22-يونيو-2016

كادر شخصيات أبطال المسلسل

بعد غياب طويل للدراما المصرية عن قوائم الأعمال الدرامية الجدية والمميزة، يظهر أخيرًا مسلسل "أفراح القبة" (2016) المأخوذ عن رواية نجيب محفوظ المعروفة، ليترك بصمة واضحة على مسار الموسم الجديد في رمضان هذا العام. 

في "أفراح القبة"، يتقاطع الواقع في العمل مع المسرحية التي تحدث داخله

كانت الحلقات الأولى من العمل فقط كافية للإشارة أننا بصدد عمل لم يتكرر كثيرًا في الدراما المصرية جميعها، قبل أن يتبين بعد انتهاء النصف الأول من المسلسل أن هذه التوقعات كانت في محلها.

اقرأ/ أيضًا: "ونوس".. جنة شياطين عبد الرحيم كمال

صدرت الرواية المعروفة لواحد من أبرز الروائيين المصريين والعرب، نجيب محفوظ، فحققت اختلافًا مطلوبًا، نأى بالكاتب عن رواية الواقع الاجتماعي المجرد، وسار به إلى تجربة رائدة في أدب الخيال العربي، الذي قد تكون بدايته صفة من صفات الرواية العربية بعد هزيمة عام 1967. ويبدو أن أزمة الدراما المصرية في الفترة الأخيرة، في جزء منها تتشابه مع أزمة الرواية العربية والمصرية، تحديدًا آنذاك، التي تغلّب فيها رصد الواقع المباشر، على الكتابة الإبداعية، من دون إعطاء فسحة لما هو غير ذلك.

أما المسلسل الذي أخرجه محمد ياسين، وكتبت نصه الدرامي نشوى زايد، وكان من بطولة منى زكي، وجمال سليمان، وصبا مبارك، وسوسن بدر، ورانيا يوسف، وصبري فوزا وآخرين، فحمل اسم الرواية نفسه، وحافظ على معظم عناصرها، وأبعد من ذلك على بنيتها الفنية المتشكلة من أبعاد مسرحية وروائية في نفس الوقت، فأضاف إليها بعدًا ثالثًا دراميًا. 

وقصة المسلسل، أو الحلقات المعروضة منه على الأقل، عن فرقة مسرحية تبدأ بتمثيل نص جديد، سرعان ما يكتشف الممثلون أنه يتحدث عن تفاصيل في حياتهم الشخصية الحقيقية، وعن أسرارها وخفاياها، فيحاول الممثلون باستمرار رفض القيام بالعمل، الذي وضع فيه الكاتب أسرارهم الخاصة، وبأسمائهم الشخصية، لكن الرجل الأول في الفرقة يظل مصرًا على إخراج هذا العمل.

وعلى طريقة أعمال معروفة من المسرح العالمي، يتقاطع الواقع في العمل مع المسرحية التي تحدث داخله، ويسعى العمل من خلال هذا التقاطع، إلى تمرير مقاربات اجتماعية ونفسية لها علاقة بطبيعة الشخصيات المزدوجة. فتكون لحظة الكشف الفارقة هي اللحظة التي يمثل فيها الممثلون أنفسهم، ويلعبون على المسرح أدوارًا تمثل شخصياتهم الحقيقية.

يقدم مسلسل "أفراح القبة" تجربة فنية فريدة، سواء إخراجًا أو تمثيلًا

نستطيع تعقيبًا على النصف الأول من العمل فقط تقديم أحكام كثيرة، سواء عن الصياغة الموفقة لصاحبة السيناريو، وتوظيفها للعمل الروائي بما يتوافق مع متطلبات التلفزيون أو السياق الجديد. أو تقديم العمل تجربة فنية فريدة، سواء إخراجًا أو تمثيلًا، خاصة أنه ضم مجموعة من أبرز الممثلين العرب. وعلى الرغم من صعوبات كثيرة واجهها العمل، مثل خلفيات الممثلين المختلفة، الذين فرقتهم القدرة على إجادة اللكنة المصرية على ما يبدو، إلا أن طاقم العمل استطاع مجتمعًا تقديم تجربة تكاد تكون مكتملة، استطاعت الحصول على إجماع الجمهور والنقاد.

اقرأ/ أيضًا: أهم أعمال الدراما والهزل التونسية في رمضان 2016

ما زلنا بانتظار النصف الآخر من حلقات العمل، التي بشرت حلقات النصف الأول بتميزها. والترقب في هذا العمل تحديدًا يبدو ترقبًا مضاعفًا، بسبب طريقة تطور أحداثه ومسارات شخصياته، إذ تجمع بين تشويق مضاعف، فتلبي شرطًا أساسيًا من شروط صناعة الدراما، وبين توضيح متوازن ومتصاعد للمقاربات التي يستند العمل إليها، سواء النفسية أو الاجتماعية، فتقدم بناء صارمًا ومنضبطًا.

وعلى ما يبدو، فإن الرأي القائل بتميز وفرادة العمل، على أصعدة الدراما المصرية والعربية معًا، يتوافق مع الصدى الجديد الذي حققته الرواية، إذ عادت إلى واجهات المكاتب وإلى قوائم أكثر الكتب قراءة حسب ما ورد عن مكتبات مصرية وعربية كبيرة، وفهم ذلك مرتبط بإعادة تقديم المسلسل للرواية بشكل موفق، محافظًا على عناصرها الأساسية، وفاتحًا العلاقة ربما أمام تجارب جديدة تجمع بين السيناريو التلفزيوني والنص الروائيّ. 

اقرأ/ أيضًا:

النظام السوريّ يحوّل "أبو عصام" إلى فيمينيست

دراما رمضان والفانتازيا التركية