01-مارس-2023
توماس توخيل

"Getty" توماس توخيل يقود تشيلسي لبطولة أوروبا

قبل سنة بالضبط من تاريخ اليوم، كان المدرب الألماني توماس توخيل يقف على المنصة ليتوج بجائزة الفيفا لأفضل مدرب بالعام، وسط تقدير كبير لما قام به الرجل في ظرف وجيز مع ناديه تشلسي الإنجليزي، ما قد يجعل منه ضيفًا دائمًا على مثل هذه المناسبات في المستقبل، لكن مع عودة حفل الجوائز الجديد لهذا العام، والذي أنتج تتويج مدرب المنتخب الأرجنتيني ليونيل سكالوني، يبدو المدرب الألماني بعيد كل البعد عن وضعه بالسنة الفارطة، فلا مشروعه مع تشلسي تواصل، ولا سنحت له الفرصة لبداية تجربة جديدة، فمن المسوؤل؟

رجل الإنقاذ

تزامنت نهاية مشروع أنتونيو كونتي مع تشلسي بلقب الدوري 2017، مع بداية حقبة جديدة بالبريميرليغ أو ما يطلق عليها بحقبة كلوب وغوارديولا، والتي غيرت معايير المنافسة المحلية، ووضعت بقية الأندية الكبرى الأخرى محل انتقاد ومسألة متواصلة من قبل جماهيرها، الأمر الذي استحث القائمين على شؤون تلك الأندية للمسارعة في البحث عن بدائل إدارية ورياضية تمكنهم من تقليص الفجوة المحلية مع السيتزن وليفربول، وتعيد إقامة ضلعهم المفقود بسداسي المنافسة الأول.

توماس توخيل

بين أزرق لندن وقطبي شمالها، واليونايتد، تسارعت الخطى من أجل اللحاق بركب الصراع المستعر بين السيتي والليفر على لقب البريميرليغ، تشلسي مع ملاكه الروس السابقين، تنوعت خياراتهم من أجل تحقيق مطمحهم ذاك، فانتقل الفريق اللندني من ذات المدرسة الإيطالية خلفًا لرحيل كونتي، ولكن بنوعية كرة قدم أكثر انفتاحًا مع ماريسيو ساري، والذي لم يعمر مع الفريق لأكثر من موسم لأسباب متداخلة بين الموضوعي والذاتي.

توماس توخيل

 الخطوة التالية لإدارة البلوز تمثلت في تمكين ابن النادي فرانك لامبارد من تدريب الفريق الأول، وعلى الرغم من المؤشرات الإيجابية التي ظهرت بالفترة الأولى، فإن الأوضاع ساءت كثيرًا بعد ذلك رغم الدعم الكبير الذي حظي به من الإدارة والجماهير على حد السواء، لكن الفريق ابتعد أكثر وأكثر عن البوصلة الصحيحة.

عقب إقالة لامبارد في منتصف موسم 2020-2021، أتى المدرب الألماني توماس توخيل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الموسم المخيب للآمال بالنسبة لجماهير البلوز، لكن الرجل الألماني استطاع بكثير من الحنكة والخبرة أن يعيد ترميم الأمور في ظرف قياسي لم يتجاوز الخمسة أشهر، حول فيها وجهة الفريق من الخيبات إلى التتويجات، فاستطاع بتحقيقه اللقب الأوروبي الأغلى، ووصوله لنهائي كأس الإتحاد، أن يحفر اسمه في قلوب المشجعين، الذين شعروا معه أن فريقهم يسير على الدرب الصحيح.

قبل عام واحد، توّج توخيل بجائزة الفيفا لأفضل مدرّب في العالم، والمدرّب الألماني عاطل عن العمل الآن، بعد قرار غريب اتخذته إدارة تشيلسي

شعور الجماهير الزرقاء لم يكن مخطئًا، فتوخيل أثبت سريعًا مع انطلاقة موسم 2021-2022، أنه قادر على السير بمشروعه مع الفريق للأمام، واستطاع أن يُأمن انطلاقة مثالية قادت فريقه لتصدر جدول ترتيب الدوري بغالبية مراحل الذهاب، وبعث بالعديد من الرسائل الإيجابية، مما جعله يتوج بجائزة الفيفا لأفضل مدرب للعام 2021. ولولا الجوائح الإدارية والسياسية التي هزت أركان النادي لكانت نهاية الموسم مضيئة مثل بدايته. ما يهم أكثر هنا هو أنه حتى في خضم تلك الجوائح وتراجع النتائج، ظل الود قائمًا بين المدرب الألماني والجماهير، وهو ما عبر عنه توخيل نفسه في عديد المناسبات من وفاء للنادي وجماهيره بتلك الفترة الحرجة.

من الملعب وإليه

"لم يكن الأمر متعلقًا بالهزيمة أمام دينامو زغرب، بل كان يتعلق بالرؤية المشتركة لما أردنا أن يبدو عليه تشيلسي، عندما تتولى أي عمل، عليك التأكد من توافقك مع الأشخاص الذين يديرون هذا النشاط، ومن الواضح أن توخيل موهوب للغاية وشخص حقق نجاحا كبيرا في تشيلسي، لكن لم نكن متأكدين من أن توماس رأى الأمر بنفس الطريقة التي رأيناه بها، لا أحد على صواب أو خطأ، لم يكن لدينا رؤية مشتركة للمستقبل"، ورد هذا التصريح عبر لسان تود بويلي المالك الجديد لتشلسي عقب قرار الإقالة المفاجئ الذي اتخذه في حق المدرب الألماني.

توماس توخيل

فتوخيل الذي صوب مسار المشروع وأوفى بما وعد، في خصوص بناء فريق قوي تنافسي يهابه الجميع، أصبح فجأة وفق نظرة المالك الجديد، عائقًا يقف أمام تقدم المشروع، الغريب حقًا هنا ليس كلام تود بويلي، فكلام الرجل من الناحية النظرية  يبدو منطقيًا للغاية فيما يخص الجانب الإداري، فمن المتعارف عليه بمختلف المجالات أن لكل قائد جديد رجاله الذين يتقاسم معهم نفس الرؤية، لكن الغريب فعلاً هو أن السبب الرئيسي وراء إقالة المدرب الألماني، أنه ظل يذكر المالك الجديد بضرورة تعيين رجاله الجدد بنفسه، دون أن يقبل أية صلاحيات خارجة عن دوره السابق بالنادي.

تصريحات بويلي تلك ربطتها الصحافة الإنجليزية بالتقارير التي كانت تصدر صيفًا عن كواليس النادي، والتي أبانت على حجم التفاوت الكبير في وجهات النظر بين الإدارة الجديدة والمدرب الألماني، من ناحية حجم أدواره داخل النادي، فرؤية بويلي وفريقه كانت تقوم على طرح إستراتيجية تشاركية في اتخاذ القرارات الإدارية والفنية، بحيث يتداخل دور المدرب الفني مع الاستشاري صلب الإدارة، بغية تكوين رؤية مشتركة تجمع بين أرضية الملعب ومكاتب الإدارة، وهذا بالضبط ما رفضه توخيل، وأصر على المحافظة على أدوره الأولى كرجل ملعب فقط، مثل ما اعتاد على العمل في الإدارة السابقة مع المديرة مارينا غرانوفسكايا والمستشار الفني بيتر تشيك.

توماس توخيل

في هذا السياق يذكر أن تود بويلي، أعلن منذ استلامه رئاسة تشلسي، ضم صلاحيات المدير الرياضي لنفسه بشكل مؤقت بعد الفراغ الإداري الذي وجد فيه الفريق، بعد مغادرة كل من مديرة النادي الروسية مارينا غرانوفسكايا وبيتر تشيك المستشار الفني لمنصبيهما. بويلي أراد من توخيل أن يكون أكثر انفتاحًا بالمسائل الإدارية والاضطلاع بدور قيادي في سوق الانتقالات الصيفية حينها من ناحية، والتفاعل بشكل أكبر مع نموذج الإدارة الجديد الذي يقوم على البيانات والتكنولوجيا والتركيز أكثر على أكاديمية النادي. كل هذا التباين أنتج قرار الإقالة الصادم والغير مبرر لجماهير البلوز.

خطيئة توخيل ما زالت تلاحق إدارة البلوز

 "يقوم تشيلسي ببناء المشروع الأكثر إثارة في كرة القدم العالمية وأنا فخور للغاية بالانضمام إلى النادي. وهناك الكثير من الإمكانات لدى النادي تعينه على مواصلة النجاح والتطور والنمو، في ظل الملكية الجديدة، المدرب غراهام بوتر والفريق بأكمله، هناك فلسفة واضحة ومستدامة تستند إلى تحليل الأداء والبيانات والابتكار، وأنا أتطلع إلى لعب دور في ذلك "، ربما نجح الألماني كريستوفر فليفان -الذي عُين كمدير تقني وفني بتشلسي في ديسمبر الماضي- أن يعبر عن ما عجز عنه لسان بويلي في تسويق فكرة المشروع الجديد للجماهير، لكن بالنسبة للجماهير ليست هناك فكرة يمكن أن توصلهم بحقيقة أفكار الملاك الجدد أكثر مما تشاهده على أرضية الميدان كل نهاية أسبوع، فمنذ قدوم غراهم بوتر خلفاً لتوخيل تراجعت نتائج الفريق بشكل كبير، فمن أصل 26 مباراة للرجل مع نادي غرب لندن خسر في 10 مباريات و تعادل في سبع، كما لم يعرف إلا ثلاثة انتصارات في أخر 16 مباراة خاضها مع الفريق بجميع المسابقات، هنا لا يمكن أن تقنع الجماهير بسرديات البناء للمستقبل وتطوير أليات العمل بالنادي، وهي تعيش انهيارًا كل أسبوع.

توماس توخيل

 " أشعر بالدمار لانتهاء فترتي في تشلسي"، ولعل هذه الكلمات التي كتبها توخيل عبر تويتر بعد إقالته كانت الأكثر تعبيراً عن ما أصاب النادي بعده، الدمار هو ما حل سوى في النتائج أو على مستوى الجماهير والإدارة، تصادم الرؤى بين الجماهير التي لم تقتنع بعد بالحجج الواهية لإقالة توخيل، وبين الإدارة التي ما تزال تصر على أن قرار تعيين بوتر والصبر عليه بمثابة الخطوة الصحيحة من أجل المستقبل، وصل لحد كبير، حتى أن جماهير النادي أطلقت حملة على وسائل التواصل الاجتماعي، تحمل اسم " مائة ألف توقيع من أجل إقالة بوتر".