04-مايو-2017

لقطة من فيلم عندما يقع الإنسان في مستنقع أفكاره

هناك أفلام يعرف صنّاعها جيدًا أنها ستعرض في موسم سينمائي بعينه، ويخاطبون جمهورًا معينًا من جيل المراهقين والشباب، وربما لذلك لا يهتمون كثيرًا بالشكل الذي ستخرج عليه تلك الأفلام أو بما تقدّمه، فهي أفلام أقل ما توصف به أنها "عشوائية" ولا تختلف كثيرًا عن واقع المجتمع المصري الذي يعاني من حالة من العشوائية المكرّسة ثقافيًا وفكريًا وتعليميًا واقتصاديًا.

أصبحت إنتاجات السينما المصرية الأخيرة انعكاسًا للواقع المتردي، باستثناء تجارب قليلة يمكن أن تُعد على أصابع  اليد الواحدة

ولذلك لا يجب أن نندهش كثيرًا بعد أن أصبحت معظم إنتاجات السينما المصرية الاخيرة تأتي انعكاسًا لهذا الواقع المتردي على كل المستويات، باستثناء تجارب قليلة يمكن أن تُعد على أصابع اليد الواحدة.

تعيش سوق السينما المصرية حاليًا نهاية موسم أعياد الربيع وشم النسيم، ورغم حقيقة نزول 7 أفلام دفعة واحدة إلى الصالات السينمائية، إلا أنه شهد حالة من الركود ولم تفلح تلك الأفلام ،على الرغم من احتوائها على بعض عوامل النجاح في إنقاذ الموسم، فجاءت النتيجة ضعفًا في الإيرادات وعزوفًا من الجمهور عن المشاهدة.

اقرأ/ي أيضًا: مهرجان "كان" السينمائي.. لن يعبر أحد عن هذه الدورة مثل كلاوديا كاردينالي

موسم الربيع أعطى مؤشرًا بارزًا على تراجع قد تشهده أفلام الصيف، حيث لم تستطع الأفلام السبع تحقيق أكثر من 8 ملايين جنيه خلال 3 أسابيع من بدء عرضها، وجاء في مقدمتها فيلم "بنك الحظ" الذي حقق بمفرده 3.5 مليون جنيه. أسباب ذلك التراجع تعود إلى جملة من العوامل السياسية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد، وبشكل عام قد يشهد الموسم السينمائي الحالي تراجعًا كبيرًا في جملة الإيرادات.

ولكن بعيدًا عن الأرقام والاحصائيات، ماذا قدّمت تلك الأفلام لتكسب جمهورًا، أو بالأحرى ما الذي لم تقدّمه هذا الأفلام لتخسر الجمهور؟

 

 أفلام موسم الربيع غلب عليها الطابع الهزلي، باعتبارها أفلامًا تُعرض في موسم إجازة وأعياد وقبل امتحانات نهاية العام وأيضًا قبل موسم الدراما الرمضانية الذي أصبح على الأبواب. وعُرض خلال الموسم أفلام "عندما يقع الإنسان في مستنقع أفكاره فينتهي به الأمر إلى المهزلة"، و"تعويذة 2"، "يجعله عامر"، "بنك الحظ"، "على وضعك"، "مش رايحين في داهية"، "أخلاق العبيد".

باستثناء الفيلم الأخير، كانت الكلمة العليا للكوميديا بين هذه التجارب، ولكن المثير للاهتمام هو فشل "أخلاق العبيد"، وبطله خالد الصاوي، في تحقيق الإيرادات المتوقعة لأسباب بعيدة عن كونه فيلمًا "غير كوميدي"، فالفيلم يفتقد إلى سيناريو جيد كما جاء أداء الممثلين باهتًا إلى حدّ كبير. 

اقرأ/ي أيضًا: أكثر 10 أفلام تحقيقًا للإيرادات في التاريخ

لتأتي بعد ذلك مجموعة من الأفلام الكوميديا المذكورة أعلاه، بدون "نجم" لديه القدرة على تحمل مسؤولية بطولة فيلم بأكمله، وهو ما لا يبرر وحده ذلك التراجع الملحوظ في إيرادات موسم الربيع، لأن مسألة وجود نجم ليست هي وحدها التي تعطي فيلم دون غيره تأشيرة النجاح في شباك التذاكر، فهناك أفلام نجحت بدون بطل أو بطلة "سوبر"، فقط لتميّز موضوعاتها أو كونها "جديدة"، حتى لو كانت بطولة جماعية أو بطولة وجوه جديدة، لكنها احترمت المشاهد في الفكرة والتنفيذ.

لكن أين نجد هذه المعايير في أفلام مثل هذه؟ حيث تُقدّم المواقف كيفما اتفق على بعض الإفيهات، مع أغنية أو رقصة، ولا يهمّ كثيرًا ما يُقدّم للمتفرج على مدى ساعة ونصف أو ساعتين، فالإيرادات مضمونة لأننا في فترة أعياد وموسم سينمائي يدخل فيه الشباب السينما ولا يفكرون كثيرًا قبل أو بعد دخول السينما ماذا سيشاهدون أو ماذا شاهدوا؟ فهم لا يذكرون شيئًا من الفيلم إلا ما يُعين على استدعائه في جلسة مسائية للنميمة و"السَفّ"، وربما أصلًا ينسون عنوان الفيلم، فهم لم يقوموا إلا بـ"طقس" يتسق مع ثقافة الأعياد وهو دخول السينما، وربما هذا ما يعرفه صناع تلك الأفلام جيدًا فلا يرهقون أنفسهم بعمل تجربة جيدة "متعوب عليها" حتى لو كانت كوميدية، فالكوميديا لا تعني "الهلس" والسخف والاستخفاف.

الربيع في مصر أعطى مؤشرًا على تراجع قد تشهده أفلام الصيف، حيث لم  تستطع الأفلام الـ7 تحقيق أكثر من 8 ملايين جنيه خلال 3 أسابيع

والمدهش في الأمر عندما تعلن شركات الإنتاج والتوزيع عن إيرادات تلك الأفلام، حيث تتبارى كل شركة لإعلان قيمة إيرادات أعلى لفيلمها، كما لو كان الأمر مزادًا كبيرًا لكل هذه الأفلام "الهابطة" التي حققت إيرادات هزيلة بالفعل، ويشهد على ذلك ضعف الإقبال على دور العرض بشكل عام وانصراف الجمهور عن تلك التجارب وأبطالها بدرجات متفاوتة وطبيعة هذه الأفلام الضعيفة شكلًا ومضمونًا.

في النهاية، لن تتوقف صناعة السينما بطبيعة الحال، ولن يتوقف إنتاج أفلام تحمل قدرًا من التفاهة والسطحية بدعوى أنها "أفلام كوميدية" تُعرض في موسم الأعياد، وبالطبع لن يتوقف الجمهور عن دخول السينما مهما كانت الموضوعات المعروضة في تلك الأفلام تفتقد إلى "السينما"، لكنها فقط محاولة "فضفضة" مشروعة على هامش موسم سينمائي هزيل يبدو أنه سيتكرر كثيرًا في السنوات المقبلة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم "المراسلة".. هاجس قديم يسيطر على جوزيبي تورناتوري

داوود عبد السيد بين "يوسف" الكيت كات و"يحيى" رسائل البحر