30-أبريل-2021

جزء من لوحة لـ منصور الهبر

يعرض منصور الهبر مجموعة من أعماله في معرض مشترك لفنانين لبنانيين وفرنسيين على منصة افتراضية من تنظيم غاليري "أل تي" في بيروت وصالة عرض "يالو كيوب" في باريس. منصور الهبر فنان لبناني وأستاذ جامعي أقام معارض فردية وجماعية في لبنان وأوروبا والولايات المتحدة ودول عربية.


المتأمل في أعمال منصور الهبر لن يجد مرتكزًا ينطلق منه. باعتبار أن العمل الفني بالنسبة للمتلقي يفترض احتواءه على نوع من المقايضة أو التواطؤ مع المتلقي. احتواء ومقايضة تأخذ بيد المتلقي إلى العالم الذي يريد الفنان أن يُغرق المتلقي فيه. غالبًا ما استندت اللوحات على مثال معروف، وكثيرًا ما كان هذا المثال متعلقًا بالجسم البشري، وجوهًا وأجسادًا وأعضاء ووضعيات. وثمة فنانون كثيرون اشتغلوا على ثيمة الطبيعة، بوصفها الطعم الذي يريد الفنان منه أن يورط المشاهد بعالمه الغامض والزاخر والطافح بالألوان.

بعض لوحات منصور الهبر تضم شخوصًا في زاوية من زواياها. لكنهم الثابتون الوحيدون على سطحها

إنما مهلًا، من قال إن هذا الطعم يجب أن يكون وجهًا أو عينًا أو جسمًا كاملًا أو شجرة؟ هذا الجسم يعرّف أيضًا بوظائفه، باسترخائه، باستمتاعه، بارتجافه، بألمه، بحيرته. ولو غاص المرء أبعد قليلًا: بدمه، بجرحه، برجله المقطوعة، بالندبة التي على الوجه، بالثدي الذي أزيل بعملية جراحية. وهذه كلها علامات تناسب الزمن في بلد كلبنان، خاض حروبًا لم تتوقف على مدى عقود، خلفت ندوبًا وجروحًا ومخطوفين وقتلى أصعب من أن تحصي الذاكرات حيواتهم وأسماءهم وسيرهم.

اقرأ/ي أيضًا: يزن حلواني.. بلادٌ تصدِّر أبناءها

بعض لوحات منصور الهبر تضم شخوصًا في زاوية من زواياها. لكنهم الثابتون الوحيدون على سطحها، وما يجعلهم ثابتين في هذه الزاوية هو ضآلتهم على الأرجح، عدم قدرتهم على التأثير في ما حولهم. فيما متن لوحته الفعلي يعج بالألوان ويهرب من التنميط الهندسي، ألوان هي عبارة عن ديكولاج لا ينتهي إلا حين ينزع حدث ما أو أحد ما اللوحة من يد الفنان. وعلى نحو ما قد لا تفاجئ اللوحة المشاهد، لأن العين، عين المشاهد، في معظم حالاتها لا تتعدى كونها أداة إبصار، ولا تتحول إلى شاهدة على الفاجعة إلا في لحظة الفاجعة. وحيث إن العرض الفني هو عرض مخطط مسبقًا، ومعتنى بكل تفاصيله من قبل، فإن العين في هذه الحالة تفقد القدرة على التحول إلى شاهد على فاجعة. لكن الأسلوب الذي يصر الهبر على اعتماده في تشكيل لوحته جدير بأن يفاجئ الفنان نفسه قبل مفاجأة المشاهد. فأن تنزع القطعة التي ألصقتها قبل قليل ووضعت عليها ألوانًا، وتحاول تمزيقها عن وجه اللوحة، فهذا يعني أنه يجدر بك أن تتوقع من اللوحة اتخاذ شكل لا قدرة لك على التحكم به. فما يتم التحكم فيه في هذه اللوحة، هو الإنسان الضئيل، الذي غلبه الأسلوب وغلبته الأشياء وتغلبه الحياة.

منصور الهبر يرسم. ليس مهمًا ما يرسمه، المهم في عمله هو كيف يرسمه "بحسب تعبيره"، وإذا أردنا أن ندقق أبعد من هذا التصريح، يمكن القول أن المهم في عمله ليس ما يراه بل ما ألمّ به. لحظة الرسم بكل ما يحيط بها ويداخلها من مشاعر وأحاسيس هي التي تحدد مسار اللوحة ومسار شخوصها. والرسام بهذا المعنى ليس معنيا بالتوضيح، ذلك أن مثل هذه اللوحات تشبه الغوص تحت الجلد، حيث، تصير الألوان تعبيرًا عن العماء الكامل في مواجهة العالم الذي يرفل باللون.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"المرآة الصامتة".. تمثّلات الجسد الأسود

أعمال شوقي يوسف.. ما تراه عينك لا ما ترسمه يدك