18-أغسطس-2015

صار النقل عبئًا اقتصاديًا يضاف إلى أعباء الطلاب (Getty)

يعدّ قطاع النّقل في لبنان أحد القطاعات المنسية، كواحدٍ بين سلسلة طويلة من القطاعات التي لا تكتسب من الاسم سوى الصفة. فقطاع النّقل لا يزال يعاني من ضعفٍ في التّجهيز، على المستويين الرّسمي والخاص، وتغيب عنه خطط التّنمية منذ أكثر من 39 عامًا، لتختفي هذه الخطط في الأدراج خدمةً لمافيات النّقل الخاص ومحسوبيات المحاصصة السّياسية، مما يسبب، إضافةً إلى زحمات السّير، مشكلات أخرى، منها معاناة طلاب المناطق النّائية من مشكلة الوصول إلى جامعاتهم.

تتجاوز كلفة الوصول إلى الجامعات الجنوبية من الشّريط الحدودي مع فلسطين المحتلة الـ200 $ شهريًا

وكعادتها، لا تلحظ الدّولة اللبنانية غياب النّقل العام عن 75% من المدن والقرى، لتترك النّاس فرائس لمافياتٍ مختصّة. فبدل أن تعمل الدّولة على وصل المناطق بشبكة باصات، وتقرّ خطط لتطوير القطاع كالنّقل البحري مثلًا، تغطّي جداول الأسعار التي يقرّها أصحاب الباصات الخاصة وتسهم في تدمير ما تبقى من فرص لاستمرارها في رعاية النّقل العام. يبرمج الطّلاب في قرية "العديسة" الجنوبية ومثلهم طلاب القرى المجاورة جداولهم الوقتية على ساعة ومواقيت الباصات الخاصة. يقول علي، أحد الطلاب، "صفوفي تبدأ عند السّاعة العاشرة، لكنّي أضطر للاستيقاظ عند الرابعة فجرًا لأن الباص الصبّاحي الوحيد ينطلق عند السّادسة والنّصف"، ويكمل ممازحًا "عندي صفّ بالكافيتيريا بيبدا عال 8 الصّبح"، فيما قرّرت علا أن تشتري سيارتها الخاصة، حيث تشكو الكلفة الاقتصادية الكبيرة جرّاء امتلاك سيارة لم تكن بحاجتها لولا غياب النّقل ومحدوديته.

غياب النّقل العام عن هذه المناطق إن كان في الجنوب، الشّمال أو البقاع، انعكس سلبًا على الطّلاب، وصار عبئًا اقتصاديًا يضاف إلى أعبائهم، من امتلاك سيارة إلى الاضطرار أحيانًا لترك الجامعة بسبب تعذّر الوصول وكلفته. تتعدى كلفة الوصول إلى الجامعات الجنوبية من الشّريط الحدودي مع فلسطين المحتلة، أي العديسة، كفركلا، مرجعيون، الخيام وغيرها، مبلغ الـ375 ألف ليرة لبنانية، أكثر من مئتي دولار أمريكي شهريًا للطالب الواحدة، ما بين سيارات أجرة وباصات خاصة، أما في عكّار، فيتكبّد الطالب 20 ألف ليرة/17 دولار يوميًا للوصول من عكّار العتيقة إلى طرابلس والعودة منها، في حين يدفع الطّالب البقاعي من قرية الفاكهة 10 آلاف ليرة/7 دولارات ليصل إلى زحلة في رحلة الذّهاب والإياب طلبًا للعلم. وبمثل هذه الأرقام، يمكن العبور من أول باريس إلى آخرها في مترو الأنفاق السريع.

تتجاهل الدّولة ووزارة النّقل العام والأشغال هذه المشاكل، بدلًا من أن تعمل بالخطط التي قدّمت لها ولا سيما من "منتدى الشّباب الاقتصادي" وآخرين، حيث قدّمت خطط لتفعيل النّقل العام وزيادة أعداد الباصات، بالإضافة إلى مشروع الـ"PPT – private public transportation" القائم على فكرة تعاون القطاعين العام والخاص بهدف تأمين نقل بحري تحت إشراف الدّولة، لكن المشروع لا يزال مرميًا ومنسيًا. يصف هادي، الشّاب الشّمالي معاناته قائلاً "اطررت للانتقال من فنيدق إلى بيروت، ذنبي أنّي أردت أن أكمل تحصيلي العلمي، فكانت الضّريبة هي ابتعادي عن أهلي ومنطقتي".

تجاهل قطاع النّقل العام ينعكس سلبًا على الاقتصاد اللبناني، فيؤثّر على نسبة التّحصيل العلمي، ومعدّل الإنتاج العام، في حين أن الدّولة في حال تطبيقها خطّة النّقل العام المقرّة في أواخر نيسان/أبريل العام 2009، والتّي تنصّ على تحديد خطوط السّير ومناطق العمل وتجميعها ضمن رزنامة عمل، وتحديد متطلبات تشغيلها ومستوى أدائها، بما يشمل تأمين خدمة منتظمة، وبتكاليف مقبولة. إلى ذلك، يتوجب إعداد دفاتر الشروط وملفات التلزيم لتشغيل خطوط السير، مناطق العمل واستلام العروض، تمهيدًا لترسية الالتزامات ومباشرة الشركات المشغلة عملها. هذه الخطة، لأول مرة، تم من خلالها تحديث الدراسات السابقة لتشمل كل جميع الأراضي اللبنانية. والخطة الموعودة، جاهزة للعمل لكنها بحاجة إلى قرار ومرسوم من مجلس الوزراء. ومن المتوقع أن يسري النقل العام بالباصات الموحدة باللون 7 أيامٍ في الأسبوع، والعمل من السادسة صباحًا حتى منتصف الليل، مع خدمة مميزة وتنظيم للوقت وتأمين فرص عمل لكل المناطق. وأظهرت هذه الخطة أنها "غير مكلفة للخزينة اللبنانية".

هذه الخطة، البديعة، إن نفّذت، كانت لتخفف الضّغط على المدن الرئيسية، وتاليًا تزيد من نسبة الخريجين من الجامعات اللبنانية، كما ستتيح فرص عمل جديدة، وتقلص تكاليف النّقل على الطّلاب، والأهم، من شأنها تشجيع الاستثمارات في المناطق البعيدة عن المدن، أي الإسهام في زيادة التّنمية البشرية، لكن، لا مُجيب ولا وزيرٌ يقرّر، حتى الآن.