21-أبريل-2025
عُرف البابا فرنسيس الثاني بمواقفه الإنسانية اللافتة (منصة إكس)

عُرف البابا فرنسيس الثاني بمواقفه الإنسانية اللافتة (منصة إكس)

أعلن الفاتيكان، صباح الإثنين، وفاة البابا فرنسيس الثاني عن عمر ناهز 88 عامًا، بعد أقل من ثلاثة أسابيع من خروجه من المستشفى  "جيميلي" في روما الذي دخله إثر إصابته بالتهاب رئوي حاد كاد يودي بحياته.

وجاء الإعلان الرسمي عن الوفاة على لسان الكاردينال كيفن فاريل، الذي قال في بيان: "أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، بحزن عميق نعلن وفاة أبينا القديس فرنسيس. عند الساعة 7:35 صباحًا، عاد أسقف روما إلى بيت الآب. لقد كرس حياته بالكامل لخدمة الرب وكنيسته".

وأشار فاريل إلى أن البابا فرنسيس "علّم البشرية كيف تعيش قيم الإنجيل بأمانة وشجاعة، وبمحبة شاملة، خاصة تجاه الفقراء والمهمّشين".

جاء الإعلان الرسمي عن الوفاة على لسان الكاردينال كيفن فاريل

رسالة في آخر ظهور علني

وكان البابا قد ظهر علنًا يوم الأحد الماضي في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان، خلال احتفالات "عيد الفصح" المسيحي، حيث أطلّ على حشود المؤمنين من على كرسي متحرك، وألقى تحية العيد بصوت متقطع قبل أن يبارك المصلّين ويتجول في الساحة محاطًا بحراسه، رغم معاناته من آثار المرض.

في خطاب ألقاه أحد معاونيه نيابة عنه، وجّه البابا فرنسيس نداءً جديدًا لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، مطالبًا بإطلاق سراح المحتجزين وإيصال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى السكان المحاصرين. وقال: "الحرب في غزة تخلّف الموت والدمار، وتفاقم كارثة إنسانية مروّعة ومشينة".

وخلال كلمته أمام الحشود المتجمعة في ساحة القديس بطرس، عبّر البابا عن تضامنه مع المدنيين قائلًا: "أنا قريب من آلام المسيحيين في فلسطين وإسرائيل، ومن معاناة الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني على حد سواء". وأضاف: "أفكاري تتجه إلى سكان غزة، ولا سيّما الجماعة المسيحية هناك، حيث لا يزال هذا النزاع الرهيب يحصد الأرواح ويُخلّف دمارًا واسعًا".

يذكر أن بابا الفاتيكان، اقترح في كتابٍ نشره العام الماضي، إطلاق دراسة دولية لتحديد ما إذا كان العدوان الإسرائيلي على غزة يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.

وقال: إن "بعض الخبراء الدوليين يرون أن العمليات العسكرية الإسرائيلية قد تنطوي على سمات الإبادة الجماعية"، مشددًا على ضرورة إجراء تحقيق معمّق لتبيّن مدى انطباق الأفعال المرتكبة على التعريف القانوني الدقيق للإبادة، كما وضعه خبراء القانون والمنظمات الدولية".

وتُعدّ هذه التصريحات من أشد الانتقادات التي وجهها البابا فرنسيس لنهج الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانه المستمر على قطاع غزة.

لقاءه الأخير مع نائب ترامب 

صبيحة يوم الأحد، عُقد آخر لقاء رسمي للبابا الراحل، حين استقبل في مقر إقامته نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، الذي يزور إيطاليا برفقة عائلته. اللقاء كان قصيرًا ومخصصًا لتبادل التهاني بعيد الفصح.

وعُرف عن فانس خلافه العلني مع البابا بشأن سياسات الهجرة التي تنتهجها إدارة الرئيس دونالد ترامب، حيث انتقد الفاتيكان تلك السياسات بشدة، واعتبر البابا فرنسيس في أكثر من مناسبة أن "الحملة على المهاجرين وصمة عار".

وفي رسالة مفتوحة غير معتادة وجّهها إلى الأساقفة الكاثوليك الأميركيين في شباط/فبراير الماضي، فنّد البابا فرنسيس المبررات التي قدّمها جي دي فانس لتبرير حملة إدارة ترامب ضد الهجرة، واصفًا خطة ترامب بـ"الأزمة الكبرى" التي تواجه الولايات المتحدة.

وقال البابا في رسالته: "ما يُبنى على القوة، لا على الحقيقة التي تؤكد المساواة في الكرامة بين جميع البشر، يبدأ بداية سيئة وينتهي نهاية أسوأ".

صوت مناهض للحرب ومناصر للفقراء

تميّز البابا فرنسيس الثاني خلال حبريّته بمواقفه الجريئة تجاه النزاعات العالمية، حيث دعا مرارًا إلى "إسكات صوت السلاح" و"التغلّب على الانقسامات"، وتبنّى خطابًا إنسانيًا عالميًا يتجاوز حدود الكنيسة، متضامنًا مع اللاجئين، والمهاجرين، وضحايا الظلم الاجتماعي، وداعمًا لقضايا البيئة والعدالة الاجتماعية.

وفي الأشهر الأخيرة، خصّص اهتمامًا متزايدًا بالعدوان الإسرائيلي على غزة، ووصف الوضع الإنساني في القطاع بـ"الخطير جدًا"، مؤكدًا أن استمرار الحرب "يمثل فشلًا أخلاقيًا عالميًا".

ماذا بعد وفاة البابا؟

يُعد البابا رأس الكنيسة الكاثوليكية، وهو يحمل سلطة روحية كاملة على نحو 1.4 مليار كاثوليكي حول العالم. بعد وفاته، تُقام مراسم جنازة رسمية، وقد قرر البابا فرنسيس تبسيط هذه الإجراءات، حيث اختار تابوتًا خشبيًا مبطنًا بالزنك ورفض وضع جثمانه على منصة مرتفعة كما جرت العادة.

وسيُدفن البابا الراحل في كاتدرائية "سانتا ماريا ماجوري" في روما، ليكون بذلك أول بابا منذ أكثر من قرن يُدفن خارج الفاتيكان. في خطوة رمزية غير تقليدية، كان البابا فرنسيس قد أعلن في عام 2023 رغبته في أن يُوارى الثرى هناك، بعيدًا عن تقليد دفن البابوات في سراديب الفاتيكان، موصيًا بأن يكون تابوته مصنوعًا من الزنك والخشب، في ابتعاد مقصود عن مظاهر التكلّف والبذخ.

"الكرسي الشاغر"

بعد وفاة البابا، يدخل الفاتيكان في فترة حداد رسمية تستمر تسعة أيام تُعرف باسم "Novemdiales"، تتخللها صلوات ومراسم دينية خاصة، ويُعرض جثمان البابا في كاتدرائية القديس بطرس لوداع الجمهور. وتُقام الجنازة عادةً في غضون 4 إلى 6 أيام من تاريخ الوفاة.

بالتزامن مع ذلك، تبدأ حالة "Sede Vacante"، أي "الكرسي الشاغر"، حيث يتوقف الباب الرسولي ويُعلَن شغور الكرسي البابوي. خلال هذه المرحلة، يتولى مجمع الكرادلة مسؤولية إدارة شؤون الكنيسة، لكن دون اتخاذ قرارات مصيرية أو كبرى، في حين تتوقف مهام معظم المناصب الإدارية في الفاتيكان التي كانت معيّنة من قبل البابا الراحل، إلى حين انتخاب خلف جديد.

خلال الفترة الانتقالية، التي تمتد من 15 إلى 20 يومًا، يتولى مجمع الكرادلة إدارة شؤون الكنيسة، إلى أن يُعقد ما يُعرف بـ"الكونكلاف"، حيث يُنتخب البابا الجديد بسرية تامة داخل كنيسة "السيستين". يشارك في الانتخاب الكرادلة الذين تقل أعمارهم عن 80 عامًا، وعددهم 138 من أصل 252.

وعند اختيار البابا الجديد، يُعلن النبأ عبر ظهور الدخان الأبيض من مدخنة الكنيسة، ثم يُقدَّم البابا المنتخب من على شرفة كاتدرائية "القديس بطرس"، وتُعلن العبارة الشهيرة: "Habemus Papam" (لدينا بابا).

من يمكنه أن يصبح بابا؟

نظريًا، يمكن لأي رجل كاثوليكي معمّد أن يُنتخب بابا، لكن فعليًا، يُختار دائمًا من بين الكرادلة. ورغم انتخاب البابا فرنسيس من الأرجنتين عام 2013، إلا أن أغلبية الباباوات – 217 من أصل 266 – كانوا إيطاليين.

محطات بارزة في حياة الحبر الأعظم

وُلد البابا فرنسيس الثاني في 17 كانون الأول/ديسمبر 1936، في بوينس آيرس بالأرجنتين، باسم خورخي ماريو برغوليو، لعائلة من المهاجرين الإيطاليين. التحق بالرهبنة اليسوعية عام 1958 بعد تعافٍ من مرض خطير، ورُسّم كاهنًا عام 1969.

بين عامي 1973 و1979، شغل منصب الرئيس الإقليمي للرهبنة اليسوعية في الأرجنتين، ثم عُين رئيسًا لأساقفة بوينس آيرس عام 1998، وأصبح كاردينالًا في عام 2001.
في 13 آذار/مارس 2013، تم انتخابه ليكون البابا الـ266 للكنيسة الكاثوليكية، وأول بابا من أميركا اللاتينية، واختار اسم "فرنسيس" تيمنًا بالقديس فرنسيس الأسيزي، رمز الفقر والتواضع.

إرث فرنسيس: إصلاحات، وعدالة، وبيئة

ترك البابا الراحل فرنسيس  الثاني بصمته واضحة من خلال جملة من الإصلاحات الجوهرية داخل الفاتيكان، كان أبرزها إصلاح الهيكل الإداري والمالي للكنيسة، بما في ذلك تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، فضلًا عن اتخاذه خطوات غير مسبوقة كتعزيز حضور النساء في مواقع قيادية داخل "الكوريا الرومانية" (الجهاز الإداري والتنفيذي والاستشاري الذي يساعد البابا في الفاتيكان )، في سابقة تاريخية.

كما رسّخ مكانته كمدافع عن العدالة الاجتماعية، معتبرًا حماية الفقراء والمهاجرين "أولوية أخلاقية"، وحرّك الكنيسة نحو مناصرة قضايا البيئة من خلال رسالته العامة الشهيرة  "Laudato Si" عام 2015، التي وصف فيها كوكب الأرض بأنه "البيت المشترك الذي يجب حمايته". كما واجه ملفات حساسة كجرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال داخل الكنيسة عبر مرسوم "Vos estis lux mundi" الذي عزّز آليات المساءلة.