29-ديسمبر-2017

قدم ظاهرة أطفال الشوارع في مصر لا يجب أن يسهل تقبلها وانغماسها (UIG/Getty)

تُقدّر الأعداد الرسمية لأطفال الشوارع في مصر بما يقارب 16 ألفًا، حسب آخر تقرير صادر من المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية التابع لوزارة التضامن الاجتماعي في بداية عام 2015، وهو عدد مناف للواقع وللإحصاءات الرسمية الأخرى الصادرة في العام نفسه عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف"، والتي نصّت على وجود ما يقارب 150 مليون طفل شارع في العالم، منهم مليونان بمصر يتركز أغلبهم في محافظتي القاهرة والإسكندرية.

ظاهرة أطفال الشوارع ليست بحديثة العهد أو الغريبة عن المجتمع المصري حتى أصبح من العادي لجموع الشعب تقبلها والتعايش مع مخلفاتها

أطفال الشوارع.. واجهة لما هو أخطر

مشكلة أطفال الشوارع أو من هم بلا مأوى ليست المشكلة الوحيدة أو الكبرى أو الانتهاك الوحيد الذي يواجه الأطفال في مصر، فهناك أيضًا المشاكل المرتبطة بالرعاية الصحية والتعليم الجيد أو زواج القاصرات دون السن القانوني، فهناك ما يزيد عن 18 مليون فتاة مصرية تتزوج في سن الطفولة قبل بلوغ عامها الثامن عشر، حسب التقرير الأخير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

اقرأ/ي أيضًا: تعداد مصر.. "إحصاءات وطن منهك"

لتفكيك مشكلة أطفال الشوارع والبحث عن أسبابها فنحن بحاجة إلى بحث مطوّل يدرس الظاهرة منذ عشرات السنوات، فهي ليست بالظاهرة حديثة العهد أو الغريبة عن المجتمع المصري حتى أصبح من العادي لجموع الشعب أن يقابل يوميًا العشرات والمئات من أطفال الشوارع وعمالة أطفال في طريق الذهاب والعودة من العمل ولا يمثل الأمر حدثًا جليًا من كثرة ما تردد على الأبصار بشكل يومي فأصبح أمرًا اعتياديًا، الراقدون على الأرصفة، والنائمون أسفل الكباري، والعاملون بورش تصليح السيارات وجمع القمامة، والمتسولون في الشوارع، والباعة المتجولون في محطات مترو الأنفاق من أطفال لم يتجاوزوا العشر سنوات.

يمثل الفقر والظرف الاقتصادي المتدني السبب الأساسي في تفشي الظاهرة، فنجد أطفالاً بلا مأوى بسبب تخلي أسرهم عنهم في سن صغيرة لصعوبة المعيشة، أو هروب الأطفال من جحيم المنزل بسبب ما يتعرضون له من إيذاءات بدنية ونفسية أو إجبارهم على أعمال شاقة في سن صغيرة لمساعدة الأسرة بالقليل من الأموال، فضلاً عن عدم وجود رعاية رسمية من الدولة لهؤلاء الأطفال لمحاولة الحد من الظاهرة، فأصبح لأطفال الشوارع مجتمعات خاصة بهم ومناطق تجمعهم سويًا، وجماعات أشبه لمافيا تستغلهم في أعمال غير مناسبة لسنهم وبعضها غير شرعي كالتسول أو التجارة في المخدرات أو حتى الاتجار بالبشر وبأعضائهم.

وهؤلاء الأطفال في هذه المجتمعات الخارجة عن سلطة الدولة عندما يصلون لسن المراهقة يشبعون رغباتهم الجنسية فيما بينهم عادة ما ينتج مزيدًا من الأطفال فاقدي الهوية والمأوى من الناقمين على المجتمع.

أصبح لأطفال الشوارع مجتمعات خاصة بهم ومناطق تجمعهم سويًا، وجماعات أشبه لمافيا تستغلهم في أعمال غير مناسبة لسنهم

اقرأ/ي أيضًا:  أسواق بقايا الطعام في مصر: كل ما تبقى للفقراء

تسول الأطفال في مصر (مروان النعماني/Getty)

في مصر: مساعدة أطفال الشوارع جريمة تؤدي إلى الحبس!

رغم أن الحكومة المصرية لا تقدم حلولًا فعلية أو مساعدات فاعلة لأطفال الشوارع، غير أنها تضع قيودًا قد تؤدي إلى سلب الحرية في بعض الأحيان إذا حاول شخص ما أو جمعية أهلية العمل لمساعدة أطفال الشوارع كما حدث مع الناشطة آية حجازي المسؤولة عن "جمعية بلادي"، التي عملت على إيواء بعض أطفال الشوارع ورعايتهم قبل أن يتم القبض عليها في أيّار/ مايو 2014 بتهم الاتجار بالبشر واستغلال الأطفال في أعمال جنسية وسياسية وتأسيس كيان مخالف للقانون، لتقضي بالسجن قرابة ثلاث سنوات مع مجموعة أخرى من العاملين بالجمعية قبل أن يصدر حكم ببرائتهم من التهم المنسوبة إليهم في نيسان/ أبريل الماضي بعد ضغوط دولية للإفراج عنهم خاصة من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية التي تحمل آية حجازي جنسيتها، فضلاً عن قانون الجمعيات الأهلية الصادر في أواخر العام الماضي والمقيّد لعمل الجمعيات الأهلية في مصر والذي وضع شروطًا جديدة فيما يخص تمويل الجمعيات أو التبرع لصالحها والأنشطة التي تقوم بها.

لدى السلطة، عبارة "أطفال الشوارع" صارت مخيفة لدرجة أنه يمكن أن يكون مجرد ذكرها سببًا في السجن، كما حدث العام الماضي مع أعضاء فرقة "أطفال الشوارع" التي اعتادت على تصوير مقاطع صغيرة في الشوارع المصرية بكاميرا الهاتف المحمول للسخرية من الأوضاع المتردية، ليتم القبض عليهم في أيّار/ مايو 2016 بتهم إهانة رئيس الجمهورية والتحريض على التظاهر، ليقضوا شهورًا بالحبس الاحتياطي ويتم الإفراج عنهم بتدابير احترازية في أيلول/ سبتمبر من العام نفسه بعد ضغوط دولية ومطالبات من منظمات حقوقية كهيومن رايتس ووتش.

اقرأ/ي أيضًا:  العشوائيات في مصر.. أرقام ومعلومات

عمالة الأطفال في مصر (مروان النعماني/Getty)

أطفال الشوارع بين الواقع والسينما

عديدة هي الأفلام التي تناولت ظاهرة أطفال الشوارع منذ عشرات السنوات حتى الآن مع اختلاف التناول السينمائي في كل عصر

ما يجعلنا على ثقة من قدم ظاهرة أطفال الشوارع وتعاظمها بمر العصور دون مواجهة حقيقية من الحكومات المتوالية، هي الأفلام التي تناولت الظاهرة منذ عشرات السنوات حتى الآن مع اختلاف التناول السينمائي في كل عصر، وهناك أفلام بعينها تعتبر علامات في السينما المصرية في تناول تلك الظاهرة، نبدأها بفيلم (أولاد الشوارع 1951) من بطولة وتأليف وإخراج يوسف وهبي، الذي يحكي عن التفكك الأسري الذي يدفع إلى الاستغناء عن الأطفال ليكبروا في بيئة مختلفة أو كأطفال شوارع، يحكي عن أم وضعت رضيعها في الشارع هربًا من رب الأسرة المجرم الذي هددهم بالقتل.

ويبدو أن الفنان أنور وجدي كان مهتمًا بمشكلة أطفال الشوارع لكي يقدّم للسينما المصرية فيلمين من بطولته وتأليفه وإخراجه في سنتين متتاليتين، (دهب 1953) من أشهر أفلام السينما المصرية حيث شاركه البطولة الفنان إسماعيل ياسين والطفلة فيروز في دور دهب والتي اعتبرها البعض معجزة فنية في حينها. ويحكي الفيلم عن الطفلة دهب المولودة نتيجة علاقة سرية غير شرعية بين أحد الأغنياء وخادمته ليحاول التخلص من الطفلة خوفًا من الفضيحة ليؤول مصيرها إلى أحد الموسيقيين الفقراء الذي يجسد دوره أنور وجدي. وفي العام التالي قدّم أنور وجدي الفيلم العربي (أربع بنات وضابط 1954) الذي يحكي عن نوع مختلف من المشاكل التي تواجه أطفال الشوارع والمتعلّقة بمراكز الإيواء والإصلاحيات وما يقابلونه من معاملات سيئة ومهينة وقاسية.

قصة أخرى يستعرضها فيلم (جعلوني مجرمًا 1954) الذي قام بالمشاركة في تأليفه فريد شوقي، وقام ببطولته مع رشدي أباظة وهدى سلطان ومحمد رضا، ويتناول الفيلم زاوية أخرى مختلفة لطفل تتوفى عنه أسرته ويستولي عمه على إرثه لتنتشله عصابة ما وتتولى رعايته وتستغله في أعمال مخالفة للقانون.

وشارك الفنان عمرو دياب في بطولة فيلم (العفاريت 1990) ويعتبر من علامات السينما المصرية أيضًا ومن الأفلام المعدودة التي شارك فيها عمرو دياب كممثل، ويحكي عن طفلة صغيرة يتم اختطافها واستغلالها في أعمال التسول من عصابة تقودها الفنانة نعيمة الصغير في دور "الكتعة" ويطلقون على الطفلة اسم "بلية" ويقدّم دياب أغنية "عودي يا بلية" خلال أحداث الفيلم والتي تعد علامة مميزة للعمل.

وقدّم المخرج طارق العريان مع المؤلف محمد حفظي فيلم (تيتو 2004) من بطولة أحمد السقا وعمرو واكد وحنان ترك، والذي يحكي عن طفل تربى في الشارع يتورط في جريمة قتل ويتم إيداعه بالإصلاحية وبعد أن يتم الإفراج عنه يجد نفسه غير قادر على مواجهة العالم الخارجي والاندماج فيه بهويته السابقة ويحاول بناء حياة جديدة صالحة إلا أنه يقع تحت سطوة أحد الضباط الفاسدين الذي قام بدوره الفنان الراحل خالد صالح.

ومن أفلام العصر الحديث التي تناولت قضية أطفال الشوارع بنوع من الجرأة، فيلم (حين ميسرة 2007) للمخرج خالد يوسف، والذي يحكي عن طبقة كاملة من المهمشين اجتماعيًا والمنسحقين ماديًا ما يدفعهم لممارسات خارج إطار القانون، ويستعرض حياة أطفال الشوارع في مقالب النفايات والأماكن المهجورة.

أطفال الشوارع في السينما المصرية

اقرأ/ي أيضًا:  

أطفال الشوارع في المغرب.. قنبلة موقوتة تهدد المجتمع

أطفال اليمن.. العنف سيد اللعبة