27-مارس-2025
أطفال مبتوري الأطراف

(AP) طبيب يساعد طفل على السير لأول مرة بساق اصطناعية في غزة، 18 فبراير 2025

يُشكل العدد الهائل للأطفال الذين فقدوا أطرافهم جراء العدوان الإسرائيلي على غزة أحد المشاهد الأكثر صدمة، في الوقت الذي وصف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية حالات الأطفال مبتوري الأطراف في غزة، بأنها "أكبر عدد من الأطفال مبتوري الأطراف في التاريخ الحديث".

ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، لم تكن المساعدات والخدمات الطبية المقدمة للأطفال والبالغين، الذين بُترت أطرافهم، كافية لتلبية الاحتياجات. لكن اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في منتصف كانون الثاني/يناير الماضي، سمح للمنظمات الدولية بإدخال المزيد من الأطراف الصناعية والكراسي المتحركة والعكازات وغيرها من الأجهزة المساعدة.

لكن برنامج الإعاقة التابع لجمعية "العون الطبي للفلسطينيين" يقول إن المساعدات بهذا الشأن غطت نحو 20% من الاحتياجات الفعلية. وفي الثاني من آذار/مارس الجاري، أعلن رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، منع دخول جميع المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الطبية، إلى غزة.

مع قلة المساعدات الطبية، يواجه الأطفال آلامًا نفسية هائلة إلى جانب معاناتهم الجسدية بعد فقدان أطرافهم، في الوقت الذي ارتفع عدد الأطفال مبتوري الأطراف بشكل كبير

والآن، ومع قلة المساعدات الطبية، يواجه الأطفال آلامًا نفسية هائلة إلى جانب معاناتهم الجسدية بعد فقدان أطرافهم، في الوقت الذي ارتفع عدد الأطفال مبتوري الأطراف بشكل كبير، جراء استئناف جيش الاحتلال حرب الإبادة الجماعية على غزة في 18 آذار/مارس الجاري.

"الألم يبقى ألمًا، والبتر يبقى بترًا"

بحسب تقرير لوكالة "أسوشيتد برس"، بعد 15 شهرًا من بتر ساقها جراء غارة جوية إسرائيلية، حاولت الطفلة سيلا أبو عقلان، ذات الخمس سنوات، السير لأول مرة بطرف صناعي في عيادة بمدينة غزة. بحذاء زهري مزين بشرائط الدانتيل، يتناسب مع سترتها الوردية، حاولت سيلا المشي بتركيز، في لحظة طال انتظارها بعد معاناة طويلة.

فقدت سيلا والدتها ووالدها وأخواتها في غارة جوية في ديسمبر 2023، وأصيبت بحروق خطيرة في ساقها اليمنى، ورغم خضوعها لمدة شهر للعلاج، لم يظهر عليها أي تحسن، مما اضطر الأطباء لبتر ساقها فوق الركبة. تقول خالتها ياسمين الغفري لـ"أسوشيتد برس": "أحاول قدر الإمكان أن أجعلها سعيدة. لكن الحقيقة هي أن السعادة لها حدود"، تضيف خالة سيلا: "الألم يبقى ألمًا، والبتر يبقى بترًا".

تراقب سيلا الفتيات الأخريات وهن يلعبن، وتحاول مجاراتهن باستخدام جهاز المشي، لكنها تسقط كثيرًا. وتساءلت مرارًا: "لماذا أنا هكذا؟ لماذا لست مثلهن؟"، وفقًا لما قالت خالتها لـ"أسوشيتد برس".

أطراف اصطناعية
خبير يصنع أطرافًا اصطناعية داخل مركز في غزة، 18 فبراير 2025 (AP)

أما بالنسبة لريم (11 عامًا)، والتي فقدت يدها في غارة جوية في تشرين الأول/أكتوبر 2023 أثناء فرار عائلتها من منزلهم في غزة، فإنها لم تعد قادرة على ارتداء ملابسها أو تمشيط شعرها، وتعاني من العزلة والغضب. تقول والدتها: "في إحدى المرات، أخبرت ريم والدها أنّها تتمنى الموت"، وأضافت "في مناسبة أخرى، كنا نتحدث عن اللحم، فقالت: اذبحوني كالخروف، وكانت تضحك".

في أيار/مايو الماضي، بُترت ساق معاذ عبد العال (13 عامًا)، من فوق الركبة إثر غارة إسرائيلية على رفح. فرّت عائلته إلى مخيم مؤقت في خانيونس، ثم عادت إلى جباليا ليجدوا منزلهم مدمّرًا، ما أجبرهم على العيش في خيمة. يقول والد معاذ إن حالة ابنه النفسية تدهورت، خاصة بعد بتر إضافي لساقه بسبب مضاعفات خطيرة، وفقدانه عددًا من أصدقائه في الحي.

تأمل أسماء النشاش في سفر ابنها عبد الرحمن (11 عامًا)، لتلقي العلاج وتركيب طرف صناعي. إذ فقد ساقه جراء شظية من غارة جوية أثناء بيعه الحلوى في مدرسة أممية تحولت لمأوى بالنصيرات. تقول والدته: "غالبًا ما يجلس بمفرده ويلعب على هاتفي لأنه لا يستطيع اللعب مع أصدقائه"، وأضافت أن "الأطفال يسخرون منه، وينادونه: الصبي ذو الساق الواحدة"، وتابعت قائلة: "قلبي يتقطع عندما أراه بهذه الحالة، ولا أستطيع فعل شيء من أجله".

13 ألف مريض ينتظرون فرصة مغادرة غزة للعلاج

بحسب "أسوشيتد برس"، تتلقى سيلا العلاج في مركز الأطراف الصناعية وشلل الأطفال في غزة، الذي تديره اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لتقديم العلاج الفيزيائي والكراسي المتحركة والأطراف الصناعية. لكن الإمدادات غير كافية. ووفقًا لمحمود شلبي من جمعية "العون الطبي للفلسطينيين"، يحتاج 50 إلى 60 شخصًا كرسيًا متحركًا يوميًا في شمال غزة وحده.

وقد تم إجلاء بعض الأطفال مبتوري الأطراف من غزة لتلقي العلاج في الخارج، لكن وتيرة الإجلاء بطيئة، مع نقل بضع عشرات فقط يوميًا. كما تقلصت الأعداد بعد استئناف العدوان الإسرائيلي على غزة، بينما ينتظر حوالي 13 ألف مريض فرصة المغادرة. وبحلول تشرين الثاني/نوفمبر 2024، قُدر عدد الأطفال مبتوري الأطراف بين ثلاثة وأربعة آلاف، فيما أصيب نحو 17,500 شخص بجروح خطيرة، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية

تختم "أسوشيتد برس" تقريرها بالإشارة إلى أن خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، عانت المستشفيات من نقص الأدوية التي كان من الممكن أن تمنع عمليات البتر. وأكد الأطباء أنهم اضطروا لبتر أطراف بسبب التهابات قابلة للعلاج. وأعلنت وزارة الصحة في غزة استشهاد أكثر من 15 ألف طفل تحت 17 عامًا، بينهم خمسة آلاف طفل دون السادسة و876 رضيعًا.