، لا شيء يبدو مثيرًا في رواية "الكتب التي التهمت والدي"، إلّا أنّ اختفاء فيفالدو في صفحات كتاب كان يقرأه بينما يتظاهر بالعمل أمام زملائه، يفتح أبوابًا جديدة للرواية، تقودنا إلى عوالم موازية يُبدع الكاتب في نسجها، مُستعينًا بخياله الخصب وقدرته على خلق حكاياتٍ جديدة، ناهيك عن مهاراته السردية.

بعد اختفاء فيفالدو، يخرج ابنه إلياس الذي أوكل كروش إليه مهمّة السرد ليبحث عن والده متجولًا، كأنّهُ مغامر في إحدى الأساطير اليونانيّة، في الكتب التي يصفها صاحب "الرسّام تحت المجلى" بأنّها أمّ الأدب الكلاسيكيّ، مثل "جزيرة الدكتور مورو، دكتور جيكل ومستر هايد، الجريمة والعقاب، وفهرنهايت 451". رحلة إلياس الذهنية هذه تضعهُ وجهًا لوجه أمام مخلوقاتٍ غريبة وخياليّة، ونماذج مختلفة من المجرمين، وشخصياتٍ أدبيّة من روايات عدّة، أبرزها شخصيّة المجرم راسكولنيكوف في رواية دوستويفسكي الخالدة "الجريمة والعقاب".

هذه الأحداث كلّها، تدور في الحقيقة داخل ذهن إلياس. متنقِّلًا في رحلته الشّاقّة تلك بين واقعه المتمثّل في حياته داخل أسرته ومع أصدقائه. وخياله الذي يجدهُ في "العلّيّة" بين رفوف مكتبة والده، تلك التي تركها له كما لو أنّ الكتب وصية لأن يبحث عنه ويجده.

في حديثه لـ "ألترا صوت" يقول الدكتور سعيد بنبعد الواحد، مترجم رواية "الكتب التي التهمت والدي": "عندما قرأتُ هذه الرواية لأوّل مرّة سنة 2011، أعجبتُ بها أيما إعجاب، فكتبتُ باللغة البرتغاليّة على هامش صفحتها الأولى ما يلي: "قراءة ممتعة ذات ظهيرة من أيام فصل الخريف"، وتمنيتُ أن أترجمها في يوم من الأيام".

يضيف سعيد بنبعد الواحد حول ترجمة الرواية: "كنتُ مسرورًا وسعيدًا حين اقترحت علي "دار مسكيلياني" ترجمة هذه الرائعة الأدبيّة، لأنّها فعلًا من ذلك النوع من الكتب التي أرتاح لقراءتها وأستمتع بعمقها الفكري. هذا الكتاب في نظري هو أكثر من قصة تخييليّة، إنّه نداء من القلب والعقل يتّخذ من الكتب والقراءة ذريعة للبحث عن كنه الإنسان وما يختبئ بدواخله من قيم نبيلة مثل الحب، والصداقة، والخير، والشر؛ وكلها مواضيع اشتغل عليها كبار الأدباء على مر العصور. فالرواية تُساءل كل أبطال الأدب العالمي، وتطرح عليهم تلك القضايا التي تؤرق وعيهم وتجعل منهم شخصيات إشكالية بامتياز".

يذكر أسلوب أفونسو كروش بشطحات خوليو كورتاثار وخورخي لويس بورخيس وإكزوبيري

اقرأ/ي أيضًا: "آخذك وأحملك بعيدًا"..رواية عن بؤساء إيطاليا

وعن أفونسو كروش، يرى سعيد بنعبد الواحد أنّ أسلوبه يُذكّره بشطحات خوليو كورتاثار، ومكتبة خورخي لويس بورخيس، وأحلام سانت إكزوبيري. وأكّد سعيد بنعبد الواحد أنّ ترجمة أعماله شيء مفيد للأدب العربيّ الآن، لأنّه يقدّم نموذجًا حيًّا على قدرة الخيال وقوّة الكلمة أمام طغيان المادّة على القيم وسطوة الآلة على العقول.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رواية "أنشودة المقهى الحزين".. مستضعفو الحب الوحشي

رواية "مانديل بائع الكتب القديمة".. التحوّل العنيف في أوروبّا