أطفال ولدوا خلال العدوان على غزة.. حرب وجوع وسوء تغذية وحصار إسرائيل
11 مايو 2025
يواجه آلاف الأطفال في قطاع غزة خطرًا حقيقيًا بالموت جوعًا نتيجة الحصار الإسرائيلي الكامل، الذي يمنع دخول الغذاء والدواء، بالإضافة إلى حليب الأطفال منذ الثاني من آذار/مارس الماضي. وفي ظل الانهيار المتواصل للقطاع الصحي، وتزايد حالات سوء التغذية، تتواصل تحذيرات المنظمات الدولية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد حياة الأطفال والمدنيين على حد سواء.
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن عدد الشهداء في غزة ارتفع منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 إلى أكثر من 52,600 شهيد، بينهم 18 ألف طفل، ونحو 12,400 امرأة، مضيفًا أن عدد الأطفال والنساء المفقودين جراء حرب الإبادة الجماعية المتواصل بلغ 4,700 طفل وامرأة.
لم تعش لحظة سلام واحدة منذ ولادتها
تشير صحيفة "الغارديان" البريطانية في تقرير لها إلى أن الطفلة، سوار عاشور، ولدت في غزة وسط الحرب والجوع، حيثُ لم تعرف في حياتها القصيرة شيئًا غيرهما، لافتةً إلى أن هذه الطفلة تواجه خطر الموت دون أن تعيش لحظة سلام واحدة أو تشعر بالطمأنينة.
يواجه آلاف الأطفال في قطاع غزة خطرًا حقيقيًا بالموت جوعًا نتيجة الحصار الإسرائيلي الكامل، الذي يمنع دخول الغذاء والدواء، بالإضافة إلى حليب الأطفال منذ الثاني من آذار/مارس الماضي
وكانت عاشور، التي لم تُكمل ستة أشهر بعد، قد ظهرت في تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "BBC"، كدليل واقعي على حالة التجويع المتعمد التي يفرضها جيش الاحتلال في غزة، إذ إنها عند ولادتها، في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، لم تكن تزل سوى 2.5 كغ. وهي منذ ولادتها، تعاني مشكلة صحية في المريء، ما يصعب عليها الرضاعة الطبيعية، ويجعلها تعتمد على حليب خاص للأطفال، الذي أصبح نادرًا للغاية في ظل الحصار.
وتقول "الغارديان" إن منزل والديها الواقع في مخيم النصيرات كان قد تعرض للقصف منذ بدء العدوان على غزة قبل 31 شهرًا، مشيرة إلى أن عائلتها انتقلت للعيش في خيمة، لكن الحصول على الماء والغذاء كان شبه مستحيل. وأضافت أنه في الوقت الذي شن جيش الاحتلال غارة جوية استهدفت المخيم الذي كان يأوي العائلة، فإن منزل العائلة تعرض أيضًا للدمار جراء الغارات الإسرائيلية.
حياة تعتمد على المساعدات الشحيحة
في حديثها للصحيفة البريطانية، تقول والدة الطفلة نجوى أرعم (23 عامًا): "كنت مرهقة طوال الوقت، لا خصوصية ولا راحة. لم يكن هناك طعام أو تغذية مناسبة، وعندما أنجبت سوار، لم تكن مثل باقي الأطفال". وتضيف أرعم أن سوار عندما ولدت "كانت جميلة رغم الضعف البادي على ملامحها، لكنها اليوم نحيلة بشكل مخيف"، مشيرةً إلى أن "الأطفال في عمرها يفترض أن يزنوا ستة كغ أو أكثر، لا ما بين 2 إلى 4 كغ فقط".
وقد اكتشفت أرعم في نيسان/أبريل الماضي أنها حامل مجددًا، لكنها تعيش في رعب دائم من فقدان سوار قبل أن ترى شقيقتها أو شقيقها النور. ووفقًا لـ"الغارديان"، انتقلت أرعم إلى خانيونس للإقامة مع والدتها، لكنها بدلًا من ذلك، قضت أغلب الأشهر الماضية في المستشفى مع طفلتها الهزيلة.
أما بالنسبة لزوجها صالح، وهو كفيف، فإنه لم يتمكن من مرافقتهم بسبب ظروف الحرب، حيثُ لم يستطع زيارتهم في المستشفى سوى مرة واحدة فقط، لأنه لا يستطيع التحرك دون مرافق. تقول أرعم: "رغم أنه كفيف، كان يلهو مع سوار كثيرًا"، وأضافت "هو متعلّق بها بشدة، ويخشى فقدانها أكثر مني".
تعيش عائلة أرعم في القطاع، مثل معظم العائلات الغزية، بلا مصدر دخل، حيثُ تعتمد على ما تقدمه مطابخ الإغاثة وبعض المساعدات الإنسانية، التي أصبحت شحيحة نتيجة الحصار الإسرائيلي المتواصل على القطاع. وقد وصف مدير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، فيليب لازاريني، سياسة التجويع المتعمدة التي يمارسها الاحتلال في القطاع بأنها "أبشع أشكال القسوة".
آلاف الأطفال معرضون لخطر لإصابة بسوء التغذية
ووفقًا لأحدث بيانات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن الاحتلال الإسرائيلي يفرض حصارًا كليًا على جميع المعابر المؤدية إلى غزة منذ 70 يومًا، مانعًا دخول ما لا يقل عن 39 ألف شاحنة مساعدات إنسانية ووقود ودواء، مضيفًا أن جميع المخابز العاملة في القطاع قد توقفت بشكل كامل منذ 40 يومًا.
وأشار المكتب الإعلامي إلى أن سياسة التجويع المتعمدة التي ينتهجها الاحتلال في القطاع تسبّبت بحرمان نحو 2,2 مليون فلسطيني من الغذاء الأساسي، بالإضافة إلى "تفاقم المجاعة ونقص التغذية لا سيما في أوساط الأطفال والمرضى وكبار السن"، محذرًا من أن نحو 65 ألف طفل أصبحوا "معرّضون للموت بسبب سوء التغذية وانعدام الغذاء".
وأكد المكتب الإعلامي في بيانه أن "المجاعة باتت تفتك على نحو متسارع بعشرات الآلاف من العائلات الفلسطينية، وسط انعدامٍ تام للغذاء، وتعطّل متواصل لمرافق الصحة، وفقدان معظم الأدوية والمستلزمات الطبية، بفعل الحصار ومنع الإمدادات من قبل الاحتلال الإسرائيلي"، مطالبًا "بإرسال بعثات تحقيق دولية مستقلة لتوثيق هذه الجرائم ومحاسبة قادة الاحتلال الإسرائيلي".
أريد أن تعيش ابنتي مثل أطفال العالم
تعكس قصة أرعم وابنتها واقع الحياة المأساوي الذي يواجهه المدنيون في غزة، حيثُ لم يبتقَ لهذه العائلة الصغيرة سوى كيس طحين وعدد قليل من العلب الغذائية. تقول أرعم لـ"الغارديان": "عندما تنفد، لن نتمكن من شراء شيء بسبب الأسعار المرتفعة". كما أن الحالة الصحية للأم حديثة الحمل ليس جيدة أيضًا، تقول أرعم: "أنا أيضًا أعاني من سوء التغذية، ومع ذلك أحاول إرضاع سوار، لكنها ترفضني وتستمر في البكاء، وترفض الرضاعة تمامًا. لهذا اعتمدت على الحليب الصناعي، الذي كان يكفينا لشهر، واليوم لا يدوم أكثر من أسبوع".
وفقًا لـ"الغارديان"، قضت أرعم وسوار أغلب شهر آذار/مارس الماضي في مستشفى دير البلح، حيث تمكّنتا من الحصول على نوع حليب ساعد في تحسّن وزن الطفلة ليصل إلى 4 كغ، كما "بدأت سوار تبتسم وتلعب"، الأمر الذي منح والدتها "أملًا كبيرًا بتحسّن صحتها". لكن هذا الأمل لم يدم طويلًا، فبعد مغادرتهما المستشفى تدهورت حالة الطفلة مجددًا، وتم تحويلها إلى مستشفى ناصر في خانيونس، حيث لا تزالان حتى الآن.
توضح أرعم في حديثها للصحيفة البريطانية أن "الأطباء يبذلون جهدهم، لكن سوار لا تتقبل الحليب المخصص لها، والوضع داخل المستشفى كارثي"، مشيرة إلى أن "كل غرفة فيها ستة مرضى، وكل ما حولك معاناة. يوجد أطفال أسوأ حالًا منها". وأضافت أرعم مختتمة حديثها بالقول: "رؤية طفلتي بهذا الشكل يوميًا تصيبني بالأرق والقلق. أحيانًا لا أتحمل وأبكي من الخوف"، لافتة إلى أن أمنيتها الوحيدة تتمثل في "أن تُفتح المعابر ليدخل الحليب والغذاء والدواء."، مؤكدة أن كل تريده "هو أن تعيش سوار مثل باقي الأطفال في العالم".
الصور أصبحت حقيقية في غزة
يسجل مستشفى ناصر ما بين خمسة إلى عشرة حالات جديدة مصابة بسوء التغذية يوميًا، بحسب ما صرح مدير قسم الأطفال والولادة في المستشفى أحمد الفراح للصحيفة البريطانية، لافتًا إلى أن "الأعراض تظهر سوء التغذية على الأطفال بشكل مرعب ومرئي بوضوح"، وتابع مضيفًا "لا نملك ما نقدمه لهم. هم بحاجة إلى بروتينات، وهي غير متوفرة"، موضحًا أنهم يحاولون تقديم الحليب المجفف للأطفال فقط، وهذا أكثر ما يمكنه توفيره للأطفال.
وأشار الفراح إلى أن الاكتظاظ الشديد داخل المستشفيات يزيد من خطر انتقال الأمراض بين الأطفال. كما ذكر الطبيب الفلسطيني أن الوقود المتوفر في المسشتفى "يكفي لتشغيل المولدات لمدة 48 ساعة فقط"، مضيفًا أنهم أوقفوا الكهرباء في الطوابق الإدارية لإطالة فترة التشغيل، لكن قريبًا سيتوجب عليهم قطع الكهرباء عن غرف المرضى المزدحمة.
وفي شهادة تعكس الواقع الصحي المأساوي في القطاع، يقول مدير قسم الإطفال والولادة في مستشفى ناصر: "كنت أظن أن ما تعلمته عن سوء التغذية في كتب الطب سيبقى نظريًا، شيئًا لا نراه في الواقع"، وأضاف "لكن تلك الصور أصبحت حقيقية الآن أمام أعيننا في غزة".
واختتم الفراح حديثه لـ"الغارديان" قائلًا: "نحن عاجزون تمامًا أمام احتياجات هؤلاء الأطفال. لا نملك طعامًا ولا مكملات ولا أدوية ولا حتى فيتامينات تناسب حالاتهم"، مناشدًا المجتمع الدولي والعالي بأن ينظر إلى سكان غزة باعتبارهم "بشرًا، مثل الجميع".