15-سبتمبر-2021

تغير نماط نشاط الأطفال بسبب الهواتف الذكية (Getty)

أقدمت أستاذتان في علم النفس على مراجعة لحوالي 40 دراسة سابقة حاولت النظر في كيفية تأثير استخدام الهواتف الذكية على المراهقين والأطفال وما إذا كان ذلك يسهم في تعرضهم لطيف من حالات الاكتئاب والقلق. والخلاصة التي توصلا إليها قد تكون مخالفة للمنطق العام السائد بشأن أثر الهواتف على الصحة النفسية للأطفال.

فما هي أضرار الهاتف المحمول على الأطفال، وكيف يمكن تقديرها؟ 

توصي منظمة الصحة العالمية بعدم تجاوز استخدام الهاتف للأطفال بين سنتين وأربع سنوات لمدة ساعة واحدة يوميًا 

تحذيرات منظمة الصحة العالمية

فمنظمة الصحة العالمية قد أوصت في العام 2019 بأن لا يتعرض الأطفال الرضّع (أقل من عام) للشاشات الإلكترونية، وأنه من الضروري أن لا يزيد استخدام الهاتف أو الجهاز اللوحي للأطفال بين عمر سنتين إلى أربع سنوات عن ساعة واحدة يوميًا. وحتى كبار المدراء التنفيذيين في أبرز الشركات التقنية كثيرًا ما علقوا في مقابلات وبرامج وثائقية عن حرصهم على عدم إدمان أطفالهم على الأجهزة التي تطورها شركاتهم.

الرابط غير واضح

إلا أن الباحثتين قد أوضحتا بحسب المراجعة التي قاما بها أن الرابط بين استخدام الهاتف الذكي وأي اضطرابات نفسية تتعلق بالاكتئاب والقلق غير واضح، وهو على كل الأحوال محدود للغاية كعلاقة سببية مباشرة. وذكرت الباحثتان، وهما البروفيسورة كانديس أودغرز وميشلين جنسن من جامعة نورث كارولينا الأمريكية، أن الأبحاث السابقة حتى يومنا الحاضر لم تتفق بشكل كامل على تحديد علاقة بين استخدام الهواتف الذكية أو وسائل التواصل الاجتماعي وبين مشاكل الصحة الذهنية. كما أن آخر الدراسات وأكثرها جدية لا تشتمل على توضيح الحد الفاصل بين "المسبّبات" (causes)، وبين "الآثار" (effects)، وأن أي إشارة للرابط بين الأمرين ليست ذات اعتبار عملي على المستوى السريري والعملي.

 

وقد نشرت دراسة الباحثتين الأمريكيتين من جامعة نورث كارولينا بعد عدة أسابيع من نشر ورقة بحثية مشابهة، أعدتها الباحثة إيمي أوربن من جامعة كامبردج، والتي راجعت فيها أكثر من 80 مراجعة منهجية وتحليلات فوقية خاصة بالموضوع، وتوصلت إلى خلاصة مشابهة: أن ثمة رابطًا ضئيلًا بين التقنية الرقمية واستخدامها وبين الصحة الذهنية والنفسية، وأن الحدود تتماهى في العديد من الدراسات ما بين السبب والأثر. وهو ما تأكّد كذلك في دراسة أعدها جيف هانكوك، مؤسس معهد "مختبر ستانفورد للسوشال ميديا" (Stanford Social Media Lab)، حيث وصل إلى نتيجة مماثلة، بحسب ما نقلت صحيفة نيويورك تايمز.

للصين رأي آخر 

للحكومة الصينية والخبراء فيها رأي آخر في هذا الصدد. حيث أعلنت الهيئة التنظيمية لألعاب الفيديو في الصين مؤخرًا بأنه لن يسمح للأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا سوى بساعة واحدة من اللعب عبر الإنترنت، في أيام الجمعة وعطلة نهاية الأسبوع وفي الإجازات، وبما لا يزيد عن 3 ساعات في الأسبوع. وهذه القواعد الجديدة تهدف بحسب السلطات الصينية إلى مكافحة ما أسمته "إدمان ألعاب الفيديو"، وهي قواعد توجيهية يترك أمر تطبيقها على عاتق شركات ألعاب الفيديو والقطاع الناظم للألعاب عبر الإنترنت، فهي ليست "قوانين" يترتب عليها عقوبات على الأفراد في حال مخالفتها.

كما تعهدت السلطات الصينية باتخاذ خطوات إضافية لمواجهة ما دعته "عبادة المشاهير"، حيث يتأثر اليافعون من الذكور والإناث بحسابات المؤثرين والمؤثرات على وسائل التواصل الاجتماعي، بما يدفع بحسب الوكالة الوطنية الصينية للصحافة والنشر (NPPA) إلى تشكيل أنماط غير صحية من السلوك والتفاعل يؤثر على سلامة وصحة الأطفال. 

تسعى السلطات الصينية إلى خفض وقت الشاشة الأسبوعي المتاح للأطفال (Getty)

ووفق هذه التوصيات الجديدة من الوكالة الوطنية للصحافة والنشر، فإنه سيطلب من الشركات المشغّلة لألعاب الإنترنت أن تقيّد خدماتها للأطفال بفترة محددة، بحيث لا يتمكن اليافعون الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا من الدخول إلى ألعاب الإنترنت إلا أيام الجمعة والسبت والأحد، وبين الساعة الثامنة والتاسعة مساء فقط. كما يمكن اللعب خلال هذه الساعة أيضًا خلال أيام العطل الوطنية. في حين كانت القواعد القديمة تتيح اللعب لمدة 90 دقيقة خلال أيام الأسبوع، ولمدة 3 ساعات في أيام نهاية الأسبوع والعطل. 

ما أهمية هذه الدراسات؟

تنبع أهمية هذه الدراسات من كونها تشير إلى أن الذعر بين الآباء والأمهات بشأن الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام الشاشات قد يكون غير مبرّر أو مبالغًا به، كما أن هذا يعني أن أضرار الهاتف المحمول تتباين بين بيئة وأخرى، بل وبين طفل وآخر. فثمة الكثير من المتغيرات التي تؤدي دورًا في تقييم ذلك، مثل نمط شخصية الطفل نفسه وطباعه، وطبيعة الأنشطة الأخرى التي تتوفر لديه، وطبيعة علاقته مع والديه وأقرانه، إضافة بالتأكيد إلى نوع المحتوى الذي يتعرض له على الهاتف. 

عدم وجود رابط مباشر بين استخدام الأطفال للهاتف وبين صحتهم الذهنية لا يعني إهمال الأنشطة البدنية والتواصل الحقيقي مع الأطفال 

لكن هذا لا يعني إهمال أهمية أن يحظى الطفل بفرص للعب وممارسة الرياضة والنشاط البدني بعيدًا عن الهواتف والأجهزة المحمولة والتواصل الفعلي مع أقرانه من الأطفال في المدرسة أو مساحات اللعب والحدائق على الصعيد اليومي، إلا أن الشاشة بذاتها لا ترقى إلى أن تكون "وحشًا" بالطريقة التي تصورها بعض المقالات أو الخبراء التربويين. وأن تلك الادعاءات التي ترى أن الشاشة هي السبب المباشر للارتفاع في مستويات الاكتئاب والقلق وغيرها من المشاكل الذهنية والنفسية لدى الأطفال والمراهقين قد لا يكون دقيقًا، وهو ما يعني أننا بحاجة إلى المزيد من الدراسات الأكثر دقة، ولاسيما في المنطقة العربية، لتحديد أضرار الهاتف المحمول على أطفالنا. 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

باختصار: كيف ولماذا ستقيّد الصين فترات لعب الأطفال على الإنترنت؟

الحكومة الصينية تفرض قيودًا جديدة على ألعاب الإنترنت للأطفال

بايدن يتسلّم تقريرًا استخباريًا جديدًا عن أصول "كوفيد"