27-أبريل-2018

فيلم "الحال" للمعنوني

في جنوب شرق المغرب، تقع هناك مدينة ورزازات، حيث صورت بعض مقاطع المسلسل الشهير "Game of Thrones"، تحتضن المدينة بنايات أثرية قديمة مزينة بالديكورات والتماثيل الأثرية التي تبرز وسط بحر من الكثبان الرملية، ميزات أثرية وجغرافية أغرت العديد من المخرجين العالميين الذين وجدوا في المغرب بيئة مناسبة لإنتاج الأفلام التاريخية، "لورانس العرب" و"ألكسندر"، و"المومياء" و"الوصايا العشر" و"بابل".. هي فقط كمشة صغيرة من الأعمال السينمائية الأجنبية التي أنجزت بالمملكة.

أفلام عالمية كبرى صوّرت في المغرب، لكن ذلك لم ينعكس بأية طريقة على السينما المغربية

لكن هذا التوهج المغربي، كمكان يحتضن السينما العالمية، لم ينعكس بأي طريقة على السينما المغربية، التي لا تزال تتخبط في مستنقع من الرداءة كمًا وكيفًا، جعلتها في المؤخرة في مجال الفن السابع حتى مقارنة مع بلدان عربية، بل إن الجمهور المغربي نفسه أصبح يتوجه إلى "هوليوود" و"بوليوود" و"سيول" ليلبي شغفه بالسينما.

اقرأ/ي أيضًا: "ورزازات" المغربية.. هوليود إفريقية دافئة

في فترة الثمانينات والتسعينات، رغم قلة الإمكانيات والموارد، كانت هناك تجارب سينمائية تمهد لصناعة سينمائية مغربية، من خلال أعمال سينمائية هادفة تستحق المشاهدة، كفيلم "وشمة" للمخرج بناني، و"السراب" للبوعناني، و"الحال" للمعنوني، و"عابر سبيل" للتازي، قبل أن يعرف المشهد السينمائي المغربي انحدارًا متواصلًا إلى اليوم نحو قعر "الرداءة والتفاهة".

في هذا السياق، يظهر تقرير المركز السينمائي المغربي لسنة 2017، المؤسسة الرسمية المعنية بالنهوض بالسينما المغربية"، حصيلة بـ39 فيلم طويل، التهمت ما يفوق 62 مليون درهم من الدعم المقدم من ميزانية الدولة الممولة من ضرائب المواطنين. ربما قد تعبر هذه الأرقام في ظاهرها عن دينامية إنتاجية، لكنها في الواقع تخفي أزمة غياب العنصر الأساسي في المعادلة السينمائية وهو الجمهور المغربي، الذي لا يكلف نفسه عناء الذهاب إلى القاعات السينمائية لمشاهدة أفلام مغربية لا يجد فيها نفسه.

عزوف يظهر في تقلص عددها القاعات السينمائية من 270 قاعة قبل عقدين إلى رقم لا يتعدى 24 قاعة، وكثير من المدن المغربية لا تحتضن قاعة سينمائية واحدة! وصحيح أن منصات الإنترنت والأقراص المدمجة لعبت دورًا في تراجع حضور دور السينما، إلا أنها لا تزال منتعشة في البلدان التي تعرف صناعة سينمائية، وحتى لا نذهب بعيدًا مصر و لبنان مثال على ذلك.

وذلك "لأن البلاد لا تتوفر على مشروع سينمائي ثقافي يعالج هموم الناس بكفاءة"، يفسر الباحث في قضايا السينما، الحبيب الناصري، إذ أن معظم الأفلام المغربية المنجزة تغرق في السطحية وتفكك القصة والتمثيل المصطنع، ولا تتخذ خارطة طريق معين، مما يجعل المشاهد لها يسقط في حيرة في محاولة منه لفهم مغزاها أو قصتها.

وتعدد مظاهر الضحالة الاحترافية في الممارسة السينمائية المغربية، تبدأ من غياب الرؤية الفنية الموجهة للعمل، وتفكك واضح في بناء السرد ونسج الأحداث مع بعضها البعض وتسلسلها، ثم اصطناعية منفرة في تمثيل الشخصيات لأدوارها، فضلًا عن استخدام غير مدروس للكاميرا والإضاءة وديكورات المشهد، وتوظيف لغة عشوائية مرتجلة على لسان الممثلين، وفي كثير من الأحيان غياب الموضوع!

الحبيب الناصري: معظم الأفلام المغربية المنجزة تغرق في السطحية وتفكك القصة والتمثيل المصطنع

كلها أعطاب تجعل المنتوج الفيلمي المغربي بمثابة تعبير عن "فانتازمات" وتخيلات ذاتية تعالج موضوعات صعبة بطريقة فجّة ومتسرعة، أكثر مما هي أعمال سينمائية، يفترض فيها أن تكون ذات حبكة محكمة وقصة مشوقة يجسدها ممثلون بارعون، وتدور في ملعب تصوير مدروس، خاصة بعد أن اقتحم منعدمو الكفاءة ساحة الفن السابع في البلاد، بغاية الاسترزاق من أموال الدعم.

اقرأ/ي أيضًا: المثلية الجنسية في السينما المغربية.. تابوهات تُطرح على استحياء

غير أن هذه النتيجة لا تبدو غريبة بالنظر إلى غياب البنية التحتية اللازمة للصناعة السينمائية في المغرب، إذ لا تتوفر البلاد على جامعات ومراكز تكوين يمكنها تطوير الكفاءات السينمائية، من مخرجين وفنيين وممثلين وكتاب سيناريو، فضلًا عن غياب البيئة المشجعة على الإنتاج السينمائي، على اعتبار أن البرجوازية المغربية هي برجوازية عقارية بامتياز، ولا تؤمن بالاستثمار في الثقافة والفن.

اقرأ/ي أيضًا:

الجنس والدين في السينما المغربية.. تابوهات غير مسكوت عنها

هل لامست السينما المغربية خطوط التابوهات؟