27-سبتمبر-2017

يتعرض أطفال الشوارع لعديد المخاطر منها الاستغلال الجنسي والضرب(بيتر بيسشوف/Getty)

أطفال وفتيان مراهقون، يجوبون الأحياء على شكل مجموعات وهم يغنون أناشيد رياضية بكثير من الضجيج، حرفة كثير منهم النشل والسرقة بواسطة السلاح الأبيض، يتعاطون المخدرات ويستنشقون أنواع اللصائق، البيت الوحيد الذي ألفوه هو الشارع، بعض الناس يعتبرونهم مصدر إزعاج وتعكير لصفو الساكنة، وآخرون يرونهم ضحية لمجتمع لا يرحم. إنهم "أطفال الشوارع" الظاهرة المتفشية في مدن المغرب بشكل مرعب.

ينتشر أطفال الشوارع في مدن المغرب بشكل مقلق، يعتبرونهم مصدر إزعاج للساكنة ولا رؤية واضحة لدعمهم من قبل الدولة

أطفال الشوارع بالمغرب في تزايد

تطلق صفة "أطفال الشوارع" على الأفراد الذي تقل أعمارهم عن 18 سنة، والذين يتخذون الشارع مأوى أساسيًا لهم ليلًا ونهارًا وفي الصيف والشتاء، سواء كانوا ينقطعون عن أسرهم بشكل تام أو يرجعون لبيوتهم بين الفينة والأخرى، وهي ظاهرة اجتماعية مستفحلة بالمملكة المغربية، عجز كل من المجتمع ومؤسسات الدولة حتى الآن على التعاطي معها بواقعية.

لا توجد إحصائيات رسمية دقيقة لعدد أطفال الشوارع في المغرب، غير أن دراسة سابقة أشرف عليها الباحث الاجتماعي شكيب جسوس تفيد أن هناك ما يزيد عن 30 ألف طفل مغربي يعيشون في الشارع،  فيما يقول المركز المغربي لحقوق الإنسان إنه يوجد قرابة مئة ألف طفل في المغرب يولدون دون هوية أب، محذرًا من أن هؤلاء الأطفال يعتبرون مشروع "أطفال شوارع" في المستقبل.

ويمارس معظم هؤلاء الأطفال أعمالاً هامشية لتحصيل قوتهم اليومي كمسح الأحذية ومسح زجاج السيارات والتنقيب في حاويات القمامة، بالإضافة إلى التسول وبيع السجائر ومناديل كلينيكس، وأحيانًا يلجأون إلى النصب والسرقة، كما يترددون على الأماكن العمومية المختلفة مثل محطات السكك الحديدية والمحطات الطرقية وإشارات المرور ومواقف السيارات والحدائق العمومية والأسواق والمقاهي والمطاعم وجوار المساجد، وكثيرًا ما يتعرضون للاستغلال الجنسي والضرب والشتم علاوة على الجوع والبرد والمرض.

وتشير التقديرات إلى أن الظاهرة في اتساع مستمر، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تزايد نسبة الفقر والتسرب المدرسي في المجتمع المغربي، وهما العاملان الرئيسان في إفراز هذه الآفة الاجتماعية.

يعتبر الفقر والتسرب المدرسي من العوامل الرئيسية في تزايد ظاهرة أطفال الشوارع في المغرب

ولم تقتصر ظاهرة "أطفال الشوارع المغاربة" على داخل البلاد فقط، بل امتدت لتصل خارج الحدود، حيث تشتكي العديد من البلدان الأوروبية من شيوع مجموعات من الأطفال المشردين المغاربة، الذين يتخذون شوارع المدن الأوروبية ملاذًا لهم، ويتعاطون أشكالًا مختلفة من الانحراف، وهو ما قاد البعض منها إلى التفاوض مع الرباط من أجل إعادتهم.

وفي هذا الصدد، رصد تقرير صادر عن معهد "Gatestone" وجود حوالي 800 طفل مغربي يعيشون في شوارع السويد، بعدما قاموا بهجرة طويلة من بلدهم الأم وحيدين حتى وصلوا السويد، يتواجد 200 فرد منهم في أنحاء العاصمة ستوكهولم، وقال التقرير السويدي إن هؤلاء الأطفال "يدخنون الحشيش ويرتكبون العديد من الجرائم، من قبيل الاغتصاب والنصب والسرقة بالسلاح الأبيض، ولا يتفهمون طريقة عيش المجتمع السويدي"، مضيفًا أن "الدولة لا تعرف كيف تتعامل مع هؤلاء الأطفال الرافضين للمساعدة العمومية، حيث يهربون من مراكز الإيواء والرعاية التي تكفلها لهم السلطات السويدية إلى الشارع مرة أخرى".

اقرأ/ي أيضًا: في لبنان..أطفال بين الشوارع والمدارس!

أسباب شيوع ظاهرة "أطفال الشوارع" في المغرب

تمس آفة "أطفال الشوارع" إحدى ركائز مستقبل المجتمع، وهي فئة الأطفال التي من المفترض أن تحظى بالرعاية والحماية اللازمة، كحق طبيعي من حقوق الطفولة، غير أنه في بعض المجتمعات تتعرض فيها هذه الفئة الهشة إلى الإقصاء الاجتماعي والتهميش، مما يستدعي البحث عن الأسباب وعلاجها قبل ضياع حياة جيل كامل يقدر بعشرات الآلاف.

وتختلف هذه الظاهرة في أسبابها حسب كل مجتمع، غير أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) تقول في معرض حديثها عن عوامل الظاهرة بشكل عام، إن الأطفال يتركون منازلهم من جراء العنف والإدمان على المخدرات والكحول، أو وفاة أحد الوالدين أو تفكك العائلة، أو بحكم اندلاع حرب أو كوارث طبيعية، أو بكل بساطة بسبب الانهيار الاجتماعي والاقتصادي، فيَضطر العديد من الأطفال المعدمين على كسب لقمة عيشهم من الشارع.

وفي دراسة ميدانية أنجزها الباحث السوسيولوجي محمد مومن، حول ظاهرة أطفال الشوارع بالمغرب، خلصت إلى أن الفقر وتفكك الأسرة وغياب الدعم الحكومي هي أبرز الأسباب التي تساهم بشكل كبير في استفحال الظاهرة بالمغرب.

فعلى المستوى الأول يقول الباحث إن الفقر المدقع اكتسح حياة فئات واسعة من الجهات المهمشة، بسبب السياسات الاقتصادية الفاشلة على مدار عقود، مما أنتج البطالة والأمية والهجرة القروية، فظهرت الأحياء الشعبية ومدن الصفيح وأحزمة الفقر في المدن، حيث يعم الناس هناك البؤس والحرمان. وبالتالي يجد الأطفال أنفسهم مجبرين للخروج إلى الشارع في ظل فقر أسرهم.

أما على صعيد ثان، فقد وجدت الدراسة أن هناك قصورًا حادًا في التنشئة الاجتماعية، ناجمًا عن تفكك الأسرة، جراء النزاعات الأسرية العنيفة، أو طلاق الوالدين، أو الوفاة، أو تخلي الأب أو الأم عن الطفل، أو بفعل تعرض الطفل للعنف المستمر والإهمال التام في البيت، مما يخلق بيئة عائلية مشحونة بالعدائية، تجبر الأطفال على مغادرة المنزل.

كما أن فشل الحكومة المغربية في احتواء ظاهرة "أطفال الشوارع"، قد ساعد في اتساع رقعتها داخل الفئات الهشة بالمدن، وذلك بسبب غياب الموارد المالية والبشرية اللازمة لمحاربة هذه الظاهرة، ناهيك عن عدم وجود خطة واضحة تقوم على آليات تنسيق وتنفيذ ومتابعة وتقييم بهدف محاصرة الأزمة.

تجدر الإشارة إلى أن مكوث الأطفال في الشوارع لمدة طويلة، تجعل البعض منهم يتعودون على حياة الشارع رفقة أصدقائهم كأسلوب عيش، فيصعب انتشالهم من مستنقع الشوارع، حتى بعد توفير دور الرعاية لهم، ما يجعل من الظاهرة قنبلة موقوتة تهدد المجتمع بالجريمة والتطرف.